7 يوليو 2024
2 سبتمبر 2023
يمن فريدم-خاص
تصوير: عبدالله الجرادي

 

رغم الجهود الإقليمية والدولية لإحلال السلام في اليمن، إلا أن حربا من نوع آخر تلوح بالأفق، أظهرها التحشيد العسكري للحوثيين والتهديدات في أكثر مناسبة عند الحديث عن مشاورات تهدف لاستئناف العملية السياسية بين الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، والحوثيين.

 

ما يعقّد المشهد السياسي ويجعله متأزمًا هو الحرب الاقتصادية التي ظهرت للسطح بين الحكومة والحوثيين، وهو ما ألقى بضلاله على البلد وعامة الناس، حيث اشتد الوضع المعيشي أكثر من السابق، وأصبحت الأطراف تتراشق الاتهامات بالتسبب بتدهور الوضع، خصوصا بعد استهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط، ما ضاعف من التزامات الحكومة تجاه موظفي الدولة وعدم الاستمرار في تقديم الخدمات بالمناطق المحررة.

 

محاولات لتحريك الجمود

 

هذا التصعيد جعل اللاعبين الإقليميين والدوليين يكثفون من تحركاتهم ومساعيهم للحد من ذلك، بغية عودة الأطراف إلى مسار العمل السياسي، إلا أن الحوثيين أظهروا مزيدا من التصلب في التعاطي مع الملفات العسكرية الاقتصادية والإنسانية كملفات أكثر كلفة حتى من الملف السياسي.

 

وتواجه المفاوضات السياسية في ظل هذه الوضع تحديات كبيرة، تعود لأسباب عدة منها غياب الثقة بين الحكومة والحوثيين، وكذا وجود لاعبين إقليميين ودوليين يرى مراقبون أنهم متورطون في النزاع، إلى جانب الانقسامات الداخلية، وهو ما يفاقم من المشكلة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية المأساوية وتدهور الاقتصاد، مما يجعل الحل السياسي أكثر تعقيدًا.

 

الجولة الجديدة للمبعوثين الأممي والأمريكي للمنطقة في مهمة تحرك الجمود في الملف اليمني، هي مؤشر لوصول المفاوضات السابقة إلى طريق مسدود، ويأمل المبعوثان أن يحققا اختراقا جديدا في جدار الأزمة مع تصاعد الخطاب التهديدي للحوثيين ورفض الحكومة الخضوع للمطالب التي تصفها بـ "غير المنطقية وغير المقبولة" التي طرحها الحوثيين في النقاشات السابقة.

 

فكانت الرياض ومسقط وأبو ظبي المحطات الرئيسية للمبعوثين، كدول تعلب دورًا بارزًا في جولات المفاوضات بين الحكومة والحوثيين، إلا أن ملامح استئناف العلمية التفاوضية غير واضحة، وسط ترقب محلي وإقليمي ودولي.

 

الصحفي والباحث محمد عبدالمغني يرى أن هناك تخوفا كبيرا من عودة المشهد العسكري إلى الواجهة من جديد في حال لم يتم تحقيق خطوة إيجابية في الملف السياسي، وأوضح في تصريح لـ " يمن فريدم" يمكن القول إن التحركات الإقليمية والدولية الأخيرة، التي تمثلت في جلسة مجلس الأمن قبل أيام، بخصوص اليمن، وكذلك زيارة المبعوث الأمريكي، تيموثي ليندر كينج، إلى الرياض والتحركات العمانية اضافة الى تحركات مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى سلطنة عمان، ولقI بالوسطاء العمانيين، تأتي في سياق التعبير عن تخوف كبير بعودة القتال في البلاد والجهود الدولية إلى نقطة الصفر ، خاصة بعد التهديدات التي أطلقها زعيم جماعة الحوثي، السبت الماضي، بإعادة استهداف الأراضي السعودية والسفن الأمريكية في مضيق باب المندب.

 

وربط الباحث عبدالمغني هذه المخاوف برغبة طهران بإعادة التوتر في الأجواء اليمن، حيق قال "هذه التهديدات بشكل عام لا يمكن فصلها عن رغبة طهران مؤخرا في إعادة خلق توتر في الأجواء باليمن. فالتهديدات التي أطلقها زعيم جماعة الحوثي تتزامن من حيث التوقيت مع تقلبات ملف الاتفاق السعودي الإيراني، الذي ترى إيران أنه لم يحقق تقدما في مجال التعاون الاقتصادي مع الرياض. من ناحية أخرى، يبدو أن هناك استياء خليجي بسبب استمرار إيران في استهداف السفن في المياه الإقليمية وعدم التزامها بشكل أكبر في مجالات التعاون الأمني".

 

وتابع " ومع ذلك، تظهر التحركات الدولية في الواقع أكثر جدية منذ عام ونصف تقريبا، وذلك من أجل إقناع الأطراف المتعددة في اليمن بخطة السلام التي تسعى الأمم المتحدة لتعزيزها بشكل أكبر في الواقع اليمني بعد الاتفاق السعودي الإيراني واللقاء الذي جمع الحوثيين مع السفير السعودي في صنعاء في الفترة الماضية.".

 

وقلل محمد عبدالمغني من التفاؤل بهذه التحركات لصعوبة تحقيق خطوة إيجابية وقال "غير أنه في المقابل لا يمكن التفاؤل كثيرا بهذه التحركات فأمام الأمم المتحدة مهمة صعبة اليوم، خاصة مع التهديدات الحوثية الأخيرة وايضا مع وجود العديد من بنود وقف إطلاق النار التي لم يتم تنفيذها بشكل حقيقي خلال الفترة الماضية، ومن بينها الفشل في فك الحصار عن مدينة تعز".

 

بينما تظل الشروط التي يفرضها الحوثيون ظاهرة اليوم بشكل أكثر تعقيدا علاوة على غياب تنفيذ نقاط أكثر أهمية مثل دفع رواتب الموظفين وغيرها من النقاط المتعلقة بالجانب الإنساني.

 

عقبات مستمرة

 

حتى تتمكن الأطراف اليمنية من تحقيق تقدم في المفاوضات السياسية، يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من جميع الأطراف للتفاوض والتوصل إلى تسوية سياسية.

 

وهذا يتطلب ضغوط حقيقة ودعم من المجتمع الدولي وبذل كل الجهود الممكنة للتوسط في الصراع القائم الذي ينذر بعود الحرب من جديد، فتحقيق السلام في اليمن يحتاج وقتًا وجهودًا كبيرة من كافة الأطراف المتنازعة.

 

يجب أن يتم التركيز على حل القضايا السياسية الجوهرية وتلبية احتياجات الشعب اليمني. وعلى المدى البعيد، يجب تعزيز الحوار والمصالحة الوطنية في اليمن لبناء مستقبل مستدام ومزدهر للبلاد.

 

وفي ظل الحديث المتكرر عن السلام، تظهر عوامل جديدة تعيق عملية التوصل إلى حل في البلاد، من بينها توترات وانقسامات عميقة بين الأطراف المتنازعة، فكل طرف له رؤى وأجندات ومصالح، مما يصعّب في التوصل إلى توافق سياسي وحل شامل.

 

كما أن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في الأزمة اليمنية هي أبرز العوامل التي تجعل السلام أمام طريق فيها كثير من التعقيدات، مما يعقّد الحل السياسي ويؤجج الصراع، بالإضافة إلى استمرار العنف والنزاع وانتهاكات حقوق الإنسان تزيد أيضا من تعقيدات الأزمة وتقوّض الثقة بين الأطراف المتنازعة.

 

في حين تشكل العوائق والصعوبات الإنسانية والإغاثية سببا آخر في عدم أمكانية رسم ملامح للسلام المنشود، فالنزاع الدائر والحصار الاقتصادي والقيود المفروضة على الأعمال الإنسانية جميعها تؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية وانعدام الأمن الغذائي والصحي والمأوى، مما يعزز التوترات ويقوّض الجهود السياسية.

 

تصلّب حوثي

 

أظهرت زيارة الوفد العماني لصنعاء، الخميس 17 أغسطس والمغادرة يوم الأحد 20 أغسطس، أن ثمة مواقف متصلبة للحوثيين في الجهود التي يبذلها الإقليم والعالم بشأن الهدنة واستئناف المفاوضات السياسية، ما جعل الجماعة تناور من بالملف الإنساني والرواتب، رغم أن هذا الملف يشكل ضغطا كبيرا عليها خاصة بعد استهداف موانئ تصدير النفط واحداث خلل في التزامات الحكومة اليمنية من دفع الرواتب وتوفير الخدمات.

 

وبشأن هذه المواقفة المتصلبة يقول الباحث، مصطفى ناجي الجبزي، لـ " يمن فريدم" إن الحوثيين في ورطة داخلية بعد تزايد الضغوط الاجتماعية على الجماعة بسبب امتناعها عن الالتزام باستحقاقات المواطنين؛ كالرواتب والخدمات.

 

وأشار الباحث الجبزي إلى أن الحوثي صدّر هذه الأزمة خارجيا بتهديدات أطلقها، فسارعت الجهود الدولية لاحتواء أي تصعيد.

 

ويرى الجبزي أن أجندات المشاورات الأخيرة "غير معلومة عدا عناوين عريضة تتحدث عن الرواتب وتوسيع نطاق النقل الجوي وتأمين المنشآت النفطية من الهجمات الحوثية".

 

وتوقع أن أي صفقة قادمة ستكون لها تداعيات على الحكومة اليمنية، وقال " لكن تفاصيل كثيرة تكمن وراء التعثر، أي صفقة ستنجز ستكون على حساب المركز القانوني للحكومة اليمنية المعترف بها وافتكاك من شرعيتها".

 

التعاطي الحكومي

 

رأى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، أن استئناف المفاوضات السياسية مع الحوثيين يجب أن يسير بالتوازي مع ضغوطات دولية حقيقية لإجبار الجماعة على التعاطي الجاد مع كافة الجهود بهدف التوصل لحل سياسي عبر مفاوضات يمنية-يمنية، إلا أن ما تسعى له الحكومة الشرعية، لم يجد طريقًا سهلا في ظل المناورات الحوثية في هذا الملف، خاصة أن الجماعة تحاول كسب مزيدا من الوقت لإعادة ترتيب صفوفها على الأرض، في الوقت الذي تناور بالملف الاقتصادي والإنساني، هو ما يخلق عقبات جديدة أمام كل هذه المساعي.

 

زيارة المبعوث الأممي إلى العاصمة المؤقتة عدن، يوم الثلاثاء 29 أغسطس، كانت بمثابة تأكيد أممي على الجدية في خلق بيئة ملائمة لبدء عملية سياسية بين الطرفين، لكن الموقف للمجلس الرئاسي هو نفسه لم يتغير، حيث شدد الرئيس رشاد العليمي " على أهمية اعتماد الأمم المتحدة آليات وتوصيفات دقيقة للوضع اليمني، بما في ذلك رصد خروقات الحوثيين، والبناء عليها في اتخاذ مواقف حازمة لتعزيز فرص السلام، وردع انتهاكات الجماعة للقوانين والأعراف الوطنية والدولية"، بحسب وكالة "سبأ" الحكومية.

 

ويؤكد الموقف الحكومي على ضرورة أن يقدم الحوثيين تنازلات حقيقة كبادرة حسن نية لبدء جولة مفاوضات جديدة برعاية الأمم المتحدة، إلا أن هذه المطالب تصطدم بالشروط المعقدة التي يطرحها الحوثيون في كل حديث عن أي تحركات سياسية محتملة لحلحلة الأزمة اليمنية.

 

وزير الخارجية، أحمد بن مبارك، من جانبه قال في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" إن الحوثيين يستغلون الحرص على السلام لتعكير الأجواء ورفع سقف المطالب وكسب الوقت لإطالة أمد الأزمة، وهو ما يؤكد أن التعاطي الرسمي مع الأزمة أكثر وضوحًا رغم التأثير الذي تحدثه السعودية بالقرار السياسي للحكومة في كل جولات التفاوض.

 

بن مبارك أكد أن جهود السلام الحالية التي تقودها الأمم المتحدة بمساعدة السعودية وسلطنة عمان، تركز في مرحلتها الأولى على فتح المطارات والموانئ ورفع الحصار عن تعز ودفع مرتبات موظفي الدولة وفقاً لقوائم 2014، وفي هذه النقاط تمكن العُقدة في الحل الممكن للازمة الراهنة.

 

تقدم ملحوظ

 

رغم استمرار الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي، إلا أن التقدم الملحوظ لا يزال محدودًا ويواجه تحديات، ولا يمكن اعتباره تقدم كافي نحو الحل الشامل.

 

على الرغم من هذه التحديات، لا تزال الجهود مستمرة للتوصل إلى حل سياسي، حيث تسعى الأمم المتحدة لتنظيم جولة  محادثات سياسية ولقاءات دبلوماسية، والتواصل مع الأطراف المتنازعة. إلا أن التوصل إلى حل يتطلب المزيد من الجهود والتزام جميع الأطراف المعنية والمجتمع الدولي.

 

كانت لجولة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أهمية بنظر المجتمع الدولي الذي يطمح لإحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية، وهو ما لم يراه الداخل اليمني، خاصة المدنيين الذين يشعرون بحالة إحباط كبيرة من تعثر كل الجهود التي يقوم بها غروندبرغ،

 

وفي هذا السياق قال غروندبرغ عبر حسابه في منصة "إكس" إنه عقد مؤخرا اجتماعًا عن بُعد مع علي أصغر خاجي، كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة.، وتناول النقاش التطورات المتعلقة بجهود الوساطة الأممية في اليمن، وسبل تعزيز الدعم الإقليمي والدولي المتضافر لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

 

هذا اللقاء يعطي صورة كاملة أن التقدم الذي حققه مبعوث الأمم المتحدة ليس كافيا، بل أن موقع الحوثيين يشكل عائقًا كبيرًا في طريق جهود غروندبرغ، وكانت تحركات المبعوث الأممي صوب طهران يكشف حالة التطرف الذي ينهجه الحوثيون في التعاطي مع المساعي الأخيرة لاستئناف العملية السياسية.

 

توقعات لمستقبل البلاد

 

من معطيات الواقع لا مؤشرات حقيقة ومقنعة أن اليمن سيسير نحو السلام بوتيرة عالية، فما يزال هناك الكثير من العقبات والتحديات التي تقف أمام الجميع على مستوى الأطراف اليمنية أو الأطراف الإقليمية والدولية، وسيظل الوضع على ما هو عليه، وستستمر الجهود الأممية في محاولة أيجاد طريق مقبول لدى الأطراف اليمنية يمكن من خلاله البدء بخطوة للسير نحو السلام، وقد تحتاج هذه الجهود الدولية مزيدًا من الوقت لمحاولة إذابة كل العراقيل والشروط المعقدة لكلا الطرفين، فما ينتظره الشعب اليمني اليوم هو مخرج للأزمة وإيجاد طريق سالك نحو السلام المنشود.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI