21 نوفمبر 2024
3 أكتوبر 2024
يمن فريدم-رويترز


في ليلة ربيعية دافئة بأثينا وقبل منتصف الليل بقليل، لاحظ مسؤول تنفيذي كبير في شركة شحن يونانية وصول رسالة بريد إلكتروني مريبة لصندوق الوارد الخاص به.

وحذرت الرسالة، التي أرسلت أيضاً إلى المدير عبر البريد الإلكتروني للشركة، من أن إحدى سفن الشحن التابعة للشركة، التي تمر عبر البحر الأحمر أضحت عرضة لخطر هجوم من جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران.

في قائمة الحظر

وجاء في الرسالة المكتوبة باللغة الإنجليزية، التي اطلعت عليها "رويترز"، أن السفينة التي تديرها الشركة اليونانية انتهكت حظر مرور يفرضه الحوثيون بالرسو في ميناء إسرائيلي، وأن "القوات المسلحة اليمنية سوف تستهدفها بصورة مباشرة في أية منطقة تحددها".

وجاء أيضاً في الرسالة التي وقّعها مركز تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن، وهو مركز جرى إنشاؤه في فبراير (شباط) الماضي للتنسيق بين الحوثيين والجهات المشغلة للسفن التجارية، "أنتم تتحملون المسؤولية والعواقب المترتبة على إدراج السفينة في قائمة الحظر".

وشن الحوثيون نحو 100 هجوم على سفن تعبر البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تضامناً مع الفلسطينيين في الحرب المستمرة منذ عام في غزة. وتسببت هجماتهم في إغراق سفينتين والاستيلاء على ثالثة ومقتل أربعة بحارة في الأقل.

وحذرت الرسالة التي وردت في نهاية مايو (أيار) الماضي من فرض "عقوبات" على أسطول الشركة كاملاً حال استمرار السفينة في "انتهاك معايير الحظر ودخول موانئ الكيان الإسرائيلي".

وأحجم المسؤول التنفيذي عن كشف هويته وكذلك اسم الشركة لأسباب أمنية.

مع أطيب التحيات

وكانت رسالة التحذير هذه هي الأولى بين أكثر من 12 رسالة تهديد أخرى جرى إرسالها إلى ما لا يقل عن ست شركات شحن يونانية منذ مايو الماضي، وسط تصاعد للتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بحسب ما ذكرته ستة مصادر في قطاع الشحن مطلعة على الرسائل بصورة مباشرة، ومصدران مطلعان بصورة غير مباشرة.

ومنذ العام الماضي، يطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة وقوارب محملة بمتفجرات على السفن التجارية التي لها صلة بكيانات إسرائيلية وأميركية وبريطانية.

وتشير حملة رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد أنباء في شأنها من قبل، إلى أن المسلحين الحوثيين يوسعون شبكتهم ويستهدفون سفناً تجارية يونانية ليست على صلة تُذكر بإسرائيل أو لا تربطها بها أية صلة على الإطلاق.

وفي الأشهر القليلة الماضية، وُجهت التهديدات للمرة الأولى إلى أساطيل بأكملها، مما زاد من الأخطار التي تتعرض لها السفن التي تحاول عبور البحر الأحمر.

وجاء في رسالة بريد إلكتروني منفصلة في يونيو (حزيران) أرسلها موقع إلكتروني حكومي يمني إلى الشركة المذكورة أعلاه بعد أسابيع، وإلى شركة يونانية أخرى رفضت أيضاً كشف اسمها، "خرقت سفنكم قرار القوات المسلحة اليمنية، لذلك سيتم فرض عقوبات على جميع سفن شركتكم، مع أطيب التحيات، البحرية اليمنية".

عبر قناة السويس

ويعاني اليمن، الذي يقع عند مدخل البحر الأحمر، حرباً أهلية منذ أعوام. وفي عام 2014 سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وأطاحوا الحكومة المعترف بها دولياً. وفي يناير (كانون الثاني)، أعادت الولايات المتحدة إدراج الحوثيين على قائمتها للجماعات الإرهابية.

وأحجم مسؤولون حوثيون عن تأكيد إرسالهم رسائل البريد الإلكتروني أو تقديم أي تعقيب إضافي عندما اتصلت بهم "رويترز"، قائلين إن هذه معلومات عسكرية سرية.

ولم تتمكن "رويترز" من تحديد ما إذا كانت الرسائل قد أرسلت إلى شركات شحن أجنبية أخرى.

وذكرت بيانات صادرة عن "لويدز ليست إنتليغنس" أن نحو 30 في المئة من هجمات الحوثيين حتى أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي كانت على سفن مملوكة لشركات يونانية، وهي تمثل أحد أكبر الأساطيل في العالم، من دون تحديد ما إذا كانت لهذه السفن صلة بإسرائيل.

وفي أغسطس (آب) الماضي، هاجمت جماعة الحوثي، وهي جزء من تحالف محور "المقاومة" الإيراني للجماعات المسلحة غير النظامية المناهضة لإسرائيل، ناقلة "سونيون" وتركتها مشتعلة لأسابيع قبل أن يتم قطرها إلى منطقة أكثر أماناً.

ودفعت الهجمات عدداً من سفن الشحن إلى اتخاذ مسار أطول بكثير عبر رأس الرجاء الصالح.

وأظهرت بيانات "لويدز ليست إنتليغنس" أن حركة المرور عبر قناة السويس انخفضت من نحو ألفي سفينة شهرياً قبل نوفمبر 2023 إلى نحو 800 سفينة فقط في أغسطس 2024.

وبلغت التوترات في الشرق الأوسط ذروة جديدة أول من أمس الثلاثاء عندما شنت إيران هجوماً على إسرائيل بأكثر من 180 صاروخاً رداً على مقتل بعض قياديي جماعة "حزب الله" في لبنان وعلى رأسهم أمينها العام حسن نصرالله.

مرحلة جديدة

وأفادت وثيقة راجعتها "رويترز" بأن مهمة الاتحاد الأوروبي البحرية في البحر الأحمر (أسبيدس) أكدت، خلال اجتماع مغلق مع شركات شحن في أوائل سبتمبر الماضي، تطور تكتيكات الحوثيين. وساعدت "أسبيدس" أكثر من 200 سفينة على الإبحار بأمان عبر البحر الأحمر.

وقالت في الوثيقة التي شاركتها مع شركات الشحن، إن قرار الحوثيين إرسال تحذيرات إلى أساطيل بأكملها يمثل بداية "المرحلة الرابعة" من حملتهم العسكرية في البحر الأحمر.

وحثت "أسبيدس" أيضاً ملاك السفن على إغلاق أجهزة نظام تحديد الهوية الآلي، التي تظهر موقع السفينة وتقدم مساعدة ملاحية للسفن القريبة، قائلة إن عليهم إغلاقها أو التعرض للنيران.

وذكرت أن نسبة دقة هجمات الحوثيين الصاروخية بلغت 75 في المئة حينما استهدفوا سفناً تشغل نظام تحديد الهوية الآلي. وورد في الإفادة نفسها أن 96 في المئة من الهجمات لم تصب أهدافها حينما كان نظام تحديد الهوية الآلي مغلقاً.

وبدأت حملة الرسائل الإلكترونية من الحوثيين في فبراير الماضي بتوجيه رسائل إلى ملاك السفن وشركات الشحن ونقابة البحارة الرئيسة من مركز تنسيق العمليات الإنسانية التابع للحوثيين.

وحذرت هذه الرسائل الإلكترونية، التي اطّلعت "رويترز" على اثنتين منها، قطاع الشحن من فرض الحوثيين حظراً على سفن بعينها من عبور البحر الأحمر، إلا أنها لم تحذر الشركات بصورة صريحة من هجوم وشيك.

واحتوت الرسائل المرسلة بعد مايو الماضي على تهديدات أكبر.

وقال مصدران مطلعان لـ"رويترز" إن شركتي شحن في الأقل تشغلهما اليونان تسلمتا تهديدات عبر البريد الإلكتروني وقررتا إنهاء المرور عبر البحر الأحمر، وطلب المصدران عدم تحديد هوية الشركتين لدواعٍ أمنية.

وأفاد مسؤول تنفيذي في شركة شحن ثالثة تلقت رسالة أيضاً أنهم قرروا إنهاء الأعمال مع إسرائيل لتتمكن سفنهم من مواصلة العبور من البحر الأحمر.

حياة البحارة

وقال الأمين العام للاتحاد الدولي لعمال النقل ستيفن كوتون، "إذا لم يتسن ضمان العبور الآمن للبحر الأحمر، فإن على الشركات التحرك، حتى وإن كان ذلك يعني تأجيل مواعيد التسليم. تعتمد حياة البحارة على ذلك". والاتحاد هو النقابة الرئيسة للبحارة التي تلقت رسالة بالبريد الإلكتروني من مركز تنسيق العمليات الإنسانية.

وقالت المصادر لـ"رويترز"، إن حملة البريد الإلكتروني تزيد القلق بين شركات الشحن، وإن كلف التأمين التي يتحملها ملاك السفن الغربيون قفزت بالفعل بسبب هجمات الحوثيين، وعلقت بعض شركات التأمين التغطية بصورة كلية.

وأوقفت شركة "كونبالك" لتشغيل السفن ومقرها اليونان عبور رحلات من البحر الأحمر بعدما تعرضت سفينتها "إم في جروتون" للهجوم مرتين في أغسطس الماضي.

وقال الرئيس التنفيذي لـ"كونبالك" ديميتريس دالاكوراس، خلال مؤتمر "كابيتال لينك" للشحن في لندن في الـ10 من سبتمبر الماضي، "لا تمر أية سفينة (من "كونبالك") عبر البحر الأحمر. يتعلق الأمر بصورة رئيسة بسلامة الطواقم. بمجرد تعرض الطاقم للخطر تتوقف جميع المحادثات".

وأوضح توربين كولن المدير الإداري لمجموعة شحن الحاويات "ليونهارت آند بلومبيرغ"، ومقرها ألمانيا، أن البحر الأحمر وخليج عدن منطقة "محظورة" على أسطولهم.

ولم ترد الشركتان عندما تواصلت "رويترز" معهما للتعليق على ما إذا كانت حملة البريد الإلكتروني من الحوثيين قد استهدفتهما.

وتواصل بعض الشركات عبور البحر الأحمر بسبب اتفاقات ملزمة طويلة الأجل مع المستأجرين أو بسبب احتياجها إلى نقل البضائع في تلك المنطقة بالتحديد.

ولا يزال البحر الأحمر أسرع طريق لنقل البضائع إلى المستهلكين في أوروبا وآسيا.

ولم يوقف الحوثيون حركة السفن كلياً، وتستطيع غالبية السفن المملوكة لصينيين وروس الإبحار بلا عوائق وبكلف تأمين أقل. ولا يعد الحوثيون السفن المملوكة لصينيين وروس ذات صلة بإسرائيل.

وورد في تسجيل صوتي لرسالة بثها الحوثيون لسفن في البحر الأحمر في سبتمبر الماضي، وجرت مشاركتها مع "رويترز"، "نؤكد للسفن التابعة لشركات لا صلة لها بإسرائيل أنها آمنة ولها حرية التحرك وإبقاء أجهزة نظام تحديد الهوية الآلي مفتوحاً طوال الوقت".

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI