صعدت أسعار الذهب في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، مدفوعة بموجة طلب على المعدن الأصفر من قبل المستهلكين، إذ أكد مسؤولون في القطاع تزايد الإقبال على حيازة "السبائك والعملات"، فضلا عن المشغولات الذهبية.
وارتفع سعر الجنيه الذهب، خلال الأسبوع الماضي، وفق صحيفة "اليوم السابع"، بنحو 1200 جنيه (24.32 دولار) ليصل إلى مستوى 27760 جنيها (562.74 دولار). فيما سجل الذهب عيار 21 الأكثر شيوعا في البلاد، خلال الأسبوع الماضي، ارتفاعا بنسبة 4.5% ليصل إلى مستوى 3475 جنيها (70.44 دولار) للغرام الواحد.
وأكد تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، نهاية يوليو الماضي، أن مصر كانت استثناء من الانخفاض في الطلب على المشغولات الذهبية بمنطقة الشرق الأوسط خلال الربع الثاني من عام 2024 أبريل/ يونيو، حيث ارتفع طفيفا بها، بنسبة 2%.
وأوردت صحيفة "المصري اليوم" أن أسواق الذهب شهدت إقبالا ملحوظا، خصوصا على "السبائك" الذهبية، وهو ما أكده مسؤولو شعب الذهب باتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات في مصر.
وقال رئيس الشعبة العامة للذهب باتحاد الغرف التجارية، هاني ميلاد، لموقع "الحرة" إن "أسعار المشغولات الذهبية ارتفعت في المتوسط خلال الأيام القليلة الماضية بما يتراوح بين 100 إلى 150 جنيها (2.03-3.04 دولار)، مدفوعة بزيادة الطلب.
فيما أضاف مستشار شعبة الذهب والتعدين باتحاد الصناعات المصرية، وصفي أمين، أن "الإقبال في الفترة الحالية مرتفع على العملات والسبائك الذهبية، إذ يميل المشترون الآن إلى الاستثمار في هذا النوع والشراء بكميات كبيرة بهدف تحقيق أرباح مستقبلية".
ماذا وراء الارتفاع؟
ويثير هذا المستوى من الطلب المرتفع على الذهب وانعكاسه على الأسعار المزيد من التساؤلات بشأن الأسباب التي تقف وراء ذلك، حيث أجمع الفاعلون في سوق الذهب المحلية، وكذلك الخبراء الاقتصاديون خلال حديثهم مع "الحرة" على أن "ارتفاع الطلب جاء نتيجة أسباب متزامنة، في مقدمتها التخوف من تقلبات العملة المحلية في ظل المخاطر الجيوسياسية التي تحيط باقتصادات المنطقة".
وخلال الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار صرف الدولار في مصر أمام الجنيه إلى أعلى مستوى تقريبا منذ مارس الماضي عند 49.33 جنيها للدولار الواحد، بفعل خروج ما يعرف بـ"الأموال الساخنة" خلال عمليات البيع العالمية يوم الاثنين.
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي، قبل أيام إن إجمالي الأموال الساخنة التي خرجت لم تمثل أكثر من 7-8% من إجمالي الأموال الموجودة في السوق في ذلك الوقت.
وأكد رئيس الشعبة العامة للذهب خلال حديثه لموقع "الحرة" أن ارتفاع الطلب على الذهب يعكس تزايد اهتمام المواطنين به كملاذ آمن لحماية مدخراتهم، في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية والإقليمية.
وقال ميلاد: "نتيجة الوعي الذي أصبح لدى المستهلكين بشأن الاضطرابات الاقتصادية والسياسية العالمية وارتفاع مخاطرها، فإن الذهب الخيار الأفضل لحفظ القيمة باعتباره ملاذا آمنا".
وأشار أمين إلى أن "كل العوامل المجتمعة في وقت واحد من توترات جيوسياسية وهبوط الأسهم العالمية تخوفا من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، جعلت الذهب خيارا محوريا للكثيرين، فكل من يملك سيولة نقدية يتجه نحو شراء الذهب".
وتراجعت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، الاثنين الماضي، في ظل موجة بيع من قبل المستثمرين، مدفوعة بمخاوف من هبوط الاقتصاد الأمريكي، قبل أن تعاود الارتفاع مجددا وتختتم الأسبوع على استقرار، بدعم من تزايد ثقة المستثمرين في أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) سيبدأ بخفض سعر الفائدة في سبتمبر المقبل.
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية جاء في الأساس "بسبب ارتفاع سعر الدولار، الذي انعكس بدوره على الأسعار".
وقال النحاس في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن "الذهب لم يشهد ارتفاعا عالميا كبيرا خلال الأسبوع الماضي مع اضطراب الأسواق. والزيادة ناتجة عن تسعير الدولار في السوق السوداء مرة أخرى بأعلى من الأسعار الرسمية، مما أدى إلى نوع من المبالغة في الأسعار".
وحسب بيانات وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، فإن سعر الذهب في المعاملات الفورية اختتم تعاملات الأسبوع الماضي منخفضا بنسبة 0.5%، عند 2431.32 دولار للأوقية (الأونصة) مقابل 2443.24 دولار في ختام تعاملات الجمعة 2 أغسطس.
وأضاف النحاس أن "التطبيقات الإلكترونية في مصر لعبت أيضا دورا كبيرا في هذا الارتفاع، إذ أثرت على مشاعر الناس وسلوكهم، مما أدى إلى ارتفاع سعر الغرام بشكل سريع ليصل إلى 150 جنيها خلال فترة قصيرة، ربما حوالي 72 ساعة".
وقبل أيام، قال بيان صادر عن منصة "آي صاغة" المحلية، لتداول الذهب إن "شائعات زيادة سعر الدولار خلال الفترة المقبلة، أربكت أسواق الذهب في مصر".
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب أن "الطلب على الذهب خاصة المشغولات الذهبية، يرتبط عادة بفترات موسمية مثل التي تشهدها البلاد حاليا من هدايا ومجاملات بمناسبة نتائج امتحانات الثانوية العامة (المؤهلة للالتحاق بالجامعات)".
ومع ذلك، فإن الشكوك خلال الأسابيع القليلة الماضية التي أحاطت بموافقة صندوق النقد الدولي على صرف شريحة جديدة لمصر من القرض المتفق عليه، قد تكون لعبت دورا في ارتفاع الطلب على الذهب، وفق عبد المطلب.
وقال خلال حديثه لموقع "الحرة": "بدء الحديث عن تأجيل المراجعة الثالثة في 9 يوليو قبل الموافقة في 29 يوليو، ثم رفع أسعار الوقود والمواصلات، أثارت مخاوف لدى العديد من الأسر المصرية بشأن احتمال حدوث تعويم جديد للجنيه أو تخفيض قيمته، مما جعل الذهب يعتبر ملاذا آمنا للحفاظ على مدخراتهم".
وأضاف: "هناك ما يمكن تسميتهم بالمستثمرين الصغار في سوق الذهب. هؤلاء المستثمرون يخافون من تكرار سيناريو التعويم السابق الذي تسبب في فقدان العملة المصرية حوالي 50% من قيمتها، مما دفعهم للبحث عن استثمارات آمنة للحفاظ على أموالهم".
وقبل أسبوعين تقريبا، أعلن صندوق النقد الدولي استكمال مراجعة تسمح لمصر بسحب 820 مليون دولار من قرض بقيمة 8 مليارات دولار، قائلا إن الجهود المبذولة لاستعادة الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي بدأت تؤتي ثمارها، وحث على ضرورة الحفاظ على نظام سعر الصرف المرن.
إلى أين؟
تتوقع شعبة الذهب في مصر، استمرار ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة مع تزايد الطلب، إذ قال ميلاد إن "من المتوقع أن يكون هناك طلب متزايد خلال الأشهر المقبلة، لذلك نقترح إعادة تفعيل مبادرة سابقة أطلقتها الحكومة لإعفاء واردات الذهب من الرسوم الجمركية للمصريين القادمين من الخارج".
وانتهت في مايو الماضي، إجراءات كانت قد بدأت الحكومة المصرية في تطبيقها قبل عام، تسمح بإعفاء واردات الذهب من الرسوم الجمركية للمصريين العائدين من الخارج، وقد جاءت على خلفية ارتفاع كبيرة في أسعار الذهب في السوق المصرية خلال العام الماضي.
وأكد ميلاد أن الإجراءات السابقة "لعبت دورا في تهدئة الأسعار خلال الأشهر الماضية، وإعادتها مرة أخرى ستعيد التوازن بين العرض والطلب في السوق المصرية".
بدوره، قال مستشار شعبة الذهب والتعدين باتحاد الصناعات المصرية، أمين، إن "النقص الحالي في المعروض من الذهب، يتمثل في السبائك والعملات، وعلى النقيض من ذلك فإن هناك وفرة في المشغولات الذهبية التي تباع بأسعار أقل من الخارج".
ويتوقع النحاس أن "يكون الارتفاع في الأسعار بالمستقبل مدفوعا بانخفاض الفائدة الحقيقية للأوعية الادخارية في مصر، في ظل مستويات التضخم المرتفعة وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين".
وقال خلال حديثه "الفائدة الحقيقية تحسب بطرح الفائدة التي يحصل عليها المودعون نظير أموالهم لدى البنوك من معدل التضخم السائد حاليا، البالغ 24.4%. لذا فإن تراجع الفائدة الحقيقية قد يدفع نحو زيادة الإقبال على الذهب بالمقارنة مع الأوعية الادخارية الأخرى".
وأضاف: "من المهم أن ينوع الأفراد في استثماراتهم خلال الفترة المقبلة في ظل هذا التضخم، الذي يؤثر بشكل كبير على قدراتهم الشرائية، وقد يتجه العديد منهم نحو الذهب فقط باعتباره على الأقل يحافظ على قيمة مدخراتهم، لكن هناك استثمارات أخرى مدرة للعائد في مقدمتها العقارات".