اضطر صادق حزام إلى الانتقال للسكن منذ نحو أربعة أعوام في منطقة عشوائية شمال غربي العاصمة اليمنية صنعاء لرخص إيجارات المساكن في مثل هذه المناطق التي تكتظ بسكان غالبيتهم من ذوي الدخل المنخفض والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الحياة في المناطق والأحياء المنظمة.
يصف المواطن الأربعيني قايد عبد العليم لـ"العربي الجديد" الحياة في هذه المناطق بأنها قاسية وشاقة، نظراً لانعدام الخدمات العامة فيها من كهرباء ومياه، فهي عبارة عن مناطق نائية مقطوعة عن المدينة.
يعيش اليمن على وقع تمدد وتوسع لافت للرقعة الجغرافية المكتظة بالفقراء والتي تشمل معظم المدن الرئيسية في المحافظات بصورة غير متوقعة، مدفوعة بتبعات الحرب والصراع والأزمات الاقتصادية والمعيشية التي طاولت تأثيراتها غالبية سكان البلاد.
ويكشف تقرير صادر مؤخراً عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية بالتعاون مع البنك الدولي واليونيسف، اطلعت عليه "العربي الجديد"، عن أن نحو 64 % نسبة السكان الحضريين الذين يعيشون في أحياء فقيرة أو غير منظمة أو مساكن غير ملائمة.
ويعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء علي سيف كليب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الفقر والجوع من أبرز الكوارث التي خلفتها الحرب في اليمن، إذ إن أغلب سكان البلاد فقدوا مصادر دخلهم المتاحة وأصبح كثير منهم يعيش على الكفاف مع انخفاض مستوى دخل الفرد في البلاد إلى أدنى مستوى له على الإطلاق.
وتنتشر عشرات المناطق العشوائية التي تعتبر أحياء فقيرة مكتظة بالسكان الفقراء في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت ومدن ومناطق يمنية أخرى، في حين تتشكّل مخيمات النازحين في مأرب في بؤر سكنية عشوائية متناثرة في مختلف مناطق المحافظة التي استقبلت أكبر عدد من النازحين بفعل الحرب والصراع في اليمن.
مبارك صالح من ضمن هؤلاء النازحين الذين استقروا في مأرب منذ أكثر من خمس سنوات، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن الوضع المعيشي المتردي لأسرته التي يصل عددها إلى 6 أفراد دفعه للعمل في مجال الزراعة بالأجر اليومي، بينما يعمل جاره في المخيم بنسبة متفق عليها مع أحد ملاك الأراضي الزراعية، في حين انخرط كثير من سكان هذه الأماكن، خصوصاً النساء، في أعمال مهنية وأشغال يدوية متنوعة ومتعددة.
وكان تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2021 قد توقع أن يصبح اليمن أفقر بلد في العالم إذا استمر النزاع حتى عام 2022.
وتسببت الحرب بزيادة الفقر في اليمن من 47 % من السكان عام 2014 إلى أكثر من 80 % في عام 2021، يعيش غالبيتهم تحت خط الفقر ويُصنف 65 % منهم على أنهم فقراء جداً.
من جانبه، يوضح الأكاديمي في جامعة حضرموت سالم بن محمد، لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع والظروف الراهنة والمتغيرات الطارئة كشفت عن هشاشة المدن الحضرية في اليمن وحجم المشكلة المتسعة نتيجة النمو السكاني والتغيرات الديموغرافية الطارئة ومحدودية الخدمات المقدمة، لافتاً إلى المدن الرئيسية في محافظة حضرموت كمدينة المكلا التي تعاني من مشكلة سكانية كبيرة ونقص في الخدمات العامة بسبب استقبالها عدداً كبيراً من المغتربين الذين اضطروا بسبب قوانين العمل إلى مغادرة مواطن الاغتراب.
كذلك تعاني المدن الرئيسية في حضرموت ومدن أخرى في عدن ومأرب من التشتت السكاني والتباعد بين المناطق الحضرية المحلية واختلال أنظمة التخطيط الحضري والسكاني.
ويرصد "العربي الجديد" توسع سلسلة المديونية في المجتمع لمؤجري المساكن، وتصاعد عملية بيع الممتلكات العامة في صنعاء ومدن يمنية أخرى، خصوصاً العقارات، بسبب تردي الأوضاع المعيشية واضطرار كثير منهم للعيش في مجمعات سكانية عشوائية في أطراف المدن.
ويتطرق الباحث الاقتصادي عبد القوي مدهش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، إذ يشهد اليمن كما يؤكد تغييرات ديموغرافية واسعة تسببت في انتشار العشوائيات وتمدد رقعة الفقر بشكل يصعب السيطرة عليها والتي تشمل معظم مناطق البلاد، إذ إن الحرب تسببت في تشكل طبقات وفئات سكانية بمستوى دخل مرتفع عملت على الزحف باتجاه المناطق الحضرية المنظمة والمناسبة والراقية، سواءً من حيث شراء مساكن جديدة أو ما تمتلكه من قدرة مالية تمكنها من دفع تكاليف إيجارات العقارات المرتفعة.
ويشير إلى أن ذلك كان على حساب توسع المناطق العشوائية، بعد أن دفعت بالكثير من سكان المدن ممن فقدوا أعمالهم أو رواتب ومصادر دخلهم المتاحة وأصبحوا في عداد الفقراء باتجاه هذه المناطق النائية التي تفتقد لأبسط الخدمات العامة.
ولضمان رفع فعالية واستدامة الدعم الخارجي في منع سقوط مزيد مما تبقى من أصولهم المعيشية، إن وجدت، يقترح خبراء اقتصاد أن تعمل برامج التنمية بالتوازي مع التدخلات الإنسانية الطارئة، مع التركيز على برامج سبل العيش المستدامة مثل توسيع برامج النقد مقابل العمل والأشغال كثيفة العمالة لإعادة تأهيل وصيانة البنى التحتية والأصول المجتمعية مثل الطرق والمدارس وأنظمة الري.
"صحيفة العربي الجديد"