تحت عنوان "الخلاف السعودي الإماراتي يهدد الجهود الأميركية لإنهاء حرب اليمن"، قالت وكالة بلومبرغ إنه بعدما توحدت السعودية والإمارات ضد الحوثيين المدعومين من إيران، يتنافس البلدان في السيطرة على يمن ما بعد الحرب، مشيرة إلى أن "الخلاف العميق يعرض للخطر آفاق السلام، مع وجود مخاطر على القوى الخليجية الغنية بالنفط التي تقع في قلب هذا الصراع".
وشهد اليمن نزاعا داميا، منذ 2014، بين القوات الموالية للحكومة والمتمردين الحوثيين. وتصاعد النزاع بعد تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري، في مارس 2015، لوقف تقدم الحوثيين المدعومين من إيران بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء.
وتراجعت حدة القتال بشكل ملحوظ بعد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيز التنفيذ في أبريل 2022. ولا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر 2022.
ونقلت بلومبرغ عن أربعة أشخاص على دراية بالأحداث على الأرض القول إن الانقسامات حول شكل اليمن بعد الحرب "تُعرض هدنة هشة مع الحوثيين للخطر وتهدد بالتصعيد نحو جولة جديدة من المعارك" بين الجماعات المدعومة من الإمارات من جهة، والسعودية من جهة أخرى.
وأجرى المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، محادثات في أبوظبي والرياض، قبل أيام، تهدف إلى تجنب أن تؤدي التوترات بين القوتين الخليجيتين والفصائل التي تدعمهما إلى تقويض الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، وفقا لمسؤولين يمنيين التقيا به.
ورفض مكتبه التعليق، ولم يرد مسؤولون في الحكومة السعودية على طلبات للتعليق أرسلتها "بلومبرغ".
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم ذكر اسمه للوكالة، إن واشنطن تعمل من خلال "القنوات القائمة" نحو "وقف التصعيد والتوصل إلى حل دائم للصراع".
واستأنفت المملكة العلاقات الدبلوماسية مع إيران في وقت سابق من هذا العام، وبدأت محادثات مباشرة مع الحوثيين، وأنشأت مجلس قيادة رئاسيا جديدا في اليمن، بقيادة رشاد العليمي، (وهو موال للسعودية تثق به الولايات المتحدة) بهدف "التوفيق بين الفصائل المتحاربة وتحقيق الاستقرار في دولة تعتبرها أساسية لأمنها القومي" وفق بلومبرغ.
وقالت الوكالة إنه "في حين دعمت الإمارات المجلس علنا، إلا أنها أقل حماسا لاستيعاب الحوثيين، وحريصة على إنشاء دولة جنوبية مستقلة للحفاظ على النفوذ الذي بنته على امتداد الساحل الممتد من المكلا إلى باب المندب، بوابة البحر الأحمر، وهذا أمر بالغ الأهمية لتعزيز مكانتها في التجارة الدولية".
وترى أبوظبي أن مصالحها ستتحقق من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي بقيادة عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس، وهو ضابط سابق في الجيش يشغل اسميا أيضا منصب نائب رئيس مجلس الرئاسة، رشاد العليمي.
واشتبك مقاتلون موالون للزبيدي مع القوات الحكومية المدعومة من السعودية في الماضي، من أجل السيطرة على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية. وفشل اتفاق عام 2019 لإنهاء الاقتتال الداخلي في معالجة الخلافات الأساسية، التي تهدد بالانفجار إلى أعمال عنف مرة أخرى.
وفي مايو، أثار الزبيدي غضب المملكة عندما وصل مدينة المكلا، وبدا الرجل، الذي كان يرتدي نظارة شمسية وبزة أنيقة، أشبه بالرئيس المنتظر أكثر من كونه متمردا سابقا، وفق بلومبرغ.
وقالت الوكالة إن وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد، الحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمد بن سلمان، كان غاضبا من المشهد حيث بدا وكأنه يتحدى علنا جهود بلاده لإنهاء الحرب، وفقا لثلاثة أشخاص تحدثوا مع الوكالة.
وتشعر إدارة بايدن بالقلق من الخلاف، وتخشى أن يؤدي إلى تقوية إيران وإفشال هدف رئيسي في سياستها الخارجية هو إنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات والتي أصبحت مسؤولية سياسية للولايات المتحدة، حسبما قال مسؤول غربي كبير يتواصل مباشرة مع اللاعبين الرئيسيين المحليين والإقليميين والدوليين في الصراع.
وقال مسؤول حكومي إماراتي إن أبوظبي تدعم بشكل كامل الجهود السعودية لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، ووصف مزاعم التوترات بين الجارين بأنها "كاذبة بشكل قاطع".
بينما قال المحلل السعودي، مبارك آل عاتي، لموقع الحرة إن "ما يجمع البلدين أكبر بكثير.. وعلاقات البلدين تزداد تجذرا وقوة في كل المجالات سواء من ناحية التعاون الثنائي والإقليمي وحتى في اليمن".
ويضيف أنه "من الطبيعي أن يحدث تباين في الآراء بشأن قضايا، وهذا يحدث بين الأشقاء من باب الحرص على معالجة هذه القضايا، لكن قوة العلاقات تستطيع أن تحتوي ما يطرأ من تباينات".
ومن جانبه، يرى الباحث والمحلل اليمني المقيم في تركيا، نبيل البكيري، في مقابلة مع موقع الحرة أنه "لا شك أن الخلاف بدأ يظهر بشكل أو بآخر بين البلدين من ناحية تقاسم العملية السياسة، ابتداء من مجلس القيادة الرئاسي، وحتى على مستوى الميليشيات التي تم إعدادها وتسليحها على الأرض".
ويرى أن "تعطيل جهود السلام سيكون أول عائق لها هذا الانقسام، مشيرا إلى أن الإماراتيين يمتلكون ميليشيات قوية، خاصة في جنوب اليمن، وهي تمثل عائقا حقيقيا أمام مصالحة حقيقية بالنظر إلى تعقيدات الملف الداخلي، ويمكن أن يمثل المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي واحدا من الإشكاليات في أي حلول مقبلة".
ويرى آل عاتي أن الملف اليمني "يشهد خطوات كبيرة ومتسارعة من المملكة تجاه تعجيل الحل السياسي والسلمي، الذي يضمن ويكفل إحلال السلام في كل المناطق اليمينة ووحدة أراضيه، وأن يكون اليمن لليمنيين كافة".
وأضاف أن "السعودية بالتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء وكل الأطراف اليمنية تتجه بالملف إلى مراحل الحل السياسي الذي من شأنه أن يجعل اليمن لكل المكونات اليمنية دون استثناء".
لكن البكيري يرى أن "مسارات التسوية السياسية ليست واضحة وكل ما في الأمر أن المملكة تقفز للأمام للهروب من تداعيات الحرب في اليمن وإغلاق هذا الملف، لكن لا يمكن إغلاقه بهذه السهولة، لأن جذور الحرب لا تزال قائمة، وبالتالي فإن كل المستثمرين في الحرب يستطيعون صنع المزيد من العوائق في هذه التسوية".
حسن منيمنة، خبير شؤون الشرق الأوسط، مدير مؤسسة "بدائل الشرق الأوسط"، يرى أن ما يحدث في اليمن هو "تجسيد للتنافس الدائم بين السعودية، التي تشكل ثقلا على مستوى الخليج، وبين الإمارات التي تسعى إلى موازنة هذا الثقل من خلال التحالفات".
ويرى أن الخلاف سيكون له تأثير على إمكانية التوصل إلى حل، خاصة أن الرؤية السعودية للمسألة اليمينة تتعلق بالأمن الوطني، وبعد التواصل الذي حصل برعاية الصين بين الرياض وطهران يُمكن السعودية من الحصول على بعض الضمانات الأمنية، خاصة ما يتعلق بعبور ناقلات النفط من باب المندب، وباتت احتمالات التوصل إلى حل نهائي للصراع أكثر مع حاجة الرياض لذلك، خاصة أنه لم يحدث أي انتصار للجهات المؤيدة لها في الحرب، ولم يظهر أن الحرب كانت تتجه نحو ذلك.
أما الرؤية الإماراتية "فهي ليست مرتبطة بضمان خطوط النقل بقدر أنها مرتبطة بنفوذها في جنوب اليمين، وهي استراتيجية أيضا بعيدة المدى، لكنها مختلفة في المضمون عن السعودية".
ويرى أنه "يمكن التوفيق بين وجهتي النظر شرط أن تكون العلاقة بين البلدين على درجة عالية من الثقة".
ويقول آل عاتي إن الرياض "ستسعى بكل الوسائل لحماية اليمن من الاختطاف من أي جهة كانت، وأعتقد أن الأشقاء في الإمارات وفي مجمل دول مجلس التعاون سيدعمون الخطوة السعودية".
ويضيف أن "الخطوات السعودية لقيت إشادة من البيت الأبيض والدول الصديقة والأطراف اليمينة. ومن سيخالف الحلول السياسية سيجد نفسه محصورا في زاوية ضيقة وفي خلاف مع المجتمع الدولي كله".
أسابيع حرجة
وتقول بلومبرغ إن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، إذ تستعد المملكة لجولة جديدة من المحادثات مع قادة الحوثيين، الذين هددوا باستئناف هجماتهم على المملكة، بما في ذلك مشروع "نيوم"، ما لم تتم الاستجابة لمطالبهم بالتعويضات وحصة كبيرة من عائدات النفط والغاز.
وكانت فرانس برس أوردت أن السعودية سوف تستضيف وفدا حوثيا لمناقشة عملية السلام في اليمن، في أول زيارة علنية للحوثيين إلى المملكة منذ تدخل الرياض في الحرب.
وقال مسؤول في الحكومة اليمنية، مطّلع على فحوى المحادثات، لفرانس برس، الخميس الماضي، إن الغاية من الزيارة "عقد جولة مفاوضات مع السعودية والتوصّل لاتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفين الإنساني والاقتصادي".
وتابع أن المحادثات تتركز على مسألة تسديد رواتب موظفي حكومة الحوثيين، وهي نقطة شائكة، وتدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء الذي ظل مغلقا لسنوات قبل أن يسمح التحالف، العام الماضي، بفتح أجوائه للطائرات إلى الأردن ومصر.
من جهتها، أفادت مصادر سياسية في صنعاء بأنه من المتوقع كذلك أن يناقش الحوثيون "الصيغة النهائية" لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة، وبدعم من السعودية وعُمان.
وتأتي هذه الزيارة بعد نحو خمسة أشهر على زيارة وفد سعودي لصنعاء لبحث عملية السلام. وقد أنعشت زيارة الوفد هذه، والتقارب الأخير بين الرياض وطهران الآمال بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع، وفق فرانس برس.
وقال رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي، لفرانس برس إن زيارة الوفد الحوثي للسعودية "أشبه بنقل العلاقة بين الحوثيين والسعودية من الغرف الخلفية إلى صالة المنزل، أي شرعنة هذه العلاقة ومنحها دفعا إضافيا".
وتابع: "على الصعيد السياسي، هي خطوة متقدمة لإنهاء الدور المباشر للسعودية في اليمن وإقرار الحوثيين بدورها كوسيط، إلى جانب كونها أحد أطراف النزاع".
من جهته، اعتبر دبلوماسي في الرياض أنّ الحوثيين جاؤوا للسعودية "من أجل اتفاق تسوية مباشر مع السعوديين يُكسبهم اعترافا دوليا".
ويقول آل عاتي لموقع الحرة": "نحن على أعتاب مرحلة جديدة يشهدها الملف اليمني.. سيشارك اليمن مع شركائه في مجلس التعاون عملية النهوض والنماء، وسيجد اليمن نفسه أمام مشروع إعادة إعمار كبير ترعاه السعودية ودول مجلس التعاون قاطبة".
قضايا أخرى
ويأتي الخلاف بين الرياض وأبوظبي في الوقت الذي تتصاعد فيه الخلافات بين القوتين الإقليميتين بشأن قضايا أخرى. ووضع ولي العهد السعودي المملكة "بشكل متزايد كزعيمة إقليمية بلا منازع في كل شيء، من التجارة إلى الطاقة إلى السياسة الخارجية"، وفق بلومبرغ.
وأدى ذلك إلى "مشاحنات بين الحلفاء التقليديين في "أوبك" ومشاعر بالإحباط (لدى الإمارات) من محاولة استبدال دبي كمركز تجاري في الشرق الأوسط، فضلا عن الخلافات بشأن كيفية التعامل مع المنافس المشترك إيران" على حسب تعبير بلومبرغ.
ويقول منيمنة لموقع الحرة إنه "لا يبدو أن مسعى التنويع الاقتصادي في الممكلة يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الإماراتية وباقي الشركاء في مجلس التعاون، مثلما حدث عندما طلبت الرياض من الشركات نقل مقاراتها الإقليمية إلى السعودية".
ويرى أن السعودية "تذهب باتجاه المنافسة الصفرية، أي "إما نحن أو أنتم" وعلى سبيل المثال، مشروع "نيوم" يهدف لتخفيض دور دبي اقتصاديا، وكأنها يجب أن تكون بديلا عن دبي وليس مكملا لها".
ويقول إن مساعي السعودية تدفع الإمارات، وغيرها، إلى السعي لتكوين بدائل تكميلية مثلما سعت دول منطقة الخليج إلى إيجاد بدائل تكميلية لدور الولايات المتحدة.
ويضيف أن هناك "نقاطا خلافية تتعدى اليمن لكنها قابلة للحل إذا كانت هناك ثقة، لكنها حاليا مهتزة، ومع ذلك فهذا ليس اهتزازا طويل الأمد، والخلاف قابل للحل بالعودة إلى منطق التواصل والتكامل، لأن مصلحة الجميع في نهاية المطاف هي الحصول على منطقة اقتصادية موحدة".