رسمت نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، ملامح خريطة طريق لعبور لبنان نحو ضفة الاستقرار الأمني والاقتصادي، تقوم على إصلاحات جذرية وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
ورغم أن أورتاغوس لم تحدد مهلة زمنية واضحة لنزع سلاح حزب الله، فإن رسالتها جاءت حاسمة "بأسرع وقت ممكن"، كما قالت في مقابلة مع قناة LBCI اللبنانية، يوم الأحد.
وقالت إنه "كلما تمكّن الجيش اللبناني من نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة، كلما تحرر اللبنانيون بشكل أسرع من النفوذ الأجنبي، ومن الإرهاب والخوف".
وأضافت "لقد دعمنا الجيش اللبناني على مدى سنوات بالتدريب والتمويل والمعدات، واليوم، بقيادة الرئيس جوزاف عون، بات قادراً فعلاً على فرض مزيد من السلطة، وسنواصل دعمه لتحقيق هذه الأهداف".
في المقابل، شدد عون، خلال لقائه وفداً من مجموعة العمل الأميركية لدعم لبنان، أمس الاثنين، على أن "الإصلاحات وسحب السلاح ليسا فقط مطلبين دوليين، بل هما أيضاً مطلبان لبنانيان"، مؤكداً التزامه "العمل على تحقيقهما".
وعن مقاربته لمسألة سلاح حزب الله، أكد عون "أهمية اللجوء الى الحوار"، قائلاً "كما قلت في خطاب القسم، لا يوجد مكان لأي أسلحة أو أي مجموعات مسلحة، إلا ضمن إطار الدولة. والمسائل تحل بالتواصل والحوار ففي نهاية المطاف، فحزب الله هو مكون لبناني".
وأضاف "نحن سنبدأ قريبا بالعمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني التي تنبثق منها استراتيجية الدفاع الوطني".
لكن السؤال: هل المطلوب حوار... أم قرار؟ لاسيما وأن ردّ حزب الله لم يتأخر، حيث جاء على لسان نائبه في البرلمان علي فياض، الذي قال، معقبا على زيارة أورتاغوس، إن "لا شيء له القدرة في أن ينزع من اللبنانيين حق الدفاع عن أنفسهم".
مماطلة ومراوغة؟
يعتمد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام، وفقاً لما يراه المحلل السياسي والمحامي أمين بشير، "سياسة المماطلة وكسب الوقت في ملف سلاح حزب الله"، وذلك "رهاناً على ما ستؤول إليه المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، لتفادي صدام داخلي قد يترتب على أي خطوة حاسمة، بانتظار إما اتفاق يسهّل عملية النزع، أو ضربة تُضعف إيران وتجعل الكلفة السياسية والأمنية أقل".
وقال بشير، إن هذا النهج ينعكس بوضوح في الخطاب الرسمي اللبناني، مشيراً إلى تصريحات وزير الثقافة غسان سلامة، الذي تحاشى في مقابلة تلفزيونية الإشارة إلى "نزع سلاح حزب الله"، مفضّلاً استخدام عبارة "بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية".
ورأى أن هذا التلاعب في المصطلحات "يهدف إلى خلق التباس لدى الرأي العام، رغم أن جوهر المسألة واضح ويتمثل في تطبيق القرار الدولي 1701، الذي ينص صراحة على نزع سلاح الميليشيات".
وفي المقابل، يسعى عون ورئيس الحكومة إلى إرسال إشارات للمجتمع الدولي، وفق ما يقوله بشير، بأن "عملية تفكيك سلاح الحزب بدأت، وإن ببطء"، وهو ما لا يتماشى مع مطالب الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي شددت على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة.
واستشهد بشير بما نُشر في إحدى الصحف اللبنانية عن أن الجيش اللبناني فكك حتى الآن 193 مخزناً من أصل 260، متسائلاً "لماذا يُكشف عن هذه المعلومات الآن؟ ولماذا لم تُعلن في السابق؟"، معتبراً أن توقيت الإعلان يرتبط بزيارة أورتاغوس للبنان، ومحاولة إظهار أن التحرك قد بدأ استجابة لمطالبها.
من جانبه، رأى المحلل السياسي، خالد ممتاز، أن "رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اختارا منذ البداية عدم مواجهة حزب الله، ورفض تطبيق القرارات الدولية، بما في ذلك ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري"، لافتاً إلى أنهما "ينتهجان سياسة المراوغة وتمرير الوقت بدل اتخاذ موقف حاسم".
وفي هذا السياق، ذكّر ممتاز، في حديث لموقع "الحرة"، بتصريحات أورتاغوس، التي أكدت بوضوح أن "لا مساعدات مالية للبنان ما لم تُنفّذ القرارات الدولية، وعلى رأسها نزع سلاح حزب الله".
يذكر أن عون أكد في خطاب القسم التزامه بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما أكده أيضاً البيان الوزاري لحكومة نواف سلام.
وفي مقابلة تلفزيونية في 21 مارس، أشار سلام إلى أن "شعار شعب، جيش، مقاومة أصبح من الماضي"، مؤكداً أن "صفحة سلاح حزب الله انطوت بعد البيان الوزاري"، لكنه أقر في الوقت ذاته بأن "حصر السلاح بيد الدولة لن يحدث بين ليلة وضحاها".
ورغم هذه التصريحات، لم تعلن الحكومة حتى الآن عن خطة واضحة أو جدول زمني لتنفيذ هذا التعهد، وسط انقسام داخل مجلس الوزراء بين مؤيدين ومعارضين لوضع جدول زمني محدد.
طريق مسدود
الحديث عن الحوار مع حزب الله بشأن سلاحه لا يجدي نفعاً، كما يؤكد ممتاز، مستشهداً بتجربة الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس الأسبق ميشال سليمان، وانتهت بإقرار "إعلان بعبدا" الذي نصّ على استراتيجية دفاعية واضحة، سرعان ما انقلب عليها الحزب.
وقال ممتاز "بعد نحو أربعة أشهر فقط، خرج النائب محمد رعد رافضاً الإعلان رغم توقيع الحزب عليه، قائلاً بالحرف: بلّوه واشربوا ميّته، ليعود الحزب إلى تعزيز تسليحه وتنظيم صفوفه وتوسيع نفوذه".
وأضاف "تجربة الحوار أثبتت فشلها في الماضي، ولا مؤشرات على نجاحها اليوم، والمطلوب الآن ليس نقاشات، بل خطوات حاسمة".
وصدر إعلان بعبدا في 2012 في ظل تصاعد الانقسام الداخلي حول الأزمة السورية وخشية من توريط لبنان في صراعات إقليمية، ومن أبرز بنوده الالتزام بالقرارات الدولية، بما في ذلك القرار1701، والتمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنود، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية.
ويشدد ممتاز على ضرورة وضع مهلة زمنية واضحة أمام قيادة حزب الله لتسليم سلاحها، كما حصل سابقاً مع القوات اللبنانية، قائلاً "بعد انقضاء المهلة، إن لم يتم التسليم طوعاً، يجب أن يتدخل الجيش اللبناني لتنفيذ نزع السلاح بالقوة".
وأعرب عن شكوكه في قبول حزب الله بأي صيغة دفاعية، موضحاً "الحزب يعتبر سلاحه جزءاً من عقيدته الدينية، ويرتبط بـ 'صاحب الزمان'، وبالتالي فإن الرهان على تخليه الطوعي عن هذا السلاح هو وهم".
كذلك ذكّر بشير بتصريح رعد عن "إعلان بعبدا"، الذي يرى فيه دليلاً قاطعاً على رفض أي نقاش جدي حول مستقبل السلاح.
وأضاف "كل تجارب الحوار مع حزب الله انتهت إلى طريق مسدود، لأن قرار سلاح الحزب لا يصنع في بيروت، بل في طهران، وهو في جوهره أداة تنفيذية لخدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة".
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية بمشاركة وزراء من حزب الله، ينص على تجريد الحزب من سلاحه.
ويتضمن الاتفاق تنفيذ القرار 1701 الذي يفرض نزع سلاحه جنوب الليطاني، إضافة إلى القرار 1559 الذي يدعو إلى تفكيك كافة الجماعات المسلحة غير الشرعية في جميع أنحاء لبنان.
تحذير من العجز
"المجتمع الدولي يدرك حجم المعضلة في لبنان، ويعلم أن الدولة اللبنانية لا تملك القدرة على فرض جدول زمني لنزع سلاح حزب الله، رغم مطالباته بذلك"، وفق ما يقوله بشير، موضحاً "الحكومة لا تملك القرار، والحزب نفسه ينتظر التعليمات من طهران".
وشدد بشير على أن "وجود حزب الله المسلح يظل غير شرعي، حتى لو حظي بقاعدة شعبية واسعة"، موضحاً أن "الواقع القائم لا يصنع شرعية، ولو أن أي تنظيم آخر امتلك السلاح في ظروف مماثلة، لكان اعتُبر ميليشيا خارجة عن القانون".
وأضاف "لا يجوز لأي جهة أن تحتكر قرار الحرب والسلم خارج مؤسسات الدولة الشرعية، ولا أن تنشئ منظومة مصالح موازية للسلطة. فحزب الله لم يُنتخب لحمل السلاح، بل فرض نفسه بالقوة والمال، وهذا يتعارض مع منطق الدولة".
وعلى الدولة اللبنانية، إذا كانت جادة في حماية سيادتها وتطبيق القانون، أن تعلن بوضوح وفق ما يقوله بشير أن "حزب الله تنظيم غير شرعي، وأن تعمل على حله، بدل التعايش مع سلاحه تحت عناوين وشعارات فضفاضة".
من جهته، حذّر ممتاز من أن إبقاء ملف سلاح حزب الله معلقاً يضع لبنان في دائرة الخطر، مشيراً إلى أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تحمل مؤشرات واضحة.
وقال "الوتيرة المتسارعة للتصعيد الإسرائيلي وحدّتهما في الفترة الأخيرة، تدلان على وجود نية لدى إسرائيل للتعامل مع هذا السلاح بالقوة، إذا لم يُعالَج داخلياً".