19 إبريل 2025
18 إبريل 2025


تدخل الحرب في اليمن مرحلة جديدة من اللايقين، بعد حالة الجمود التي أعقبت إبرام الهدنة برعاية الأمم المتحدة في عام 2022، وتوقفت معها المعارك القتالية نسبياً بعد حرب مستعرة استمرت قرابة سبع سنوات.

مثلت المحادثات المباشرة التي جرت بين السعودية وجماعة الحوثيين لتطبيع العلاقات وإطلاق عملية سلام يمنية – يمنية، أبرز محطات ما بعد الهدنة، قبل أن تتعطل بتدخّل الحوثيين في حرب غزة عبر هجماتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل وسفن الشحن التجارية في البحر الأحمر.

بعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستئنافه الحملة العسكرية التي بدأتها إدارة سلفه بايدن ضد الحوثيين – بحماس وقوة هذه المرة – تعززت آمال بعض الأطراف في أن تجثو الجماعة المتمردة أخيراً على ركبتيها. لكن حتى لو نَفَذت الجماعة بجلدها هذه المرة أيضا، ستكون التداعيات المترتبة على اليمن بالغة الأثر، ولعلّ من الأفضل لمختلف الجهات الفاعلة المحلية والخارجية المعنية بمستقبل البلاد أن تبدأ النظر في السيناريوهات المحتملة.

لا تزال أهداف الحملة العسكرية الأمريكية غامضة، فَرُغم أن الرئيس ترامب أبدى نيته بِمَحْق الحوثيين، قد لا يعكس هذا بالضرورة النوايا الحقيقية. تُظهر أضرار الغارات شبه اليومية، التي تم التمكّن من رصدها، مساعي الولايات المتحدة لتدمير القدرات العسكرية للحوثيين من خلال استهداف ما يُعتقد أنها منشآت سرية تحت الأرض – خاصة في معقل الجماعة بمحافظة صعدة.

فضلا عن ذلك، تحاول الولايات المتحدة القضاء على كبار القيادات الحوثية، ربما في محاولة لتكرار نجاح إسرائيل في اغتيال حسن نصر الله، والعديد من قيادات حزب الله في لبنان. رغم هذا، لم يتضح بعد مقدار النجاح الذي تحققه الإدارة الأمريكية، خاصة أنها لم تقدم تفاصيل عن التقدم الذي أحرزته حملتها العسكرية.

بالمقابل، يبدو أن الحوثيين يتلاعبون في رواياتهم عن نتائج الضربات الأمريكية لأغراض دعائية، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن هنالك أشخاص يلقون حتفهم، حيث أعلنت الجماعة مقتل 123 مدنيًا وإصابة 147 آخرين نتيجة الغارات الجوية حتى تاريخ 14 أبريل، بينما قدّر أحد الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقتل 101 من المقاتلين الحوثيين حتى السابع من أبريل الجاري.

تبنت الإدارة الأمريكية رسائل متناقضة حول خطتها في اليمن: فمن ناحية، قال المسؤولون إن الحملة العسكرية قد تتوقف إذا توقف الحوثيون عن تهديد حركة التجارة البحرية؛ ومن ناحية أخرى، ربط ترامب الحملة بالجهود الجارية لدفع إيران إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي – وقد بدأت بالفعل محادثات حول هذا الملف بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، استضافتها سلطنة عُمان في 12 أبريل. يأتي ذلك في وقت بدأت فيه الحملة الأمريكية في اليمن توضع تحت المجهر، بعد استهداف تجمعات على غرار ما حدث في أفغانستان، فضلا عن تقارير لوسائل إعلام أمريكية توضح التكاليف المالية الضخمة للحملة العسكرية.

على ضوئه، يبدو أن التدخل الأمريكي في اليمن يعاني من أوجه قصور تحول دون القيام بتدخل مباشر لإنهاء سلطة الحوثيين. سيستخدم ترامب القوة العسكرية ولكن دون المخاطرة بإشعال "الحرب الأبدية" التي يرغب في تجنبها، وبالفعل تناولت تقارير تشجيع الولايات المتحدة لبعض القوات العسكرية الموالية للحكومة للاستفادة من الوضع من خلال شن عمليات برية واسعة للسيطرة على مناطق محددة.

حتى الآن، لا يوجد طرف مستعد للمغامرة دون التزامات أمريكية بتوفير غطاء جوي وتوفير الدعم بالأسلحة، وهذا الموقف ينطبق أيضاً على المملكة العربية السعودية، التي تشعر بالقلق من تجدّد الهجمات الحوثية بالطائرات المسيرة أو الصواريخ إلى داخل أراضيها.

مع ذلك، هناك شيء ما اختلف بالفعل. لقد أدى التقاء عدد من العوامل والظروف – سواء انهيار نظام الأسد في سوريا، أو حملة ترامب العسكرية، أو الاستياء مع استمرار الرياض في الانخراط مع الحوثيين – إلى خلق توقعات بأن شيئًا ما على وشك أن يتغير في اليمن. على ما يبدو، فإن الفصائل العسكرية في مختلف أنحاء البلاد تهيئ نفسها لحدوث تغيير في الوضع الراهن، والاستفادة من ذلك، علماً بأن القتال قد يندلع بين الحوثيين والقوات المناهضة لهم في بؤر التوتر المألوفة (كَالحديدة ومأرب وتعز وغيرها)، أو قد يضم قوات قبلية تم تشكيلها حديثاً في شمال اليمن.

بعبارة أخرى، قد نشهد أخيراً بداية كسر حالة الجمود السياسي والعسكري الذي تم احتواؤه إلى حد كبير من خلال الجهود السعودية منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في الرياض قبل ثلاث سنوات، وما أعقبه من تدهور في موقف الحكومة وسط الحصار الذي فرضه الحوثيون على موانئها، والخلافات الداخلية التي شلّت أداءها، وإصرار السعودية على استرضاء صنعاء في كل مرحلة تقريبًا.

إذن، إلى أين يُمكن أن تقودنا الأحداث؟ يتمثل السيناريو المثالي في زحف مُنسّق للحكومة اليمنية من اتجاهات عدّة نحو صنعاء لإنهاء سلطة الحوثيين هناك. لكن لا يمكن لهذا السيناريو أن يتحقق من دون إعطاء السعودية الضوء الأخضر، وبدون وجود دعم عسكري كبير. رُغم أن بعض الفصائل المدعومة من الإمارات (المنضوية تحت مظلة الحكومة) قد تكون أكثر تحمسًا لمثل هذه المغامرة، سيكون الأمر مرهوناً أيضاً بموافقة الرياض.

هذا يجعل سيناريو محاولة إعادة ترتيب موازين القوى من خلال إعادة تنشيط بعض الجبهات وقض مضجع الأمن لدى الحوثيين كوسيلة لدفعهم إلى الانخراط في عملية سلام جادّة الأكثر ترجيحاً. في الوقت الراهن، يسهل استشراف تراجع الجماعة عن التزامها بأية محادثات يمنية – يمنية، إذا ما ضمنت الاتفاق الذي طال انتظاره مع الرياض، والذي سَيكفل انسحاب السعودية رسمياً من الصراع.

يبرز عامل آخر في المعادلة، ألا وهو عودة المحادثات الأمريكية – الإيرانية، الأمر الذي يُعقد المشهد أكثر. تناولت تقارير بالفعل قيام طهران بسحب مستشاريها العسكريين من اليمن لاسترضاء الأمريكيين، وتحييد خطر أي هجوم أمريكي على إيران. من المرجح أن تمتد حبال المحادثات الأمريكية الإيرانية لفترة طويلة، حسب المؤشرات حالياً، وهو ما قد يضع الحوثيين في موقف أكثر هشاشة، لا سيما خلال المرحلة التي ستركز فيها طهران على المفاوضات حول برنامجها النووي، وتجنب الصراع المباشر مع واشنطن.

في جميع الأحوال، تُثبت المرحلة الراهنة من الضغط المتجدد على الحوثيين – مع استمرار الغارات الجوية الأمريكية وما يُشاع عن التخطيط لعملية برية يمنية – أن المتحكّم الرئيسي هم الأطراف الخارجية، وهذا الواقع يُعزز الحاجة لتكاتف اليمنيين من مختلف الأطياف السياسية، من أجل استنباط ورسم رؤية حقيقية لمستقبل البلاد الآن، وضمان أن يخدم المسار السياسي المرسوم المصالح اليمنية وليس المصالح الخارجية، قبل أن يأتي ”الغد“ بمفاجآته.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI