7 يوليو 2024
1 يناير 2023
يمن فريدم-الجزيرة
طلاء القصر الأبيض يسهم في عكس أشعة الشمس وتخفيف حرارته (الفرنسية)

 

 

قصر سيئون أو قصر الكثيري، أحد أكبر وأندر القصور المبنية من الطوب اللبن منذ أكثر من 5 قرون في مدينة سيئون في حضرموت (جنوب شرق اليمن)، وكان تابعا للدولة الكثيرية التي تعاقب سلاطينها على تجديد عمارته وإضافة مرافق وملحقات ومنافذ جديدة، طيلة مدة حكمهم من 1411 إلى 1967.

 

ويتميز القصر الذي استغرق بناؤه 15 عاما على مساحة 5 آلاف و460 مترا مربعا بالإبداع المعماري الفريد والمتناسق، ويعتبر تحفة هندسية أثرية ومن أهم المعالم التراثية في اليمن.

 

وفي عام 1984، صار مقرا للهيئة العامة للآثار والمتاحف، ومقرا لمتحف سيئون. وكان واجهة لعملة الألف ريال.

 

حصن سلاطين آل كثير

 

كان جنوب اليمن جزءا من الإمبراطورية البريطانية من عام 1839 إلى عام 1967، ويضم 23 سلطنة ومشيخة كانت تتمتع بحكم شبه مستقل.

 

وكان الحصن يسمى "الدويل" قبل استقلال اليمن، وكان مقر حكم الدولة الكثيرية منذ تأسيسها عام 1411، والتي كانت تحكم جزءا كبيرا من وادي حضرموت (عندما كانت تحت الحماية البريطانية في عام 1916)، وهي أكبر المحافظات في البلاد، إذ تحتل 36% من مساحتها.

 

وفي عام 1516 اتخذ سلطانها بدر بن عبد الله الكثيري المشهور بـ "أبي طويرق" مدينة سَيْئون -في منتصف وادي حضرموت- عاصمة سياسية لدولته، وجعل الحصن مقرا لإقامته وحكمه الذي امتد 60 عاما.

 

وقام بتجديد عمارته وبنى به مسجدا في الجهة الشمالية، وفي الحصن نفسه اعتقله ابنه، وسجنه في حصن "مريمة" الذي يبعد عنه بنحو كيلومترين، ومات فيه.

 

وفي عام 1713 جاء صالح بن منصور العولقي مناصرا لعمر بن جعفر الكثيري، وجدد عمارة الحصن. وفي 1857 قام غالب بن محسن الكثيري (مؤسس الدولة الكثيرية الثانية) بتجديد عمارة بناء الحصن الذي كان يعد قلعة عسكرية إلى عام 1411، وأكمل ترميمه ابنه "المنصور بن غالب".

 

وفي 1926 قام الحفيد علي بن منصور بن غالب الكثيري، بإتمام العمارة وطلاء الحصن بالنورة (الجص)، ووضع له السدد (البوابات)، و(العقر) بالحجر، وهي الطلعة التي تصعد إلى الحصن، وبنى الغرفة الكبيرة في الواجهة وما حولها، وبقي القصر على شكله منذ عام 1936.

 

وتقول بعض المراجع التاريخية إن اسم "حصن الدويل" استمر 540 عاما، في عهد سلاطين الدولة الكثيرية الأولى والثانية والثالثة، وكان السلطان حسين بن علي بن منصور الكثيري، آخر من سكنه قبل سقوط حكمه عام 1967.

 

حصن منذ القرون الهجرية الأولى

 

تعددت الروايات التاريخية حول فترة تأسيس القصر ذي البناء الطيني الضخم، ويقول مؤرخون إنه تأسس حصنا لحماية مدينة سيئون خلال فترة قديمة تسبق بداية ظهور الدولة الكثيرية، التي استخدمته لاحقا مقرا لسلطتها، وقامت بتوسعته وتحديثه، لكن المصادر التاريخية لم تذكر من شيّده أو صمّمه.

 

وذهب مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بوادي حضرموت حسين العيدروس؛ إلى أن مرحلة تأسيس القصر تعود إلى حقبة زمنية من القرن العاشر الهجري، ورأى أن طراز البناء الذي استغرق 15 عاما، يشير إلى احتمالية أن تكون عملية إنشائه أقدم من ذلك بفترة طويلة، كما أن التصميم الهندسي الأول للمبنى، أسس حصنا منيعا يهدف إلى حماية المدينة منذ القرون الهجرية الأولى.

 

وهذا البناء -حسب العيدروس- لم يكن الوحيد في حضرموت وقتئذ، وهو ما جعله يستلهم طرازه المعماري من مبان دفاعية أخرى كانت منتشرة على امتداد مناطق وادي حضرموت، إضافة إلى امتزاجه بطرز معمارية خارجية، على مر الفترات اللاحقة.

 

من قصر الثورة إلى سيئون

 

بنجاح الثورة التي اندلعت في جنوب اليمن بطرد الاستعمار البريطاني وإسقاط الدولة الكثيرية عام 1967، أطلق على القصر اسم "قصر الثورة"، حيث اتخذته حكومة الثورة مقرا للشرطة والأجهزة الأمنية.

 

وبعد الوحدة اليمنية التي دمج فيها شمال وجنوب اليمن في 1990، أطلق على القصر تسميته الحالية "قصر سيئون" أو"قصر الكثيري"، وأمرت سلطة الجمهورية حينها بتحويل القصور السلطانية إلى دور ثقافية مفتوحة للزيارة.

 

وفي عام 1984 صار مقرا للهيئة العامة للآثار والمتاحف ومقرا لمتحف سيئون، كما كانت تقام بداخله الكثير من الأنشطة والفعاليات.

 

وأهم أنشطته معرض التراث الفني في ديسمبر/كانون الأول، ومهرجان الآثار، ثم الاحتفالات والندوات لإحياء التراث.

 

مكان تاريخي في مدينة تاريخية

 

يقع القصر على ربوة صخرية في قلب مدينة سيئون، في موقع إستراتيجي مطل على مدينتي "شبام" غربا و"تريم" شرقا، كما يطل على مختلف اتجاهات مدينة سيئون ومركز نشاطها التجاري.

 

ونقل عن العلامة عمر بن عبد الرحمن البار (1099 – 1158هـ)، أن "سيئون" اسم امرأة كان لها عريش في جانب سيئون الغربي المسمى اليوم بـ "السحيل"، ويمر عليها أبناء السبيل المنقطعون فسميت باسمها المنطقة.

 

كما تسمى سيئون بـ "الطويلة"؛ لأنها تمتد بشكل طولي ويحيط بها سور قديم يقدر طوله بـ 5 أميال تقريبا، عليه 5 بوابات و25 قلعة صغيرة.

 

وبسيئون العديد من القصور والقباب والمساجد التي تعتبر من المعالم الأثرية الإسلامية الجميلة، وأغلب أرضها موقوف على مساجدها التي لا تقل عن 300 مسجد.

 

وقال مؤلف معجم البلدان والقبائل اليمنية، إبراهيم المقحفي، إن "سيئون وهي -مدينة علم وحضارة- أكبر مدينة في وادي حضرموت، وسيئون قديمة البناء سكنتها قبائل كندة، ثم قبائل نهد، وصارت من أرباض آل كثير منذ القرن العاشر الهجري وعاصمة دولتهم فيما بعد".

 

ويتكون القصر من 4 أركان (نسول)، وله 4 مداخل من كل جهة مدخل رسمي، وفي الواجهة مدخلان. وقد تمت عمارة المبنى المتكون من 6 طوابق عام 1926، ويزيد ارتفاعه على 25 مترا، وارتفاعه بالنسبة إلى مستوى الأرض يزيد على 45 مترا.

 

وعرف القصر أنماطا مختلفة في بنائه، إذ كان كل سلطان يضيف ويضع بصمته في المكان، فالقصر بني في الأساس حصنا، فكان البناء يرتكز على التحصينات التي تشمل السور وغيرها من المرافق، وحين تحول إلى قصر أضيفت طوابقه العلوية.

 

فكان يشبه قلعة طينية عملاقة لها أبراج في أركانها، ويكشف علو بنيانه كل المدينة والقرى المجاورة، كما يوفر عناصر مواجهة الحصار كأبراج المراقبة والمستودعات الكبيرة وبئر الماء، وثبت ذلك في العديد من المعارك التي شهدتها المدينة.

 

قصر من طين اللِبن

 

كانت عملية بناء قصر "سيئون" المتناسق هندسيا، تتم على عدة مراحل زمنية متتابعة، فكان طابع بنائه الطيني يتم بشكل تدريجي.

 

وكان البناء من الطين واللبن "المدر"، وكان يترك في كل مرحلة حتى تجف منه الرطوبة ويفرز أملاحه بعد تعرضه للرياح والشمس، ثم يتم طلاؤه بالنورة (الجير) من الخارج.

 

وكان للونه الأبيض دور مهم في عكس أشعة الشمس على المبنى، وهو ما يخفف من الحرارة التي يمتصها طوال تلك الفترة.

 

وبهذه العمارة الطينية أقيم القصر وكان في نهاية المطاف متماسكا ومتناسقا وجميلا، وظل صامدا حتى اليوم، إذ عرف منذ إنشائه مرحلتين من الترميم، الأولى عام 1516 والثانية عام 2001، ويؤكد علماء الآثار أنه لا يمكن له الصمود دون ترميم وصيانة مستمرة.

 

وتزدهر في وادي حضرموت العمارة الطينية، وذلك لملاءمتها جو الوادي الذي يتميز بالحرارة والجفاف، وأظهرت الدراسات تناغما واضحا بين البيئة المكانية المتمثلة في البيئة الطبيعية بمختلف أنواعها، وعمارة المباني الطينية في المنطقة.

 

ويعتمد أسلوب البناء الطيني عموما على:

 

-الطوب الطيني (المدر) وهو مادة البناء الرئيسة، ويصنع بخلط الطين مع كمية من التبن وينتج باختيار طين تكون به نسبة الطمي عالية، ويكون خاليا من الأملاح ويدعى هذا النوع محليا (الزبر)، ثم يترك ليتخمر أسبوعا أو اثنين، ثم يصب في قوالب خشبية مختلفة الأبعاد، ويترك ليجف تحت أشعة الشمس.

 

-الأحجار الكلسية تستعمل في بناء الأساسات وتجلب من مناطق الجبال المحيطة.

 

-الجير (النورة)، تحرق الأحجار الجيرية وتصهر في أفران (كورة)، ثم تضرب وتفتت وتحول إلى مسحوق ناعم يمزج مع الرمل، وتطلى بها السطوح وأوجه المباني كمادة عازلة للرطوبة.

-الخشب، ويستعمل في بناء وتشييد الجسور الرابطة بين أساسات وجدران المبنى الطيني وتسمى (السبوط)، ومن أهمها أخشاب شجرة السدر (العلب)، وتعرف بخصائص خشبها (الأحمر) من حيث الصلابة ومقاومة الأرَضة، وتستخدم لتغطية عرض الجدار وفي تدعيم الجدران الداخلية (العروس) وفي بناء السقوف وتدعيمها بـ(الأسهم)، وفي صناعة النوافذ والأبواب بأشكالها ومواقعها المختلفة.

 

-ومن آليات الحفاظ على البناء؛ خلط الطين بمادة التبن وروث الحيوانات لتزيد تماسكه، ثم طلاء الجدران بالنورة والرماد (الطرقة)، لتصبح أكثر متانة ومقاومة للأمطار والهواء.

 

المكونات والأدوار

 

يتشكل القصر من:

 

6 طوابق مبنية من الطين الناعم ومطلية بالنورة والقِضاض.

 

96 غرفة منها 41 غرفة كبيرة الحجم.

 

32 حماما (دورة مياه).

 

14 مستودعا ومخزنا لمستلزمات واحتياجات الدولة الكثيرية.

 

20 سطحا جانبيا شبيها ببناء المدرجات الزراعية.

 

واستخدمت طوابقه في الآتي:

 

-الدور الأول: مستودعات ومخازن لمتطلبات الدولة والقصر، وفيه سكن الخدم وعمال القصر.

 

-الدور الثاني: إدارة الدولة الكثيرية؛ المجلس السلطاني ومكتب السلطان الكثيري، وهو الآن مكاتب لفرع هيئة المتاحف والآثار بسيئون.

 

-الدور الثالث: خصص لسكن العائلات والجلسات العائلية.

 

-الدور الرابع: خصص لزوجات السلطان واستقبال الضيوف من النساء.

 

-الدور الخامس: سطح يحميه ستار من البناء يلف القصر كالعمامة متصلا بالغرفتين المبنيتين في جهتين متقابلتين (الشرقية والغربية)، وكان يستخدم السلطان إحداهما للراحة والأخرى غرفة نوم خاصة به.

 

-الطابق السادس: عبارة عن سطح متنفس لسكان القصر وبإمكان الواقف عليه رؤية ومشاهدة كل ما يدور في المدينة وحول القصر، بل ومشاهدة الذاهب إلى خارج المدينة والقادم إليها.

 

متحف ومسرح

 

ولا يزال القصر على حاله حتى الآن، وصار أزيد من 50% تقريبا من مساحته متحفا افتتح 1983، وتشمل قاعاته مجموعات أثرية ذات قيمة تاريخية منها:

 

-الآثار القديمة التي جمعت من مواقع متفرقة من وادي حضرموت.

 

-الآثار التي استخرجت من حفريات موقع ريبون الأثري، وغيرها من المناطق في الوادي، وتمثل مراحل مختلفة من تاريخ المنطقة، وهي نتاج أعمال تنقيب بعثات روسية وفرنسية ويمنية ومسوحات بريطانية وبعثات مختلفة.

 

-آثار ونقوش تعود إلى عهد الممالك اليمنية القديمة.

 

-آثار تعود إلى العصر الإسلامي منها منابر مساجد خشبية يعود تاريخ أقدمها إلى عام 1274م.

 

-الموروث الشعبي الذي تزخر به مدينة حضرموت.

 

-الوثائق القديمة الخاصة بالدولة الكثيرية التي اتخذت في فترة من فتراتها المتأخرة سيئون عاصمة لها، وهي علم الدولة ووثائقها الرسمية كالجوازات والرخص المختلفة، وعملات نقدية، وأنواع من الأسلحة وغيرها.

 

-وتزين جدران المتحف بالصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسات الرّحالة الأوربيين كالرّحالة الهولندي فان دير مولين والرّحالة الإنجليزية فريا ستارك.

 

كما خصص جزء من القصر إدارة لفرع وزارة الثقافة، وبني في واجهة القصر الجنوبية الشرقية في 1982 مسرح مفتوح يتسع لأكثر من 5 آلاف شخص.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI