21 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
يمن فريدم-بلومبرغ الشرق


أحد الأسئلة التي لا تزال تبحث عن إجابة في سوق الطاقة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية يتعلق بهوية الجهات التي تؤمن على ناقلات النفط الروسي ضد مخاطر تسربات النفط الكارثية.

والإجابة هي أن بعض الناقلات لا تزال لديها عقود سارية مع شركات التأمين الغربية التي لطالما تعاملت معها، في حين يتحول مالكو السفن بشكل متزايد للاعتماد على شركات تأمين روسية تدعمها شركة إعادة تأمين تابعة للدولة خاضعة لعقوبات ثقيلة. كما يستعينون في بعض الحالات بشركات في دول مثل الكاميرون وقيرغيزستان.

هذا التحول أثار حالة من عدم اليقين حول سرعة دفع التعويضات ونطاق التغطية حال وقوع حادثة. وطفت حساسية هذا الأمر إلى السطح في 17 أكتوبر، عندما أعلنت السلطات البريطانية أنها ستبدأ فحص الناقلات التي يُشتبه في أن لديها تأميناً "مشكوكاً فيه" أثناء عبور القناة الإنجليزية.

وتكشف بيانات جمعتها السلطات الإستونية هذا الصيف إلى جانب أبحاث "بلومبرغ" ومؤسسة الصحافة الاستقصائية غير الربحية "دان ووتش" (Danwatch) عن أكبر قدر متاح حالياً من التفاصيل حول المخاطر البيئية التي تواجهها الدول الأوروبية نتيجة للعقوبات التي فرضتها هي نفسها على موسكو. وتشير البيانات إلى تأثير عكسي ناجم عن إجبار عدد هائل من السفن للعمل في الظل.

وقال مايك سولتهاوس، رئيس الشؤون الخارجية في شركة "نورث ستاندرد" (NorthStandard)، إحدى أكبر شركات التأمين البحري في العالم، إن "أموال التعويضات قد تتأخر على المتضررين، مثل الصيادين أو قطاع السياحة، وقد لا تصلهم على الإطلاق".

من يؤمن ناقلات النفط الروسي؟

قبل الحرب، كانت غالبية خدمات التأمين على شحنات ناقلات النفط الروسي تقدمها شركات غربية تابعة للمجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض (International Group of Protection & Indemnity Clubs).

اعتادت هذه الشركات شراء كميات كبيرة من عقود إعادة التأمين لحماية نفسها من أخطار مثل التسرب النفطي، مع إصرارها على التزام السفن بأعلى معايير السلامة الممكنة للحد من المخاطر المرتبطة بالصناعة قدر الإمكان.

لا تزال تلك الشركات موجودة بالسوق، لكن انضم إليها عدد متزايد من الوافدين الجدد، خاصة من الشركات الروسية، وفقاً لأبحاث "بلومبرغ" و"دان ووتش".

فحصت السلطات الإستونية وثائق التأمين على نحو 150 ناقلة نفط روسية خلال شهري يوليو وأغسطس، وأظهرت النتائج أن ما بين 20% إلى 25% منها كانت بتأمين من شركات روسية.

في حين توحي هذه النسبة بأن شركات التأمين الغربية لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر بالسوق، فمن المستبعد أن يكون الوضع عملياً كذلك، حيث لم يكن بمقدور إستونيا الاطلاع على وثائق التأمين الخاصة بكل سفينة؛ وربما لم تتعاون الناقلات الأقل موثوقية مع السلطات أو اتخذت مساراً بعيداً عن سيطرتها. وبناء على الشحنات التي رصدتها "بلومبرغ"، حددت التحقيقات الإستونية هوية شركات التأمين لحوالي 40% من السفن العابرة.

بالإضافة إلى البيانات الإستونية، راجعت "بلومبرغ" و"دان ووتش" وثائق تخص ناقلات لوحظ أنها تنقل النفط الروسي، واستعرضتا المواقع الإلكترونية لشركات التأمين وقواعد بيانات القطاع، كما تحدثتا إلى أشخاص لديهم معرفة تفصيلية بالإجراءات الروسية في نقل النفط والتأمين عليه.

كان من اللافت اكتشاف أن شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية" (RNRC) تدعم ثلاث شركات مقرها موسكو تقدم قدراً كبيراً من خدمات التأمين على ناقلات النفط الروسي ضد مخاطر التسرب والتصادم أثناء عبور المضايق الدنماركية والتركية. كما وجدت السلطات الإستونية أن شركة تأمين من الكاميرون وأخرى من قيرغيزستان أمنت كل منهما ناقلتين على الأقل.

يقدر حجم التجارة التي تعبر المضائق الدنماركية سنوياً عند حوالي نصف تريليون دولار، وتستحوذ المضائق على 7% تقريباً من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم، بحسب بيانات "كلاركسون لخدمات الأبحاث" (Clarkson Research Services).

وقال وزير الأعمال الدنماركي مورتن بودسكوف، الذي يشرف على النشاط البحري، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن حكومة بلاده "قلقة للغاية" بشأن "وثائق التأمين المثيرة للشك" التي تغطي السفن المارة عبر المضايق.

وتجري السلطات الدنماركية حواراً مستمراً وتعمل على التصدي لهذا التحدي بالتعاون مع دول أخرى، بحسب بودسكوف. وأضاف: "هذه مشكلة دولية تتطلب حلولاً دولية، ومن المهم أن تكون جميع التدابير الجديدة قابلة للتنفيذ عملياً وسليمة قانوناً"، موضحاً أن تفاصيل ما يجري في هذا الشأن تتسم بالسرية.

لا يُسمح لشركات التأمين في دول مجموعة السبع التأمين على شحنات النفط الروسي إلا إذا تلقت تأكيدات كتابية بأن تلك الشحنات مشتراة بأقل من أسعار محددة فرضتها دول المجموعة وحلفاؤها. ويبلغ ذلك السعر بالنسبة للنفط الخام 60 دولاراً للبرميل. وفتح ذلك الباب أمام الحصول على قدر أكبر من التغطية التأمينية من روسيا وأماكن أخرى، بل وخلق حاجة لذلك.

شركات جديدة للتأمين البحري

كانت شركة "إنغوستراخ" (Ingosstrakh) معروفة بالفعل في سوق ناقلات النفط الدولية قبل اندلاع الحرب، إلا أن دورها توسع ليشمل تلك التي تنقل النفط من الموانئ الواقعة غرب روسيا، وفقاً لمسؤولين في القطاع. في المقابل، لم تحظ شركتا "ألفا ستراخوفاني" (AlfaStrakhovanie) و"سوغاز" (Sogaz) بأي شهرة في سوق ناقلات النفط العالمية قبل الصراع.

حقيقة أن هذه الشركات لديها في نهاية المطاف عقود لإعادة التأمين مع شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية"، التابعة للبنك المركزي، قد تجعل روسيا نفسها مسؤولة عملياً عن تكملة مبالغ التعويضات. يثير ذلك تساؤلات حول ما يمكن أن يحدث لو وقعت كارثة على سواحل دولة تعتبرها موسكو "غير صديقة".

لم ترد شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية" أو البنك المركزي الروسي حتى الآن على طلبات للتعليق عبر البريد الإلكتروني. ولم ترد كذلك شركتا "ألفا ستراخوفاني" و"سوغاز" على رسائل إلكترونية تطلب التعليق فيما بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر.

من جانبها، قالت شركة "إنغوستراخ" في رد بالبريد الإلكتروني إنها تتمتع برأسمال قوي يجعلها قادرة على دفع المطالبات، بل ويمكنها ذلك حتى في حالة عدم وفاء شركات إعادة التأمين بالتزاماتها.

وأضافت أنها لم تسع لتعزيز نشاطها في قطاع التأمين البحري منذ اندلاع الحرب، وأنها ألغت أو رفضت التأمين على أكثر من 100 سفينة في عامي 2023 و2024 لعدم مطابقتها لمعايير الشركة.

وأوضحت الشركة التي تتخذ من موسكو مقراً لها أن شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية" لا تشكل سوى جزء من محفظة أكبر لإعادة التأمين، لكنها رفضت الخوض في مزيد من التفاصيل مشيرة إلى حساسية الأمور التجارية.

من منظور أوسع، أشارت "إنغوستراخ" إلى أن العقوبات المفروضة عليها، مثل تلك التي فرضتها المملكة المتحدة، لا تؤدي إلا لزيادة المخاطر البيئية إذ تدفع المزيد من السفن لاستخدام خدمات تأمينية دون المستوى.

مسائل الدفع

أبلغ مسؤولون روس المنظمة البحرية الدولية بالفعل أن العقوبات الغربية، لا موسكو، هي التي تسببت في ظهور أسطول الظل.

لكن السؤال هو ما إن كان دفع تعويض كبير بناء على عقد إعادة تأمين لدولة يعتبرها الكرملين "غير صديقة" يمكن أن يتحول إلى مسألة سياسية. وتخضع شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية" المدعومة من الدولة لعقوبات أميركية وبريطانية وأوروبية.

وفقاً لكريغ كينيدي، زميل مركز ديفيس بجامعة هارفارد الذي يتابع صناعة الطاقة الروسية منذ عقود، هناك سوابق من صناعات أخرى قد تعطي مؤشراً على كيفية تصرف الكرملين حال وجود مطالبة كبيرة يتعين على شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية" المشاركة في سدادها.

وأشار كينيدي إلى أن روسيا ألقت باللوم في السابق على العقوبات الغربية في عدم قدرتها على تسليم إمدادات الغاز عبر الأنابيب، كما طالبت الأوروبيين بسداد قيمة مشترياتهم من الغاز بالروبل، وهي أمثلة على رد فعل موسكو المحتمل. وأضاف: "إذا قرر الروس عدم السداد، فلن يسددوا على الأرجح".

الهند تشتري النفط الروسي

التفافاً حول سقف الأسعار الذي فرضه الغرب، اتجهت موسكو إلى أسطول كبير من السفن ومزودي الخدمات الذين يعملون دون مشاركة من شركات غربية، وبالتالي لا يخضعون لسقف الأسعار.

على سبيل المثال، شركة "إنغوستراخ" هي المزود الرئيسي لخدمات التأمين ضد التسرب النفطي للناقلات التي تحمل الخام الروسي إلى الهند وتتجاوز شحناتها سقف الأسعار الغربي، وفقاً لشخص مطلع على الأمر.

ومن الجدير بالذكر أن "إنغوستراخ" لا تتخذ مقراً في مجموعة السبع، وبالتالي فهي غير ملزمة بالامتثال لهذا السقف. بل إنها أعلنت عدم التعامل مع الكيانات التي تنتهك القوانين.

وقالت الشركة إنه من الخطأ افتراض أنها تؤمن عمداً على الشحنات التي تتجاوز سقف الأسعار، وشككت في قدرة أي شخص على الحصول على مثل هذه المعلومات. ولطالما أشارت الشركة أنها تبذل قصارى جهدها لضمان الامتثال لجميع القواعد المعمول بها.

وضع سيئ

قامت "بلومبرغ" و"دان ووتش" بتغطية واسعة لحالة الناقلات المتقادمة التي تنقل النفط الروسي عبر الدنمارك، وكيف أنها ترفض الاعتماد على ملاحين متخصصين لإرشادها عبر المضائق.

كما أطلق الملاحون الخبراء تحذيرات بشأن الحالة المتدهورة لكثير من الناقلات التي لا يزالون يرشدونها.

لا يربط الملاحون بين شركة تأمين بعينها والناقلات متدنية المستوى، ولا توجد دلائل على أن الشركات الروسية تتسامح مع عمليات الشحن التي لا تستوفي المعايير.

كما أشار الملاحون إلى أن السفن التي تديرها شركة الشحن الروسية الحكومية العملاقة "سوفكومفلوت" (Sovcomflot)، والتي تؤمن شركة "إنغوستراخ" على الكثير منها، غالباً ما تتمتع بمعايير سلامة عالية.

أحالت المنظمة البحرية الدولية، وهي وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة، الاستفسارات المتعلقة بتأثير العقوبات المفروضة على التأمين على شحن النفط الروسي إلى إرشادات أصدرتها بعد شهرين من بدء غزو أوكرانيا.

وتقول الإرشادات إن على الدول ذات الموانئ التي قد تتوقف بها السفن أن تتأكد من صلاحية وثائق التأمين الخاصة بها من خلال الدول التي تحمل تلك السفن أعلامها.

وبعد شهرين من إصدار تلك الإرشادات، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة "إعادة التأمين الوطنية الروسية"، وتبعها الاتحاد الأوروبي في فبراير 2023، واستهدفتها السلطات البريطانية هي الأخرى في نوفمبر من العام الماضي.

وبمجرد مغادرة الناقلات للمضايق الدنماركية، تواصل إبحارها غالباً عبر بحر الشمال، مروراً بالقناة الإنجليزية بين المملكة المتحدة وفرنسا، ثم تعبر البرتغال، ثم مضيق جبل طارق والمياه القريبة من إسبانيا، مما يعني أن عدداً من الدول قد يتأثر.

الرقابة في المضائق التركية

"إنغوستراخ" و"سوغاز" هما أيضاً أكبر شركتين تقدمان خدمات التأمين لناقلات النفط التي تبحر عبر مضيقي البوسفور والدردنيل في تركيا، بعد تحميلها بالنفط في ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، وفقاً لشخص مطلع بشكل مباشر على الأمر.

لكن السلطات التركية تمارس قدراً أكبر من الرقابة على حركة البضائع عبر مياهها، حيث تعبر السفن خلال فترة النهار فقط، مع إلزامها بالاستعانة بملاحين محليين ذوي خبرة، مما يحد من المخاطر. ويتعين على السفن تقديم إثبات وجود تأمين ساري المدة.

وقال مسؤول تركي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن السلطات واثقة من قدرتها على الحصول على التعويضات حال وقوع حادث، لأسباب ليس أقلها أن بلاده لم تنحز ضد موسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ولإمكانية دفع التعويضات بالليرة التركية.

شركات التأمين الروسية بحاجة أيضاً لمراعاة الضرر الذي قد يلحق بسمعتها إذا فشلت في دفع التعويضات، خاصة في بلد صديق مثل تركيا، حسب قول بوغرا بيردار، الشريك المدير في شركة "نيريوس لو" (Nereus Law) ومقرها إسطنبول والمتخصصة في استشارات التأمين البحري.

التخلي عن ترتيبات التأمين المتبعة منذ أمد طويل هو جزء من تحول في نظام بحري أكبر بكثير، تعاونت أطرافه على مدى عقود بهدف تحسين معايير السلامة والحد من حوادث التسرب الكبيرة مثل تلك التي شهدتها الناقلتان "إيريكا" (Erika) و"بريستيج" (Prestige) في مطلع الألفية.

وقد دفعت الحرب، وأجواء العقوبات الأوسع نطاقاً المفروضة على دول مثل إيران وفنزويلا، مئات الناقلات للعمل في بيئة موازية لم تتعرض حتى الآن لاختبار تسرب نفطي كبير.

وقال نيل روبرتس، رئيس منتدى السياسات في الاتحاد الدولي للتأمين البحري: "إنها للأسف شبكة معقدة تعتمد على التزام الجميع بنفس القواعد. والآن، هناك أطراف لا تتبع القواعد نفسها، ولم يتكيف النظام بعد مع ذلك".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI