انطلقت في جنيف، اليوم الأربعاء، المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة، لإيقاف الحرب في السودان، بمشاركة عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، في وقت تصاعدت فيه التحذيرات من خطر المجاعة الذي يهدد ملايين السودانيين.
وأشار المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، إلى أن الجلسة الافتتاحية جاءت بمشاركة الشركاء الدوليين والفنيين الذين يمثلون سويسرا والسعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
وقال بيرييلو في منشور على منصة (إكس)، الأربعاء، "نحن نركز على ضمان امتثال الأطراف لالتزاماتها في منبر جدة وتنفيذها. يجب على الأطراف المتحاربة احترام القانون الإنساني الدولي، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية. لقد حان الوقت لإسكات البنادق".
وأعلنت قوات الدعم السريع مشاركتها في المحادثات، بينما امتنع الجيش عن المشاركة، معلنا تمسكه بتنفيذ الاتفاق الموقع بين الطرفين في منبر جدة.
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في المدينة السعودية، برعاية الرياض وواشنطن، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".
ويتبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ الاتفاق.
والتقى وفد أميركي بقيادة بيرييلو، الأسبوع الماضي، ممثلين للحكومة السودانية في السعودية، بقيادة وزير المعادن السوداني، محمد بشير أبو نمو، حيث ناقش الطرفان مطالب الجيش بخصوص محادثات سويسرا.
وبعد انتهاء اللقاء، أعلن رئيس الوفد السوداني أن الاجتماع لم يصل إلى شيء، مشيرا إلى أنه أوصى قادة الجيش والحكومة السودانية بعدم المشاركة في محادثات سويسرا.
والسبت، أكد وزير الإعلام السوداني، جراهام عبد القادر، في بيان، أن الجانب الأميركي يصر على مشاركة الإمارات في محادثات جدة، وهو ما يرفضه الجانب السوداني، مشيرا إلى أن الوفد الأميركي لم يقدم ما يبرر إنشاء منبر جديد، بخلاف منبر جدة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن محادثات جنيف "لن يُكتب لها النجاح لغياب طرف أصيل ومؤثر عنها، هو الحكومة السودانية".
وقال المنصور لموقع الحرة، إن "الولايات المتحدة أصرت على انطلاق المحادثات في ظل غياب الحكومة السودانية، لأنها أرادت المحافظة على شعلة المبادرة متقدة وحية، لأن عدم قيام الجلسات يعني أن المبادرة ماتت وتلاشت".
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "أي مخرجات دون وجود الحكومة السودانية لن يكون لها معنى، حتى إذا كانت بخصوص إيصال المساعدات إلى المتضررين، وليس بخصوص وقف إطلاق النار".
ولفت إلى أن "نجاح المحادثات رهين بوجود الحكومة السودانية، وعلى الولايات المتحدة وشركائها الاستجابة إلى مطالب الجيش، بإبعاد الإمارات التي تشارك بصفة مراقب، وكذلك إلزام قوات الدعم السريع بتنفيذ اتفاق جدة".
وتتهم الحكومة السودانية الإمارات بتقديم السلاح والعتاد الحربي لقوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية.
وأفرزت مقاطعة الجيش لمحادثات سويسرا حالة من الجدل في السودان، إذ أيدت أحزاب سياسية وحركات مسلحة ذلك موقف، بينما انتقدته مكونات سياسية أخرى.
وأشار القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدينة (تقدم)، خالد عمر يوسف، إلى أن فشل محادثات جنيف يعني أن السودان مقبل على مرحلة مدمرة من الحرب، واصفا دوافع الجيش لمقاطعة المحادثات بـ"الواهية".
وقال يوسف في تغريدة على منصة (إكس)، إن هناك 3 أطراف داخل معسكر الجيش تعوق أي محاولة لإنهاء الحرب.
ولفت القيادي في تنسيقية (تقدم)، إلى أن أول تلك الأطراف، المركز الأمني العسكري للحركة الإسلامية "المرجعية الدينية لنظام البشير"، الذي بذل كل جهده لاستمرار الحرب، لبلوغ غاياته لحكم السودان موحداً، إذا انتصر في الحرب، أو تقسيمه، إذا فشل في ذلك.
وأضاف "ثاني تلك الأطراف: الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، التي وجدت في الحرب فرصة سانحة لبناء قوة عسكرية ومالية، مستغلة حالة الفوضى في السودان".
وتابع قائلا "ثالث تلك الأطراف، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي سعى للاستمرار في السلطة، من خلال سماحه بتمدد الدعم السريع ليوازن به المركز الأمني والعسكري للحركة الإسلامية، ولسماحه باستمرار ذلك المركز وعدم تفكيكه، ليوازن به الدعم السريع".
وأشار يوسف، إلى أن "البرهان عقّد المشهد بصورة بالغة، من جراء استخدامه كل هذه التناقضات، ففقد ثقة حلفاءه الداخليين والخارجيين، وزاد من الانقسامات في معسكر الجيش بطريقة جعلته مشلولاً، لا إرادة موحدة له في السلام أو في الحرب".
ويلفت المحلل السياسي السوداني، عثمان المرضي، إلى أن "محادثات جنيف بمثابة آخر فرصة جادة لأنهاء حرب السودان"، مشيرا إلى أن "فشلها سيزيد الحرب اشتعالا، وسيؤدي إلى مزيد من الدمار، وسيعطل عجلة الإنتاج تماما في السودان الموصوف بأنه بلد الموارد المتنوعة، وأرض الفرص الاستثمارية المتعددة".
وقال المرضي لموقع الحرة، إن "الحرب السودانية حازت مؤخرا اهتماما كبيرا من الولايات المتحدة، التي لم تتعامل مع الملف بذات الدرجة من الجدية سابقا، مما يوحي بوجود رابط بين هذه التحركات والانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل".
وأشار إلى أن عدم تعاطي الجيش مع المبادرة الأميركية بالجدية المطلوبة، سيضر بالشعب السوداني، الذي تتربص به مجاعة أكيدة، ويعيش الملايين منه حالات من التشرد والنزوح واللجوء.
وأضاف "إذا فشلت هذه المبادرة، وحلت الانتخابات الأميركية، فلن يكون هناك حماس لحكام البيت البيضاوي للتعاطي مع الأزمة السودانية، بذات الحماس الحالي، سواء استمر الديمقراطيون أو عاد الجمهوريون، ولذلك يجب عدم إهدار هذا الزخم وهذا الاهتمام الكبير".
ومن جانبه دعا رئيس حركة تحرير السودان، التي تقاتل إلى جانب الجيش، مني أركو مناوي، قوات الدعم السريع إلى الالتزام بمخرجات اتفاق جدة، مؤكدا أن تنفيذ الاتفاق سيقود تلقائيا لوقف الحرب.
وقال مناوي في منشور على منصة (إكس)، "على وفد ميليشيا الدعم السريع في المحادثات أن يقر بأن رفع المعاناة يجب أن يبدأ بالسودان، وليس في جنيف.
وأضاف "ميليشيا الدعم السريع السبب في كل الانتهاكات، وعليها إيقاف استهداف المؤسسات المدنية، والخروج من منازل المواطنين، والسماح بمرور قوافل الإغاثة، ووقف استهداف المدنيين على أساس عرقي، وإعادة المنهوبات إلى أصحابها".
وتابع "إذا حدث ذلك، ستنتهي الحرب وسيكتمل السلام تلقائيا، لأن كل تلك الانتهاكات يمارسها طرف واحد، هو الدعم السريع".
وفي موازاة ذلك، استمرت العمليات العسكرية في عدد من المحاور القتالية، خاصة مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المدينة الرئيسية الوحيدة في الإقليم التي تقع تحت سيطرة الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه.
وتسعى قوات الدعم السريع للاستيلاء على الفاشر، لتبسط سيطرتها على معظم عواصم ولايات إقليم دارفور الشاسع.
وبثت منصات إعلامية تابعة قوات الدعم السريع، مقاطع فيديو لمواجهات جرت الأربعاء في الفاشر.
وتزامن انطلاق محادثات جنيف مع العيد السبعين لتأسيس الجيش السوداني.
وقال البرهان في خطاب بهذه المناسبة، "لا سلام والميليشيا المتمردة تحتل بيوتنا ومدننا وقرانا، وتمارس قطع الطرق في أجزاء مقدرة من بلادنا".
وأكد أن طريق السلام ووقف الحرب "واضح وهو تطبيق ما اتفقنا عليه في جدة"، مشددا على أنه "لا وقف للعمليات العسكرية دون انسحاب وخروج آخر ميليشي من المدن والقرى التي استباحوها واستعمروا أهلها".
ويرى المنصور أن الفرصة لا تزال قائمة في التحاق الحكومة بمحادثات جنيف، "إذا وافقت الولايات المتحدة على أن شروط الجيش، بما في ذلك أن تكون المشاركة باسم الحكومة السودانية، وليس الجيش كما تطلب واشنطن".
لكن المرضي استبعد مشاركة الجيش، أو الحكومة في المحادثات، "لأن القرار ليس بيد قادة الجيش، وإنما بيد قادة نظام البشير، الذين يراهنون على استمرار الحرب للعودة إلى السلطة".
وأضاف "يعلم قادة نظام البشير، أن أي عملية سياسية ستعقب إيقاف الحرب، لن تسمح بمشاركتهم بالفترة الانتقالية، لأن الشعب أصدر قراره من خلال ثورة شعبية قضت برفضهم وإسقاط نظامهم".
ويشهد السودان أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض. إذ يعاني أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة من الجوع، بينما أُجبر واحد من كل أربعة على ترك منزله.
وتتباين الإحصائيات الخاصة بعدد ضحايا الحرب، إذ تشير تقديرات نقابة أطباء السودان، في مايو الماضي، إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص، وإصابة أكثر من 70 ألفا، متوقعة أن يكون الرقم الحقيقي للضحايا أكبر بكثير.
وفي 25 يونيو، أصدرت لجنة الإنقاذ الدولية تقريرا عن الأوضاع في السودان، مشيرة إلى أن "تقديرات ضحايا الحرب تصل إلى 150 ألف شخص".
وأشارت اللجنة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في نيويورك، إلى أن 25 مليون شخص من سكان السودان البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، من أن السودان وصل إلى "نقطة انهيار كارثية"، مع توقع تسجيل عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن تفاديها من جراء الأزمات المتعددة.