يترافق الكشف التدريجي عن محتوى خارطة طريق للسلام في اليمن يجري الاستعداد للتوقيع عليها في أمد منظور مع سيل من الأسئلة بشأن إمكانية تطبيق بنود الخارطة المذكورة على أرض الواقع ومدى فاعليتها في إيجاد حلّ نهائي ومستدام للصراع في اليمن.
وتخشى عدّة جهات يمنية أن يتحوّل المسار الذي عملت المملكة العربية السعودية بحرص وجدّ على إنجاحه بمساعدة الأمم المتّحدة وبوساطة فاعلة من سلطنة عمان، إلى فرصة لجماعة الحوثي لالتقاط الأنفاس والحصول على استراحة محارب، خصوصا وأنّ ما تمّ الكشف عنه إلى حدّد الآن من تفاصيل مشروع الاتّفاق المعدّ للتوقيع يتعلّق بمسائل اقتصادية وإنسانية مفيدة للحوثيين بالدرجة الأولى، دون أن يطال مسائل جوهرية يصعب أن يصمد السلام من دون معالجتها بشكل جذري.
وكشفت وسائل إعلام سعودية عن الخطوط العريضة لاتفاق بشأن اليمن يتوقّع إبرامه في ظرف أيام قليلة ويمتدّ تنفيذه على ثلاث مراحل تستمرّ الأولى ستّة أشهر يتم خلالها وقف شامل لإطلاق النار وصرف الرواتب وفتح مطار صنعاء صوب وجهات سفر جديدة وفتح ميناء الحديدة بشكل كامل، بالإضافة إلى السماح للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بتصدير النفط.
وتتوّج هذه المرحلة بتشكيل لجان عسكرية وسياسية تمهيدا للمرحلة الثانية التي ستكون مرحلة حوار سياسي مدته عام كامل ويجري بين الأطراف السياسية اليمنية.
أما المرحلة الثالثة فتستمر عامين تتم خلالهما التهيئة لانتخابات عامة وحل كافة القضايا السياسية العالقة.
وفي مظهر على جدية هذا المسار قال وزير الخارجية اليمني الأسبق أبوبكر القربي إنّه سمع من وزير خارجية عمان بدر البوسعيدي تطمينات مباشرة بشأن استمرار السلطنة “في جهدها لوقف الحرب في اليمن والتوصل إلى حل سياسي شامل يحمي مصالح جميع اليمنيين الذين عليهم تحمل مسؤولية حماية مسيرة السلام من خطر الأزمات الإقليمية والدولية”.
ومن جانبها قالت مصادر يمنية إنّ رئيس المجلس رشاد العليمي استدعى جميع أعضاء المجلس إلى العاصمة السعودية الرياض لمناقشة تفاصيل مسودة الاتفاق التي تسلمها من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
وتثير هذه التطورات تساؤل المتابعين للشأن اليمني بشأن الضمانات التي يضعها مشروع الاتّفاق بين أيدي الأطراف المقابلة للطرف الحوثي بشأن التزام الأخير بتنفيذ البنود وفق المراحل الزمنية المنصوص عليها.
ويقول البعض إنّ جماعة الحوثي كمستفيدة من وقف القتال ومن صرف الرواتب ومن فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بشكل كامل، يمكنها أن تستثمر ذلك في إعادة ترتيب صفوفها ورفد قوتها العسكرية المتنامية بشكل ملحوظ، خصوصا وأنّها ستحصل بمقتضى الاتفاق على موارد مالية إضافية.
ويذكّر هؤلاء باستفادة الجماعة سابقا من اتفاق ستوكهولم بشأن محافظة الحديدة وكيف جيّرت الاتفاق لرفد مجهودها الحربي بدل أنّ تتخذه حافزا للسلام. ويتساءلون عن الدوافع التي ستحفّز الحوثيين على المضي في السلام بعد اكتمال المرحلة الثالثة من الاتفاق عندما يجدون أنفسهم وقد أصبحوا أقوى من ذي قبل اقتصاديا وعسكريا.
وقال الكاتب السياسي اليمني خالد سلمان إنّ “كل العطايا يلتقطها الحوثي كتنازلات ويقرأها من الزاوية الخطأ وتقوده إلى المزيد من التطرف والبلطجة والعنف معتقدا بضعف الآخرين وبأنه هو الأقوى”.
إلى ذلك أثيرت التساؤلات حول موقع قضايا جوهرية ضمن المسار الذي سينطلق من توقيع الاتفاق الذي تتحدّث المصادر عن اكتمال مسوّدته. وتساءل البعض عن فوضى السلاح السائدة في اليمن والناتجة عن تعدّد الجهات المسلّحة واختلاف انتماءاتها، وعن مصير الآلاف من المقاتلين المنتمين إليها، والطرف القادر على ضبط ذلك السلاح وتوحيد الفصائل المتنافرة تحت راية واحدة.
واعتبر البعض الآخر أن القفز في أي مسار سلمي قد يتمّ إطلاقه على قضية الجنوب سيجعل جزءا مهما من أطراف الصراع في اليمن خارج معادلة السلام، وذلك نظرا لوجود قوّة وازنة سياسيا وعسكريا لا تؤمن بوجود مستقبل للمناطق الجنوبية ضمن اليمن الموحّد وتطالب، بناء على ذلك، باستعادة دولة الجنوب المستقلة التي كانت قائمة قبل تسعينات القرن الماضي.