البقاء تحت مظلة العائلة، والحفاظ على الأبناء من الضياع واليُتم، حج مجتمعية قيدت العشرينية "هناء" منذ وفاة زوجها قبل عامين، وحرمتها من اختيار الطريقة التي تعيش بها حياتها، وتربي ابنها وبنتها دون ضغوط أو تدخل من أحد.
تزوجت "هناء" قبل قرابة 6 سنوات، عاشت منها أربع سنوات مع زوجها الذي كان يكافح لتأسيس حياة مناسبة للعائلة، واستطاع بعمله الدؤوب بناء عمارة صغيرة، وفتح محل لبيع المواد الغذائية، لكن الموت اختطفه منها، بعد أن تارك لها ولدا وبنتا في بيت العائلة التي يتشاركها مع بقية أخوته.
انقضت العدة، وحاولت "هناء" أن تعود لعائلتها، إلا أنها قوبلت بالرفض القاطع من عائلة زوجها، واشترطوا عليها ترك الاطفال إن أرادت الخروج من المنزل، وهذا ما لم تقدر عليه، بحسب ما تقول .
اختيار صعب
بين ضغط أهلها على العودة، وعدم البقاء في بيت وسط مجموعة من الشباب الذين صاروا بالنسبة لها غُرباء، وطلب أهل زوجها التخلي عن الأبناء، عاشت هناء حيرة كبيرة، وأوضاع قاسية، ولم تستطع إرضاء أي طرف، أو اتخاذ القرار الصائب، إلا أنها كانت مستعدة لعمل المستحيل للحفاظ على أطفالها.
ووسط رياح القلق العاتية التي تعصف بحياتها، أخبرتها أسرة الزوج أنها ترغب بتزويجها من أحد أبنائها حتى تُحل مشكلتها، وتبقى في المنزل، ولا تضطر إلى اللحاق بعائلتها.
تقول هناء: لم يكن لدي خيار للحفاظ على أطفالي، وحقهم من ممتلكات والدهم الذي يحاول أخوته السطو عليها، إلا بالموافقة على الزواج، على الرغم من أن الزوج يصغرني بما يقارب عشر سنوات، واعرف أن حياتي ستكون صعبة معه.
وتضيف: بدافع الغيرة كثيرا ما ضايقتني زوجة الأخ الأكبر، وانتقدت كل ما أعمله، وجعلتني أحس أني تحت الرقابة طول اليوم، وهذا واحد من الأسباب التي جعلتني أقبل بالزواج.
لا مانع من الزواج
"هناء" ليست إلا قصة من آلاف القصص المأساوية، التي تنتشر في الأرياف والمدن اليمنية لاسيما أن بعد أن عمقت الحرب جراحات الأسر، ونقلت الموت إلى كثير من البيوت، وتضاعفت أعداد الأرامل واليتامى.
لا يوجد في العُرف الاجتماعي أو تعاليم الدين الإسلامي ما يمنع زواج الأخ من أرملة أخيه المتوفى، وعلى العكس من ذلك يرى رجال الدين أن الأمر مُستحب، ويحفظ الأبناء، وتماسك العائلة، إذا حصل الاتفاق، ولم يكن فيه إجبار لأحد الطرفين، إلا أن المرأة تجد نفسها في أحيان كثيرة كجزء من الميراث الذي يتنقل بين الإخوة، حتى وإن لم تقتنع بالزواج.
الداعية عبد المجيد القباطي يشجع فكرة الزواج من أرملة الأخ، ويعتبرها خطوة إيجابية، وبمثابة حماية للأرملة وأطفالها، من التشتت والضياع، ويضمن حصولهم على عائل وحامي، خاصة في مجتمع كاليمن تعتمد فيه أغلب النساء على الرجال لتوفير احتياجاتهن وإعالتهن، إلا أن "رقية" ترى أن المشكلة ليست في الحرام والحلال، أو تقبل المجتمع للفكرة، ولكن بتقبل كل من الزوج والزوجة للارتباط، والقدرة على نسيان وضعهما السابق، وكيف عاشوا في نفس البيت كإخوة.
الطلاق العاطفي
زواج الأخ بأرملة أخيه أشبه بقرار وعرف سائد تتفق عليه كل العائلات في اليمن، حيث يصر والد المتوفى على أن يضع أولاد ابنه تحت مظلة العائلة، ويبقيهم في دائرتها، ويُغلب على الزواج الجانب الإنساني فيجبر الأب أحد أولاده بالزواج من زوجة أخيه المتوفى حتى لو كان متزوجاً، غير مباليا بشروط نجاح الزواج، وتداعياته على الرجل والمرأة والأطفال، ومتاعبه ومشكلاته المستقبلية.
ويعد الإجبار على الزواج، وإرغام الأرملة والأخ بحد ذاته عائقا أمام التقارب بين الزوجين مستقبلا، ويولد التنافر النفسي، فيبقى الزواج صوريا، وكل أهدافه ترك زوجة الأخ المتوفى تحت غطاء شرعي، يرضي المجتمع، ويقطع الطريق على الأرملة من التفكير بزواج آخر.
وهذا ما تعانيه "رقية" الذي توفي زوجها بذبحة صدرية، وهي حامل بابنها البكر، وتزوجت من أخيه بعد ما يقارب العام والنصف من وفاته، بعد أن تلقت ضغوط من العائلتين على إتمام الزواج وحرمت من حقها في الاختيار.
تقول رقية: أخ الزوج كان يصغرني بأقل من ثلاث سنوات، ويمتلك أخلاق فاضلة، ويعاملني معاملة حسنة، إلا أن هناك حاجز نفسي ما يزال يقف بيننا على الرغم من مرور 12 سنة على الزواج، وما تزال ذكريات الزوج المتوفى حاضرة دائما، وأتمنى أحيانا أني أصررت على رفض الزواج.
تعيش رقية والنساء اللاتي يخضن نفس المعاناة بما يسمى بـ"الطلاق العاطفي"، الذي يأتي نتيجة الاكتئاب، والشعور بالصراع النفسي، وعدم الإحساس بالاستقرار، الذي تتسبب به مثل هذه العلاقات غير المبنية على أسس صحيحة، بحسب أستاذة علم الاجتماع ونائبة عميد كلية الآداب بجامعة عدن رضية باصمد.
وتؤكد الدكتورة باصمد إن قرار إحلال الأخ محل أخيه تضعه أمام اختيار صعب، وعادة لا يستشار الأطراف، وتتخذ العائلة عنهم القرار، وتمارس عليهم ضغوطات عديدة لإتمام الزواج، علاوة على شعور الأخ بمسئوليته تجاه أبناء أخيه، ورغبة الأرملة الاحتفاظ بأطفالها.
توسع دائرة الضرر
لا يمكن الحكم بالفشل على كل الزيجات التي تمت بين الأرملة وأخ الزوج، وكثير من هذه الارتباطات نجحت، وبقيت العائلة مترابطة على الرغم من الهزات التي تتعرض لها بين الحين والأخر.
وتكمن المشكلة أن أغلب هذه الارتباطات، لا يكون فيها توافق في الأعمار والصفات الشخصية، وقد تكون الأرملة اكبر بكثير من الشباب، أو تتزوج من أخ متزوج وله عائلة، وتغرق الأسرتين في المشاكل كما حدث مع "مريم" الذي توفي أخ زوجها الأصغر في الحرب الدائرة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي منذ نهاية العام 2014.
لم تكن "مريم" تتوقع أن يشاركها أحد بزوجها الذي ارتبطت به منذ 24 عاما، إلا أن مقتل أخ زوجها وهو يحارب مع الحوثيين، مخلفا زوجة وطفلة عمرها 3 سنوات، جعل العائلة تقرر مشاركة أرملة أخ زوجها حياتها، وتحولت حياة مريم إلى جحيم ومشاكل لا تنتهي، فلم تستطيع أن تتقبل ضرة تشاركها زوجها، وتقاسمها الشخص الذي كانت تمتلكه وحدها، ويقضي معها كل الوقت.
مشكلة وليست حل
لا تهتم الأسرة لما تشعر به "مريم"، ومعظم المجتمعات اليمنية متمسكة بالعادة، وتركز اهتمامها على حماية الاطفال، وتربيتهم في دائرة متلاحمة ومتجانسة تحت مظلة الأسرة، وتحرص على عدم وصولهم إلى أيدي غير أمينة، وغريبة عن العائلة، إذا تزوجت الأرملة برجل من خارج الأسرة، لكنها لا تراعي الجوانب النفسية، والاستعداد من طرفي الزواج، كما تؤكد الدكتورة باصمد.
تقول باصمد: نسبة نجاح الزواج مقبولة، إذا توفرت عوامل النجاح كمراعاة القبول والأبعاد العمرية والتقارب النفسي، إلا أن تحويل هذا الزواج إلى قانون وعرف، يجعل الأسرة تُبنى على العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية، ويصير الارتباط مشكلة أكبر من كونها حل.
وتضيف: يزداد الوضع تعقيدا في حال كان الأخ متزوجا، ويمتلك عائلة، مما يوسع دائرة الضرر إلى الزوجة الأولى وأبنائها، ولا يكون الزوج غالبا مستعد، ولا يمتلك البعد العاطفي، أو الاستعداد النفسي والمادي والصحي.
الناشط المجتمعي رشيد الجمالي -عاقل حارة بالعاصمة صنعاء- يرى أن الظاهرة توسعت خلال السنوات الأخيرة، وخلفت مشاكل اجتماعية داخل الأسر، أحياناً تصل بعض الحالات إلى الطلاق، أو الزواج بامرأة أخرى.
ويعتقد الجمالي أن التعامل مع أرملة الأخ كميراث ينتقل من الأخ إلى أخيه يعبر عن نظرة قاصرة لدى البعض، إلا أنه يؤكد أنه على الرغم من السلبيات المصاحبة للزواج، لكنه كان عامل رئيسي في الحفاظ على كثير من الأسر من التشتت والضياع خاصة أن الحرب تسببت بازدياد أعداد الأرامل والأيتام بشكل كبير.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.