يواصل ارتفاع الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية، إلى جانب أزمة سقف الدين، كبح الاتجاه الصعودي لأسعار الذهب التي تتحرك في نطاق ضيق قرب 1950 دولاراً للأونصة، بعد أن كانت عند مستوى 2000 دولار منتصف الشهر الجاري، لكن السؤال الأبرز الذي يتداوله الخبراء والمستثمرون، هل سيعود الذهب مجدداً فوق مستوى 2000 دولار للأونصة، وهل الوقت الحالي مناسب للشراء أم انتظار مزيد من تراجع الأسعار؟
في ختام تعاملات الجمعة ارتفعت العقود الآجلة للذهب بنسبة طفيفة بواقع 60 سنتاً إلى 1944.30 دولار للأونصة، فيما سجلت خسائر أسبوعية بنحو 1.9 % هي الثالثة على التوالي.
ويؤكد خبراء اقتصاد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الصيف سيكون ساخناً على الذهب الذي ستبقى تداولاته عرضية في الكثير من الأوقات، لكنهم يشيرون في الوقت ذاته أن الوصول مجدداً إلى 2000 دولار للأونصة لن يكون صعباً.
حقائق وأرقام
لكن لابد بدايةً من معرفة حقيقة مهمة وهي أن الذهب لايزال إلى الآن مرتفعاً 7 % تقريباً في 2023، ونحو 5 بالمئة في عام كامل رغم خسارته أكثر من 2.2 % في شهر كامل، وإن متوسط الأداء السنوي للذهب وصل إلى 9.2 % كعائد في الذهب المسعّر بالدولار الأمريكي منذ 2006 وحتى العام الفائت، وهذه عوائد تعتبر ممتازة بكافة المقاييس الاستثمارية، طبقاً لما قاله مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA".
لماذا تراجع الذهب بقوة في الشهر الأخير؟
وفي الإجابة على السؤال المهم هل سيعود الذهب مجدداً فوق مستوى 2000 دولا للأونصة يقول سلهب في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإجابة على سؤال أهم.. لماذا أصلاً تراجع الذهب بقوة في الشهر الأخير؟ والجواب يكمن في أمريكا أولاً وأخيراً، فالإجابة تأخذنا إلى ارتفاع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأميركي 4.7 % سنوياً وهذا يعني أن التضخم الأمريكي مستمر وعليه فإن الفائدة لن تتراجع بسرعة بل على العكس قد ترتفع في اجتماع الشهر المقبل.. لكن الأهم من ذلك هو ارتفاع العوائد القصيرة الأجل (3، 6، 12 شهرا) على سندات الخزينة الأميركية والتي وصلت أعلى من 5.2 % وبذلك تكون قد أصبحت أعلى من التضخم الأميركي حالياً (التضخم عند 4.9 % تقريباً) أي أن العوائد أصبحت إيجابية وهذا هو مقتل الذهب كما يقال".
ويضيف كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": "النقطة الأخيرة هي أن رفع الفائدة التي تجعل من تكاليف الإقراض مرتفعة والسيولة متراجعة قد يدفع كبار المستثمرين وحتى البنوك المركزية إلى بيع جزئي للذهب للحصول على سيولة سهلة وسريعة، خاصةً بعد الشراء القوي في الربع الأول من 2023، ويجب ألا نستغرب هكذا عمليات لأن تسييل الذهب ممكن وبسرعة في أسواق سيولتها عالية كالذهب دون اللجوء إلى الأسواق التقليدية".
الذهب لن يخسر مكاسبه في 2023
"لذلك يمكن القول إنه سيكون صيفاً ساخناً على الذهب الذي ستبقى تداولاته عرضية في الكثير من الأوقات لكن الوصول مجدداً إلى 2000 دولار للأونصة لن يكون صعباً (2.8 بالمئة فقط) لأنه حتى لو تراجع أكثر فإن الأسواق تقرأ تخفيضاً للفائدة في وقت لاحق من هذا العام"، بحسب سلهب، الذي أكد أن الذهب لن يتراجع بقوة ويخسر كل مكاسبه في 2023 إلا في حالة واحدة وهي أن يتراجع التضخم بأسرع من ارتفاع أسعار الفائدة (تضخم أضعف وفائدة تبقى مرتفعة) وهذا لا يحصل الآن لأن التضخم لا يتراجع بسرعة.
ويرى سلهب أن اكتمال دورة رفع الفائدة شارف على النهاية بمعايير اقتصادية وتاريخية وعليه فإن الحذر الآن من المبالغة في تقدير مدى سرعة تراجع الاقتصاد الأمريكي التي قد لا تحدث بسرعة كما يراهن الكثيرون.
ما الوقت المناسب لشراء الذهب؟
أما الوقت المناسب لشراء الذهب فهذا يعتمد أساساً، وفقاً لكبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA"، "على كل شخص وهدفه الاستثماري والعائد الذي يريده، إذ مازلنا نرى أن الذهب الحقيقي فيه قيمة جيدة (أصول حقيقية Tangible ) خاصةً في الاقتصادات التي تتراجع عملتها المحلية وتفقد قيمتها بسرعة كمصر وسوريا والعراق وتركيا ولبنان وغيرها، أما في الإمارات التي تتمتع بعملة قوية مستقرة وقوة شرائية ممتازة يمكن اللجوء إلى تنويع الاستثمار ما بين ذهب حقيقي وصناديق استثمار في الذهب وكذلك أسهم الشركات التي تعمل في قطاع تعدين الذهب وهذه عادةً تعطي توزيعات وتكون للاستثمار المتوسط والبعيد الأجل".
ويختم سلهب بأن الذهب يبقى خياراً جيداً ويجب أن يكون جزءاً من محافظ المستثمرين عموماً لأن الاستثمار في هكذا طريقة سيجنب المستثمرين وخاصةً الأفراد عناء التفكير بسعر الذهب اليومي الذي لا طائل منه في كثير من الأحيان.
من جهته، الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي،: "يمكن شراء الذهب في أي وقت لأن مدة الاستثمار في الذهب يجب أن تكون طويلة الأجل ومن هنا يوصف بالملاذ الآمن، ولكن عند متابعة أسعار الذهب خلال عام فإن سعر الذهب عادة ينخفض خلال فترة الصيف، إذ بعد وصول سعر الأونصة إلى 2060 دولاراً انخفض الآن إلى 1946 دولاراً ويمكن أن نرى استمرار الانخفاض في الأسعار إلى نحو 1800 دولار للأونصة حيث لاحظنا المستثمرين يقبلون على البيع بسبب ضغط أزمة سقف الدين الأمريكي".
لكن الرفاعي يتوقع أن تشهد أسعار الذهب رقماً قياسي في المستقبل القريب وتحديداً في نهاية العام الجاري 2023.