5 يوليو 2024
24 مارس 2024
يمن فريدم-أحمد الأغبري


ما بين فترة وأخرى يرتفع صوت خطاب حقوقي مناطقي مخاطبًا إما الحكومة أو المجتمع؛ متحدثا بلغة ساخطة عما يعتبره مظلومية أبناء منطقة ما من مناطق اليمن، ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها في جنوب وشرق البلاد.

يتصاعد الخطاب السياسي الحقوقي هناك؛ فبعد المجلس الانتقالي الجنوبي ومجلس حضرموت الوطني ومجلس عدن الوطني والمجلس الموحد للمحافظات الشرقية ومجلس أبناء سقطرى والمهرة وغيرها، ظهر مؤخرًا ملتقى أبين الجامع مخاطبًا الرئاسة والحكومة، ويتحدث عما يحدث لأبناء وكوادر محافظة أبين مما اعتبره "استهدافا ممنهجا فتح شهية للباحثين عن السلطة لتصفية كوادرها من كل مفاصل الدولة دون أي مراعاة لدورها الوطني وتضحيات أبنائها في كل المراحل منذ الثورة إلى اليوم".

نحن هنا لسنا بصدد قبول أو رفض هذه المكونات المناطقية، وما تتبناه من مظلوميات، بقدر ما نحاول تقديم قراءة لجزئية الخطاب الحقوقي المستند لبُعد مناطقي في بلد ما زالت تركيبته الديموغرافية في علاقتها بالتعليم والوظيفة العامة تُعاني كثيراً من الإشكالات. فهل هذا الخطاب يستند إلى مظلوميات أم يمارس انتهازيات أم يستند إلى مشاريع أخرى في مرحلة يعاني فيها البلد من تشظٍ تعددت معه السلطات والزعامات والمشاريع والممولين أيضًا، ولماذا في هذا الوقت تحديدًا، وهل ما يحدث هو تطور غير طبيعي لنهج المحاصصة المناطقية، ومن ثم السياسية في اليمن… أم نتاج طبيعي لضعف السلطة، أم مجرد أداة من أدوات مشروع كبير يستهدف وحدة البلاد؟ ففي خضم تزاحم هذه المكونات يتراجع الصوت الجمعي المعني باليمن الكبير؛ وصار الجميع يتقعر داخل بؤر ضيقة.

كرس نظام الراحل علي عبدالله صالح نظام المحاصصة المناطقية في الوظائف العليا للدولة، مع الإقرار بأن ثقافة العصبية المناطقية متجذرة داخل المجتمع اليمني من قبل صالح ومرجعها إشكالات أفرزتها صراعات في مراحل مختلفة من التاريخ اليمني. إلا أن معظم قيادات الدولة اليمنية في التاريخ الحديث كان يحرص على إلحاق عدد من أبناء منطقته في سلك الوظيفة العامة، وإن كان هذا لم يكن معمولا به لدى جميع القيادات؛ إلا أن حضوره لا يمكن انكاره، وبخاصة لدى القيادات الوسطية؛ بل إن هذه العصبية مرتبطة بالتجمعات السكانية في المدن؛ فكل أبناء منطقة معينة يفضلون البناء والسكن بجوار بعضهم؛ وهي ظاهرة واضحة في صنعاء؛ وتحتاج قراءتها لمساحة أخرى، غير مساحة هذه الجزئية التي نحن بصدد تفكيكها.

لم تتوقف المحاصصة الوظيفية على المناطق؛ فمع كل أزمة سياسية كان يتم تجاوزها بمحاصصة سياسية؛ وهي المحاصصة التي كرّست مشكلة البلد مع السلطة بل هي ما أوصلت البلد إلى ما هو عليه الآن؛ لأنها سلكت مسلك الترضية في سبيل نيل السلطة العليا تفويضًا ورضًا من أصحاب النفوذ الحزبي والقبلي في آن؛ والذين كانوا يفوزون بمقاعد حكومية ومناصب في مؤسسات الدولة كجزء من مكافأة الولاء؛ وهو تقليد ما زال ساريا للأسف في عموم البلاد.

أذكر هنا حديثا سمعته خلال مقابلة من أحد قيادات الدولة؛ إذ قال هذا الرجل، الذي يعد من أبرز مهندسي الوحدة اليمنية، بكل حزن: "كم هو مؤسف عندما يعود طالب يمني حصل على الدكتوراه في أرقى الجامعات الدولية، ويضطر للجوء لأحد مشائخ النفوذ القبلي للتوسط له للحصول على فرصته في العمل في سلك الدولةّ في مجال تخصصه". ونحن هنا لا ندين نظاما معينا بقدر ما ننتقد رؤى وسياسات.

لم يظهر الخطاب السياسي الحقوقي المناطقي في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بشكل واضح، إلا في عام 2007 وتحديدا مع ظهور ما يُعرف بالحراك الجنوبي.

في الغالب عندما تضعف السلطة المركزية تزداد مراكز النفوذ الطرفية قوة؛ وبالتالي تضطر الدولة للاعتماد عليها في فرض سطوتها، وتمنحها مقابل ذلك حقوقا ومكاسب سياسية ومالية؛ ما لم ستشكل تلك القوى مشكلة أو مشاكل للسلطة المركزية.

الباحث السياسي والأكاديمي اليمني، عادل دشيلة، يقول في قراءته لماهية الخطاب السياسي الحقوقي المستند إلى بُعد مناطقي لدى المكونات التي ظهرت حديثا في جنوب وشرق البلاد: "أولا، دائمًا في تاريخ الصراع اليمني عندما تضعف الدولة تظهر القبيلة كبديل، ومع هذا الظهور للقبيلة تنمو النزعة المناطقية، وهذا هو الأخطر".

وأضاف لـ"القدس العربي": "فيما يخص اليمن بشكل عام هناك مشكلتان رئيستان ظهرتا خلال الحرب: الخطاب المذهبي والثاني الخطاب المناطقي. بالنسبة للمناطقية فاليمن يعاني منها منذ وقت مبكر، ولم تستطع الدولة إذابة الهُويات الفرعية في إطار الهوية الجامعة".

واعتبر "ظهور الخطاب المناطقي في جنوب اليمن امتدادًا للصراعات المناطقية السابقة، إلا أن الهوة اليوم أكبر من الأمس. هناك قبائل في شبوة وأبين وحضرموت والمهرة لها تجارب مريرة. ولهذا، عندما تشكل المجلس الانتقالي بدأت هذه القبائل تخاف على مستقبلها السياسي والاجتماعي، ولهذا حرص بعضها على تشكيل تكتلات قبلية وسياسية، وإن كان ذلك بدعم إقليمي، كما هو حال الانتقالي".

كما اعتبر "أن سعي هذه القوى لتشكيل هذه التكتلات مؤشرًا على عدم رغبتها بتكرار أحداث الماضي القريب. ولهذا، فهذه المطالب، وإن كانت من الناحية الحقوقية مشروعة، لكنها تؤسس لأرضية مناطقية يصعب الخروج منها".

ويرى دشيلة أنه "في حال لم تقم الدولة بتعزيز السلطات المحلية وإشراك هذه المكونات في صناعة القرار المحلي؛ فإن الطريق نحو العنف والعنف المضاد سيكون مفتوحًا لكل الاحتمالات".

ويقول إن "القضاء على النزعة المذهبية في المناطق الشمالية والمناطقية في المناطق الجنوبية يتطلب جهدًا كبيرًا من قبل الدولة، وأول هذه الجهود الشروع في إشراك أبناء المناطق في إدارة مناطقهم في إطار مؤسسات الدولة. أما تشكيل الكيانات المبنية على أسس مناطقية فلا أعتقد أنه سيقود إلى حل المشكلة، بل ربما يقود إلى مزيد من التشظي والصراعات، وهو أمر يجب ألا يحدث، فقد عانى اليمن منه كثيرًا".

ويعتبر عادل دشيلة "أن تأسيس هذه الكيانات في جنوب وشرق البلاد سوف يعزز الانقسام الموجود أصلاً، وبالتالي هذا الانقسام قد يقود إلى صدام مباشر".

وقال: "مشروع الانتقالي حتى الآن ما يزال بعيدًا عن الواقع، ويتصور أنه بالإمكان حسم الموقف عسكريًا في المناطق الشرقية لصالح مشروعه، مستندا إلى الدعم الإقليمي".

لكنه رأى "ألا يتم التقليل من قدرة هذه الكيانات؛ فهي تمثل طيفًا كبيرًا من المجتمع على المستويين السياسي والجغرافي أكثر من الانتقالي".

وقال: "إذا كان الانتقالي يعتمد في مشروعه على السلاح كما هو حال جماعة الحوثي، فإن هذه المكونات تعتمد على المكون المجتمعي، وهو الأساس. ولهذا، مع ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تثبيت مؤسساتها قد نرى مزيدًا من الكيانات، وهذا لا يخدم السلام، بل سيقود إلى مزيد من التفكك ما سيؤثر سلبًا على السلام وعلى حياة المواطن اليمني".

وبعد

فرضت الحرب واقعًا استثنائيًا تغيّرت فيه آليات التعامل مع الوظيفة العامة من أعلى الهرم إلى أسفله، حتى صارت هناك قوى إقليمية مؤثرة في قرارات التعيين في السلطات العليا بموازاة اتساع دائرة الفساد؛ ما تسبب في تغييب شبه كلي للقانون؛ وبالتالي من الطبيعي أن تظهر مكونات مناطقية ذات مطالب حقوقية لاسيما في ظل ظهور مشاريع سياسية للدولة باسم الانفصال وغيره.

في خضم كل ذلك غاب الهامش المتاح للسلطات المحلية ليبقى الحل مستقبلا في تمكين الحكم المحلي الذي يتيح لأبناء المحليات إدارة مناطقهم تحت مظلة الدولة؛ فالحكم المحلي هو الكفيل بإنصاف المظلوميات، وتفويت الفرصة على من يلعب شد الحبل مع القانون ومع مستقبل الدولة اليمنية الجامعة.

(صحيفة القدس العربي)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI