5 يوليو 2024
26 مايو 2024
يمن فريدم-بلومبرغ


تدخل الاقتصادات الثلاثة المهيمنة في العالم مواجهة تهدد بتعميق الانقسامات وتتحدي عقوداً من عقيدة السوق الحرة، حيث تستخدم الولايات المتحدة أسلحة تجارية مستعارة من دليل الصين، مما يترك أوروبا أمام ضرورة اتخاذ قرارات كبيرة.

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب أول من فرض تعريفات جمركية على الصين قبل سبعة أعوام، ثم جاء جو بايدن ليقود بلاده نحو عصر السياسة الصناعية الجديد. وتعتمد المرحلة الثالثة، المتوجة بجولة جديدة من التعريفات فرضها بايدن على الواردات الصينية، على المرحلتين الأوليين، حيث تُستخدم التعريفات الجمركية للدفاع عن المصالح الأميركية، مع الاعتماد الآن على الدعم باعتباره جوهر للسياسة دون خوف من الانتقام.

صمدت ساحة التجارة الدولية البالغ حجمها 31 تريليون دولار في مواجهة سلسلة من الصدمات خلال الأعوام الأخيرة، بما فيها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. لكن هذه المرة، يعتبر الاتحاد الأوروبي محوراً أساسياً، فهو عالق بين الحفاظ على دوره المزعوم كمدافع عن القواعد المتعددة الأطراف والخوف من خسارة ملايين الوظائف وعشرات المليارات من الاستثمارات، فيما تستخدم أميركا والصين الإعانات والتعريفات الجمركية المشوهة للسوق.

وقال سيمون إيفينت، مؤسس "سانت غالن إندومنت فور بروسبريتي ثرو تريد" (St. Gallen Endowment for Prosperity Through Trade)، وهي مجموعة تتعقب السياسات التجارية ومقرها سويسرا، إن "ترمب أطلق مارد الحمائية من الزجاجة، ولم يجرؤ أحد على إعادته مجدداً".

تهديدات انتقامية

بعد فرض التعريفات الجمركية الأمريكية الأسبوع الماضي، أشارت الصين إلى استعدادها لفرض رسوم تصل إلى 25% على السيارات الأميركية والأوروبية المستوردة، وهو تهديد انتقامي يستهدف جانبي المحيط الأطلسي.

وتقترب بروكسل من الانتهاء من تحقيق حول إعانات مقدمة للسيارات الكهربائية، والذي ربما يؤدي إلى اتخاذ تدابير دفاعية ضد صادرات السيارات الصينية. ويُتوقع أن تكون التعريفات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي أقل بكثير من نظيرتها الأميركية وتستند إلى نهج مختلف ضمن قواعد وإجراءات منظمة التجارة العالمية.

تأتي أحدث هجمات واشنطن ضد السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات والبطاريات والمعادن الحيوية والمنتجات الصينية الأخرى في وقت يطلب فيه المسؤولون الأميركيون من دول أخرى الانضمام إلى معركتها ضد السياسة الصناعية الصينية التي يقولون إنها تغمر العالم بسلع رخيصة، وهو ادعاء ترفضه بكين.

كررت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين هذه المناشدات في خطاب ألقته هذا الأسبوع. وقالت للجمهور في فرانكفورت إن "السياسة الصناعية الصينية قد تبدو بعيدة ونحن هنا في هذه الغرفة، لكن إذا لم نستجب بشكل استراتيجي وبطريقة موحدة، فإن قدرة الشركات في بلدينا وحول العالم على البقاء قد تكون في خطر".

التأثير الاقتصادي للتعريفات

من المحتمل أن يكون تأثير التعريفات الأمريكية الجديدة على اقتصاد الصين البالغ قيمته 18.5 تريليون دولار متواضعاً، وفقاً لـ"بلومبرغ إيكونوميكس". لكن الخطر الأكبر يكمن في معركة أوسع تستهدف الابتكار الصيني والتعريفة الجمركية التي يقترحها ترامب بنسبة 60% على كافة الواردات القادمة من ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.

قد تستحق هذه التكاليف الاقتصادية العناء. فعلى الأقل من بين الرسائل المصاحبة لتعريفات بايدن الجمركية أن المخاوف المحلية بشأن الأمن القومي وتهديدات الصين له قد تتجاوز ما كان يُعتبر تقليدياً مصلحة للاقتصاد الدولي.

وقال يو هان-كو، وزير التجارة الكوري الجنوبي السابق، إن "الأمر الأكثر أهمية هو إدراك بقية العالم أن سياسة أميركا أولاً والانفصال الجزئي عن الصين سيستمر بغض النظر عمن يشغل منصب الرئيس في البيت الأبيض".

تلوح التوترات التجارية في الأفق مع اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع ومحافظي البنوك المركزية وكبار المسؤولين الاقتصاديين في منتجع ستريسا الإيطالي اليوم الجمعة. وأعرب رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ماتياس كورمان عن قلقه بشأن التداعيات.

وقال "كورمان" في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "ما يجب أن نفعله هو تحسين طريقة عمل العولمة وتقديمها، لكن علينا توخي الحذر الشديد حتى لا نتخلص من الصالح مع الطالح".

في أوروبا، هناك مخاوف من أن الإجراءات الاقتصادية التي تتجاوز القيود المفروضة على الأغراض العسكرية قد تضر بالقدرة التنافسية للقارة.

وبينما كانت النزاعات التجارية الثنائية بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا محتدمة لأعوام، فإن قرار بايدن بالإبقاء على بعض التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب على الصلب في الاتحاد الأوروبي وتعريفاته الأخيرة ضد الصين بقيمة 18 مليار دولار حطمت أي أمل متبقٍ للعودة إلى تحقيق توافق الآراء والإنصاف.

تأثير الصادرات

لا شك أن التفكك التجاري الناتج عن هذه الحرب سيكون أكثر ضرراً لدول مثل الصين أو كوريا الجنوبية أو اليابان، التي تعتمد اقتصاداتها بشكل أكبر على التجارة الدولية مقارنة بالولايات المتحدة أو العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

وبالرغم من أن الوباء عزز التوجهات الحمائية، فإن الجائحة جعلت الصين في الواقع أكثر اعتماداً على الصادرات كمحرك للنمو. وعندما نضيف هونغ كونغ، تصبح الصين مصدراً لنحو 20% من إجمالي الصادرات العالمية، أي ضعف حصة الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية.

مثل هذا الاعتماد يُفسر أسباب لعب الصين دوراً نشطاً في النظام القائم على منظمة التجارة العالمية وادعائها أنها تؤدي الدور وفقاً للقواعد. كما أنه يوضح أيضاً أسباب محاولة بكين بناء سلسلة من الصفقات التجارية مع جيرانها ودول أخرى بعيدة مثل صربيا وهنغاريا.

لكن اختلال التوازن بين الناتج المحلي الإجمالي للصين وناتجها الصناعي يكمن في صلب المخاوف الأميركية والأوروبية بشأن العواقب التي قد يخلفها مسار بكين الحالي على الاقتصاد العالمي.

تواجه الحماسة تجاه الحمائية المتنامية الآن أصوات قليلة تدعو للانضباط بعد أن نجح الساسة الأميركيون من كلا الحزبين في إقناع معظم الناخبين بأن التعريفات الجمركية الأعلى والمساعدات الحكومية تعد أدوات لحماية الوظائف الأمريكية.

قال مارك وو، أستاذ القانون التجاري بجامعة هارفارد والذي شغل منصب كبير مستشاري ممثل التجارة الأميركي في 2021: "الأولويات الرئيسية للسياسة التجارية في هذه الإدارة كانت تعزيز مرونة سلاسل التوريد، وتحويل التركيز إلى الفوائد التي تعود على العمال، وحماية وإعادة بناء قاعدة التصنيع داخل البلاد".

وفي ظل غياب القيادة الأمريكية في منظمة التجارة العالمية أو الندوات الأخرى الهادفة إلى تحرير التجارة، يصعب على بعض الاقتصاديين إدراك أين سيتوقف السباق إلى القاع.

إعانات كبيرة

تتنافس 70% تقريباً من الصادرات العالمية البالغ قيمتها 14.1 تريليون دولار مع منافسين مدعومين، مقارنة بنحو 50% قبل عقد، وفقاً لمجموعة الأبحاث "إيفينيت" (Evenett’s research group) التابعة لـ"غلوبال تريد ألرت" (Global Trade Alert)، التي تتتبع السياسات المشوهة بالسوق.

ومع ارتفاع التعريفات الجمركية والإعانات، فإن الكثير من الأمور ستعتمد على مدى شدة أي رد انتقامي.

يأتي المزارعون الأمريكيون ضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر إذا أرسل المستوردون الصينيون طلباتهم إلى مكان آخر، وفقاً لكريستين مكدانيل، خبيرة التجارة الدولية في مركز "ميركاتوس" (Mercatus Center) والاقتصادية التجارية السابقة بالبيت الأبيض، والتي ترى أن قواعد التجارة العالمية تتغير بطرق تعيد الزمن إلى الوراء.

وفي إشارة إلى نظام القواعد قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية في منتصف التسعينيات، قالت "مكدانيل": "نحن نتراجع عن عالم منظمة التجارة العالمية ونعود بشكل أساسي إلى عالم الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، حيث كانت التعريفات الجمركية والإعانات شائعة، لكن الدول حاولت تسهيل التجارة الدولية، على الأقل مع بعض شركائها".

مخاطر انهيار التعددية

وربما تكون المخاطر المترتبة على انهيار النظم متعددة الأطراف أعلى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، خاصة أن النموذج الاقتصادي للكتلة في فترة ما بعد الحرب أسس لنظام قائم على القواعد التي شجعت الأسواق المفتوحة والمنافسة. ولعقود، كانت الولايات المتحدة حليفاً طبيعياً يقود الدول النامية على نفس المسار.

والآن بدأ المسؤولون في بروكسل، الذين لا يزالون يتبنون الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، يشعرون بالعزلة.

يعتقد مسؤولان أوروبيان أن الولايات المتحدة تخلت عن مبادئ القواعد والإجراءات التجارية لصالح نهج يعتمد في الغالب على الأمن الاقتصادي، والذي يعمل على حماية التكنولوجيا الناشئة في الداخل وتعزيز سلاسل التوريد المحلية، وهذا النهج يحاول بشكل أساسي إقصاء الصين.

وبالتأكيد، أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر حزماً، واتخذ مؤخراً إجراءات لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة أعوام.

تقترب الكتلة من إنهاء تحقيق دام عاماً تقريباً في محاولة تحديد حجم الإعانات التي تقدمها بكين لمُصنعي السيارات الكهربائية المحليين مما سيؤدي على الأرجح إلى فرض تعريفات جمركية. ويحقق الاتحاد الأوروبي أيضاً في استحواذ الصين على الأجهزة الطبية.

أدوات الاتحاد الأوروبي الجديدة

يطرح الاتحاد الأوروبي أيضاً استراتيجية أمنية اقتصادية ضيقة الأفق، والتي تستهدف تنسيق ضوابط التكنولوجيات الممكن استخدامها لأغراض عسكرية، وفحص الاستثمارات الحساسة، وتخفيف مخاطر سلسلة التوريد.

يقول "وو" من جامعة هارفارد إن "ارتفاع صادرات الصين من السيارات الكهربائية، بجانب الحشد السريع للسفن الحاملة للسيارات، كان بمثابة جرس إنذار للأوروبيين".

يجادل بعض المسؤولين بأن الاتحاد الأوروبي يتبع نهج ساذج تجاه بكين، فيما يقول آخرون إنه ليس أمامه خيار سوى الدفاع عن النظام القائم على القواعد لأنه لا يمكن أن يضاهي حجم الاستثمارات والإعانات الأمريكية والصينية.

وتتزايد الدعوات المطالبة بإعادة التفكير بشكل جذري في جميع أنحاء الكتلة المكونة من 27 دولة. ودعا ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي الذي يعد تقريراً حول كيفية تعزيز القدرة التنافسية لأوروبا، إلى حماية صناعتها لتجنب التخلف عن السباق نحو التكنولوجيات الجديدة.

قال "دراغي" في خطاب ألقاه في بداية العام الجاري وأشار خلاله إلى الحمائية الصينية والأميركية: "لقد وثقنا في تكافؤ الفرص العالمية والنظام الدولي القائم على القواعد، ونتوقع أن يفعل الآخرون الشيء نفسه"، لكن "المناطق الأخرى لم تعد تلعب وفقاً للقواعد، وهي تعمل بنشاط على وضع سياسات لتعزيز موقفها التنافسي".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI