23 نوفمبر 2024
11 يناير 2024
يمن فريدم-الحرة


تبدأ محكمة العدل الدولية النظر في الطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا، بصفتها عضوا في المحكمة، اتخاذ تدابير عاجلة لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة لأنها حسبما قالت تتضمن أعمال "إبادة جماعية".

وعلى مدرا يومين، من المقرر أن تشهد أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة جلسات استماع لعرض وجهات نظر طرفي القضية، التي كان لافتا تصميم إسرائيل على المشاركة فيها على عكس قضايا أخرى سابقة.

وكان الطلب الجنوب أفريقي قد قوبل بانتقادات لاذعة من جانب إسرائيل التي ردت على اتهامات الإبادة الجماعية بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وقال رئيس إسرائيل، إسحق هرتسوغ، الثلاثاء، إنه "لا يوجد ما هو أكثر وحشية وسخافة" من هذه الدعوى.

ومحكمة العدل الدولية، التي عقدت جلستها الأولى عام 1946 في لاهاي مع خروج العالم من مذبحة الحرب العالمية الثانية والمحرقة، تفصل في الخلافات بين الدول بشأن تفسير المعاهدات الدولية. ولا ينبغي الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية ومقرها أيضا في لاهاي، لكن الأخيرة تتعامل مع قضايا جرائم الحرب ضد الأفراد.

ماذا سيحدث؟

ستنظر المحكمة المؤلفة من 15 قاضيا (بالإضافة إلى قاض إضافي من طرفي القضية) في قضية انتهاك إسرائيل لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي وقع عليها الطرفان، وهي تمنح هذه المحكمة الفصل في النزاعات حول تفسيرها.

والدول التي وقعت على الاتفاقية ملزمة بعدم ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وكذلك منعها والمعاقبة عليها.

وليس للفلسطينيين أي دور رسمي في هذه الإجراءات لأنهم ليست لديهم دولة عضو في الأمم المتحدة.

خوان مينديز، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة قال في تصريحات لموقع الحرة عبر الهاتف إنه وفق الإجراءات المعمول بها في المحكمة، يفترض أن تنظر في ما إذا كانت القضية تقع ضمن اختصاصها الذي يحكمه ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

وبعد ذلك، تبلغ المحكمة الدولة المدعى عليها، وفي هذه الحالة إسرائيل، أن هناك دعوى قضائية ضدها وتعطيها فرصة للرد وهو ما حدث بالفعل باتخاذ إسرائيل الإجراءات القانونية وتعيين قاض بارز للدفاع عنها، هو رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك، وفق مينديز، وهو حاليا أستاذ للقانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن.

ويفترض أنه لدى الدولة المدعى عليها أسابيع أو أشهر للرد وتقديم اعتراضات أولية على القضية، وهو ما يحدث في مرحلة النظر في قبول الدعوى، ثم تحدث جلسة استماع إذا اعترضت إسرائيل على اختصاص المحكمة، وبعد ذلك، تقرر المحكمة ما إذا كانت ستنظر في القضية أم لا بناء على الأسس الموضوعية.

ويبدو أن جنوب أفريقيا طلبت اتخاذ بعض التدابير المؤقتة، وهو قد يدفع باستعجال النظر في القضية لاتخاذ تدابير عاجلة، دون المس بشأن الأسس الموضوعية، وفق الخبير.

ويوضح أن هذه الإجراءات التمهيدية سيتم اتخاذها دون المساس بما إذا كانت القضية ستمضي قدما أم لا في النهاية، وأن المعايير التي قد تقرر بموجبها محكمة العدل الدولية إصدار التدابير المؤقتة لن يكون لها أي تأثير في النهاية على القرار النهائي الذي سوف يتخذ فيما بعد.

ويوضح أن المحكمة تتخذ تدابير مؤقتة لتجميد الوضع لحين النظر في القضية، وهذه التدابير تؤخذ إذا رأت أن هناك مخاطر كبيرة إذا لم تتخذ، وفي هذه الحالة يمكن أن يكون ذلك وضع سكان غزة.

وتقول أسوشيتد برس إن جلسات الاستماع ، هذا الأسبوع، ستتعلق فقط باحتمال منح إجراءات الطوارئ. وغالبا ما يمنح قضاة محكمة العدل الدولية مثل هذه التدابير، والتي تتضمن غالبا مطالبة الدولة بالامتناع عن أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع القانوني.

لكن سيتعين على المحكمة أن تقرر ما إذا كانت ستتمتع بالولاية القضائية للوهلة الأول، وأن الأفعال موضع الشكوى يمكن أن تقع ضمن نطاق معاهدة الإبادة الجماعية.

وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة، ووقف أي أعمال إبادة جماعية أو اتخاذ إجراءات معقولة لمنع الإبادة الجماعية، وإصدار تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية عن مثل هذه الإجراءات.

ويوضح المسؤول السباق في الأمم المتحدة أن تجميد الوضع، إذا اتخذته المحكمة، يشبه إلى حد كبير الاوامر القضائية المؤقتة التي تصدرها السلطات المحلية انتظارا للبت في الأسس الموضوعية.

وستعقد جلسات الاستماع يومي 11 و12 وسيكون أمام جنوب أفريقيا وإسرائيل ساعتان في يومين منفصلين لعرض قضيتهما المؤيدة أو المعارضة لإجراءات الطوارئ، وفق وكالة رويترز.

ولن تكون هناك شهادة شهود ولا استجواب. سيكون العرض التقديمي في الغالب عبارة عن حجج قانونية يقدمها مسؤولو الدولة وفرقهم من المحامين الدوليين، وستدخل المحكمة بعد ذلك في عملية مطولة للنظر في القضية بأكملها.

ويشير مينديز إلى أنه في الجلسات المقبلة، سيكون لدى إسرائيل فرصة للطعن، وبعد ذلك، ستقرر المحكمة ما إذا كانت ستنفذ طلب جنوب أفريقيا أو تتخذ إجراء مؤقتا آخر تراه مناسبا، أو تقول إنه ليست هناك حاجة لإصدار تدابير مؤقتة، وهذا الأمر قد يستغرق أياما. ويعتقد أن مداولات القضاة بشأن هذه المسألة ستشهد جدلا كبيرا.

ويوضح مينديز أن القضية قد تستغرق سنوا بعد اتخاذ قرار مؤقت، وأشار إلى سوابق تاريخية بهذا الشأن مثل القضية التي رفعتها البوسنة ضد صربيا، وسط الحرب، وتم البت في الأسس الموضوعية بعد حوالي 15 سنة، وذلك بعد اتخاذ تدابير مؤقتة أثناء الحرب.

وقضت المحكمة، عام 2007، بأن صربيا "انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية.. فيما يتعلق بالإبادة الجماعية التي وقعت في سربرينيتسا في يوليو 1995"، كما رفعت كرواتيا دعوى قضائية على صربيا، عام 2015، لكن المحكمة العالمية قضت بأن صربيا لم تنتهك الاتفاقية في هذه القضية.

وتقول الغارديان إن طلب جنوب أفريقيا لإصدار حكم مؤقت يتماشى مع الاتجاه الأوسع في محكمة العدل الدولية لمثل هذه الأحكام، إذ أن هناك مساع متزايدة في العقد الماضي للحصول على تدابير مؤقتة وقد أصدرت المحكمة تدابير مؤقتة في 11 قضية، مقارنة بـ 10 قضايا في الخمسين سنة الأولى من وجود المحكمة (1945-1995).

وتقول أسوشيتد برس إن الأوامر المؤقتة ستكون سارية أثناء نظر القضية برمتها، وفي حين إنها ملزمة قانونا ولكن لا يعني ذلك التزام الأطراف بها.

وقال المحامي الأميركي، ماتي أليكسيانو، في تقرير الغارديان إن إجراءات المحكمة التزمت بها الدول الأطراف بـ50 في المئة فقط من القضايا، بما في ذلك قضية أوكرانيا على روسيا في عام 2022، وقضية غامبيا بارتكاب إبادة جماعية على ميانمار في عام 2020، فقد تحدت الدولة الطرف الخاسرة المحكمة ببساطة.

وتقول أسوشيتد برس إنه في قضية أوكرانيا على روسيا، أمرت المحكمة موسكو بتعليق غزوها على الفور، لكن موسكو تجاهلت القرار.

هل ستجد المحكمة أدلة ضد إسرائيل؟

ويوضح مينديز أنه في الواقع شهدت محكمة العدل الدولية حالات قليلة جدا فيما يتعلق بقضية الإبادة الجماعية، وواحدة من القضايا القليلة التي وصلت إلى حيثياتها هي قضية البوسنة ضد صربيا. وهناك، وجدت المحكمة أنها لم تجد صربيا مسؤولة عن ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، لكنها وجدتها مسؤولة عن عدم منعها.

خلافات

و"اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" تعرف الإبادة الجماعية على أنها "أي من الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، وهذه الأفعال تشمل قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضائها، وإخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى".

وتقول جنوب أفريقيا، في ملفها المؤلف من 84 صفحة، إنه من خلال قتل الفلسطينيين في غزة، والتسبب في أذى عقلي وجسدي خطير لهم، ومن خلال خلق ظروف معيشية "مصممة لتحقيق تدميرهم الجسدي"، فإن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضدهم.

ويسرد التقرير "فشل" إسرائيل في توفير الغذاء والماء والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية لقطاع غزة خلال الحرب. ويشير أيضا إلى حملة القصف المستمرة التي دمرت جزءا كبيرا من القطاع وأجبرت على إجلاء حوالي 1.9 مليون فلسطيني وقتلت أكثر من 23000 شخص.

وجاء في الوثيقة أن "كل هذه الأفعال تنسب إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب إبادة جماعية في انتهاك واضح لاتفاقية الإبادة الجماعية"، مضيفة أن إسرائيل فشلت أيضًا في كبح التحريض على الإبادة الجماعية من قبل مسؤوليها.

وقالت إسرائيل، في المقابل، إنها تبذل قصارى جهدها لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في غزة. ووصف الرئيس الإسرائيلي القضية بأنها "فظيعة ومنافية للعقل" وقال : "سنكون هناك في محكمة العدل الدولية وسنعرض بفخر قضيتنا المتعلقة باستخدام الدفاع عن النفس بموجب حقنا الأصيل بموجب القانون الإنساني الدولي".

وأشاد رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، بجيشه الذي يتحلى "بأخلاقيات لا مثيل لها" في حرب غزة، ونفى بدوره اتهامات جنوب أفريقيا.

وقال مسؤول إسرائيلي، حسب ما ورد في تقرير سابق لموقع الحرة، إن بلاده قررت الدفاع عن نفسها لعدة أسباب: من بينها دور إسرائيل في الترويج لاتفاقية الإبادة الجماعية الأصلية بعد المحرقة، واعتقادها بأن "دينا حجة قوية.

وأشار معظم الباحثين الذين تحدثت إليهم مجلة تايم، في نوفمبر الماضي، إلى صعوب إثبات نية الإبادة الجماعية.وقال إرنستو فيرديغا، الأستاذ في جامعة نوتردام والمتخصص في الإبادة الجماعية: "يجب إثبات أن مرتكب الجريمة لم يرتكب الأفعال فحسب، بل ارتكب الأفعال بنية محددة للغاية تتمثل في تدمير المجموعة.. يمكن أن يكون هذا عائقا كبيرا لأن الناس في كثير من الأحيان يساهمون في سياسات الإبادة الجماعية، حتى لو لم تكن هذه نيتهم المباشرة".

لكن راز سيغال، مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ستوكتون، قال إن غزة "حالة نموذجية للإبادة الجماعية"، لأن القوات الإسرائيلية قامت ثلاثة أعمال إبادة جماعية هي "القتل والتسبب في أضرار جسدية جسيمة، وإجراءات محسوبة تؤدي إلى تدمير المجموعة".

وقال إن القادة الإسرائيليين أعربوا عن "بيانات نوايا صريحة وواضحة ومباشرة"، في إشارة إلى بيان الرئيس الإسرائيلي خلال مؤتمر صحفي عقد في 13 أكتوبر. وقال هرتسوغ في بيانه: "إنها أمة بأكملها هي المسؤولة... كان بإمكانهم أن ينتفضوا ضد ذلك النظام الشرير الذي استولى على غزة في انقلاب".

لكن هرتسوغ في وقت لاحق إنه لا يحمل المدنيين في غزة مسؤولية إبقاء حماس في السلطة السياسية، عندما طلب منه صحفي توضيح تصريحاته في نفس المؤتمر الصحفي.

ويوضح مينديز أن إسرائيل قررت الدفاع عن نفسها في هذه القضية بينما رفضت إجراءات المحكمة الجنائية الدولية وذلك لأنها لم توقع عليها، كما قاطعت الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل لأنها فتوى غير ملزمة.

أما القضية الحالية فتتعلق باختصاص "قضائي متنازع عليه"، وستسعى إسرائيل إلى تقديم الحجج، لذلك قررت إرسال وفد رفيع المستوى "لأنهم يعرفون أنه يتعين عليهم الدفاع عن أنفسهم وأنهم لا يستطيعون الهروب من اختصاص المحكمة".

ويشير إلى أن القاضي باراك ورغم خلافه مع حكومة نتانياهو لديه خبرات كبيرة ومعروف خارج إسرائيل.

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI