يقع مخيم "الجفينة" في صحراء مأرب الشاسعة، وهو أكبر مخيم للنازحين في اليمن، حيث لجأت إليه 15.000 أسرة هرباً من الصراع المستمر.
من بينهم منصور وعائلته التي تضم خمسة أطفال، الذين عانوا من مرارة النزوح ثلاث مرات قبل أن يستقروا في المخيم.
النازحون في اليمن هم من أكثر الفئات ضعفاً، لأنهم فقدوا كل أملاكهم. وفي ظل الأزمة المستمرة أصبح من الصعب على العديد من الأسر التكيف مع الظروف القاسية، حيث عاشت 31% من الأسر النازحة أزمة النزوح أكثر من مرة، مما جعلهم يعيشون في ظروف غير آمنة ويعانون من نقص في الخدمات الأساسية.
كانت الرحلة إلى الجفينة طويلة ومضنية بالنسبة لمنصور وعائلته. وعندما وصلوا كانوا منهكين جسدياً وعاطفياً.
وكان التكيف مع الحياة في المخيم يُشكل مجموعة من التحديات، خاصة مع وجود عائلة كبيرة بحاجة إلى الرعاية.
بالإضافة إلى ذلك، واجه منصور مهمة شاقة تتمثل في إعالة أسرته. جعل العدد المتزايد من النازحين من الصعب على منصور العثور على عمل ثابت.
ويتذكر قائلاً: "كنت أقبل أي وظائف عرضية أستطيع العثور عليها، لكنها لم تكن كافية أبدًا لتغطية نفقاتي".
أدوات التغيير
تحولت حياة منصور للأفضل عندما اكتشف ورشة النجارة والحدادة التي تدعمها المنظمة الدولية للهجرة في الجفينة.
وبالنسبة له وللعديد من الأسر النازحة، تمحورت الحياة في المخيم حول أكثر من مجرد العثور على مأوى؛ حيث واجهوا تحدياً يومياً عند محاولة إصلاح وصيانة الهياكل الهشة التي تأويهم.
صُمِمت ورشة النجارة والحدادة، التي تأسست في يناير 2022، ليس فقط لتلبية الحاجة الملحة لخدمات الصيانة، ولكن أيضاً لتمكين المجتمع من خلال تعزيز الاعتماد على الذات وتنمية المهارات.
وبالنسبة لمنصور والعديد من الآخرين، أصبحت الورشة مصدراً هاماً للدخل، حيث مكنتهم من إصلاح مآويهم والحفاظ على المساحات المشتركة، مع توفير الفرص الاقتصادية لدعم سبل عيشهم في المستقبل.
وابتداءً بإصلاح الأبواب والنوافذ وانتهاء ببناء مقاعد المدارس والأسرّة، دعمت الورشة أكثر من 750 أسرة، حيث قدمت خدمات أساسية للأسر التي لم تكن تملك وسائل لإصلاح مآويها.
وتم إنتاج منتجات تخصصية مثل الكراسي وأدوات المراحيض للأشخاص ذوي الإعاقة، وتم ضمان حصول الأفراد الأكثر ضعفاً على ما يحتاجونه للعيش بكرامة.
تمتد الآثار الإيجابية للورشة إلى أبعد من مخيم "الجفينة"، حيث تصل خدماتها إلى مواقع النزوح الأخرى التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة في مأرب. تم تحسين وصيانة أكثر من 85 مساحة مجتمعية، بما في ذلك المدارس والعيادات الصحية، بفضل العمل الماهر الذي يتم في الورشة.
علي عبد الله، هو المشرف على الورشة منذ تأسيسها، ويؤدي دوراً رئيسياً في ضمان توصيل المواد الأساسية إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. ويشعر علي بفخر كبير لإدارة التخزين في الورشة وتوزيع العناصر الأساسية مثل الكراسي والأبواب والأسرّة، وهو يدرك الأثر العميق الذي تحدثه هذه الأدوات على حياة المستفيدين.
يقول علي: "عندما يتلقى الناس المواد من ورشتنا، يمكنك أن ترى مدى أهميتها بالنسبة لهم. إنهم في حاجة ماسة لها، ودورنا هو مساعدتهم في استعادة نوع من الاستقرار في حياتهم".
خدمات أساسية
صُممت الورشة لتقديم خدمات الرعاية والصيانة لآلاف الأسر المقيمة في المخيم، بما في ذلك إصلاح وصيانة المآوي وصناعة الأثاث وتشييد البُنى التحتية لتحسين الظروف المعيشية للأسر النازحة. وإلى جانب هذه الاحتياجات الفورية، تمثل الورشة أداة حيوية لتطوير المهارات والتمكين الاقتصادي.
من خلال تقديم التدريب في مجال النجارة والحدادة والكهرباء والمهن الأساسية الأخرى، خلقت الورشة فرصاً لتوليد الدخل لأكثر من 350 فرداً نازحاً.
وقدمت هذه المهارات المكتسبة حديثاً طريقة للأسر النازحة لتقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية، مما مكنهم من إعادة بناء حياتهم وتعزيز مجتمعاتهم خلال وبعد النزوح.
مثل نعيم، وجد آخرون في مخيم "الجفينة" هدفاً جديداً عبر ورشة النجارة والحدادة. وقبل انضمامه، كان نعيم وعائلته يكافحون من أجل البقاء، مع وجود فرص قليلة لكسب دخل ثابت.
ولم تقدم له الورشة مهارات قيمة فحسب، بل أتاحت له أيضاً فرصة للمساهمة في المجتمع.
يشرح نعيم قائلاً: "عملنا لا يقتصر فقط على النجارة. نحن نبني كل شيء من مقاعد المدارس إلى كراسي الأشخاص ذوي الإعاقة، والأسرّة، والأبواب، والنوافذ. قبل هذه الورشة، كنا بالكاد نكسب العيش، والآن لدينا مهارات تسمح لنا بإعادة بناء حياتنا ودعم أسرنا".
استعادة الاستقلال
لا توفر الورشة الخدمات الأساسية فحسب، بل تمنح الأفراد النازحين فرصة لاكتساب مهارات جديدة واستعادة استقلاليتهم. كان العديد من المشاركين يكافحون سابقاً لإعالة أسرهم بعد النزوح، دون حصولهم على مصدر دخل ثابت.
ومع ذلك، ومن خلال تعلم مهن مثل النجارة والحدادة، تمكنوا من إعادة بناء حياتهم والمساهمة بشكل ملموس في مجتمعاتهم.
يحدثنا منصور عن قصته قائلاً: " تدربت لأكون كهربائي. وبفضل خبرتي السابقة والتدريب الجديد الذي تلقيته، تمكنت من التكيف والعمل بفعالية هنا في الورشة".
يشرح طارق المهولي، مساعد فني في المنظمة الدولية للهجرة، أنهم في الورشة يصلحون ما لا يقل عن خمسة أبواب أو نوافذ أو خزائن يومياً ويصنعون ثلاث قطع جديدة، جميعها مصممة وفقاً لاحتياجات المجتمع المحلي.
وبالنسبة له، الورشة ليست مجرد موقع إنتاج؛ إنها شريان حياة. يقول طارق: "الورشة توفر أكثر من مجرد دخل. إنها تمنح المجتمع شعوراً بالهدف في الحياة".