رغم النكسات التي تعرض لها ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، لا سيما بعد خسارة إيران نفوذها في سوريا مع سقوط نظام بشار الأسد، وتلقي "حزب الله" اللبناني ضربات قاسية وقبوله بوقف إطلاق نار لا يشمل غزة، تتمسك جماعة الحوثي اليمنية بمواصلة هجماتها ضد إسرائيل، ما يعرضها للقصف الأمريكي والإسرائيلي.
و"تضامنا مع غزة" بمواجهة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أدت حتى اليوم إلى مقتل وإصابة أكثر من 152 ألف فلسطيني، باشرت جماعة الحوثي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، استهداف سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بصواريخ ومسيّرات.
كما تشن "الحوثي" ما بين الحين والآخر هجمات بصواريخ ومسيّرات على إسرائيل، بعضها استهدف تل أبيب، وتشترط لوقف هجماتها إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
وكان آخر هذه العمليات، مساء الاثنين، حيث أعلنت الجماعة مهاجمة هدف عسكري في منطقة يافا وسط إسرائيل بصاروخ باليستي فرط صوتي من طراز "فلسطين 2".
وتزامنا مع الهجوم، أعلن الإسعاف الإسرائيلي إصابة 5 أشخاص أثناء هرعهم إلى الملاجئ في تل أبيب ومناطق أخرى وسط البلاد، جراء إطلاق الصاروخ من اليمن.
ورغم موافقة حزب الله اللبناني على وقف إطلاق النار مع إسرائيل دون أن يشمل الاتفاق غزة كما كان يُكرر سابقا، تسعى الجماعة اليمنية من خلال تمسكها بمواجهة إسرائيل، بحسب خبيرين تحدثا للأناضول، إلى توجيه رسالة تؤكد عبرها صلابتها وقدرتها على الصمود رغم تراجع حلفائها الإقليميين.
خاصة أن توقف هذه الهجمات قد يُفسَّر على أنه "علامة ضعف"، ما قد يُشجع خصوم الحوثيين على التحرك ضدهم داخليًا.
رسالتان من الحوثي
ومفسرا لهذا الموقف، قال الخبير السياسي اليمني أحمد ناجي، وهو باحث أول بـ"مجموعة الأزمات الدولية"، للأناضول، إن الجماعة تهدف إلى توجيه رسالتين أساسيتين.
الرسالة الأولى، بحسب ناجي، هي أن الإبادة الإسرائيلية في غزة ما تزال قائمة، والحوثيون يعتبرون أن التزامهم بدعم القطاع واجب لا يمكن التراجع عنه، مهما كانت التكلفة.
أما الرسالة الثانية للحوثيين، فهي تأكيد صلابتهم وقوتهم رغم كل الضربات التي تعرضوا لها، والنكسات التي تعرض لها حلفاؤهم إيران و"حزب الله".
وأضاف الباحث أن لسان حال الحوثيين حاليا مع تواصل عملياتهم العسكرية "لن نتراجع خطوة للخلف، فنحن نشهد نوعا من المرونة، وتراجعنا غير وارد إطلاقا، وما زلنا مستمرين ومحتفظين بنفس القوة والقدرة، وأن ما حصل لإيران وحزب الله لا يشملنا، فنحن دائما استثناء".
ولفت إلى أن هذا الموقف الحوثي لا يقتصر فقط على عملياتهم العسكرية، بل ينعكس أيضًا على خطابهم الداخلي، حيث تسعى قنواتهم الإعلامية إلى إظهار أن الجماعة مختلفة كليًا عن النظام السوري، سواء من حيث التماسك أو القدرات العسكرية.
مواجهة الخصوم بالداخل
ومتفقا مع سابقه، يرى المحلل السياسي اليمني عبد السلام قائد أن استمرار هجمات الحوثيين على إسرائيل في هذا التوقيت محاولة لإثبات أنهم ما زالوا قوة صلبة، غير مبالين بالضربات التي أضعفت حلفاءهم فيما يُعرف بـ"محور المقاومة".
وفي حديثه للأناضول، أشار قائد إلى أن الحوثيين يسعون من خلال هذه الهجمات إلى مواجهة دعوات القضاء عليهم داخليًا واستعادة الدولة في مناطق سيطرتهم، قائلًا: "إن استمرار العمليات يُظهر قوتهم ويرفع معنويات مقاتليهم، لأن توقفها قد يعكس حالة ضعف أو مخاوف من مصير مشابه لما واجهه نظام بشار الأسد، ما قد يشجع خصومهم على مهاجمتهم".
وأوضح أن الحوثيين يشعرون بالاطمئنان لعدم فعالية الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، بينما تتحرك قياداتهم باستمرار لتفادي الاستهداف، ما يقلل أي خسائر خطيرة قد تلحق بهم حاليا سواء في داخل اليمن أو البحر الأحمر.
وأضاف قائد أن "الحوثيين، بخبرتهم الطويلة، اعتادوا تقليل آثار الضربات الجوية"، مشيرا إلى أن "الخطر الحقيقي لهم يتمثل في معركة برية تنطلق من الداخل اليمني، لا ضربات من الخارج".
وخلص إلى أن الجماعة تحاول من خلال استمرار هجماتها على إسرائيل والسفن المرتبطة بها تصوير أي حرب ضدها من الداخل بأنها "تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي"، بهدف حشد مزيد من المقاتلين تحت ذريعة أنهم يواجهون أذرع إسرائيل، وبالتالي تحويل المعركة من سياقها المحلي إلى سياق آخر، بما يساهم في شيطنة خصومهم الداخليين.
ومساء الاثنين الماضي، قالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن إسرائيل تستعد لشن هجوم على جماعة الحوثي جراء استمرار إطلاقها الصواريخ والطائرات المسيرة.
وأكدت أن "هناك إجماعا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بضرورة مهاجمة اليمنيين بعد سلسلة من الهجمات، حيث أطلق الحوثيون الأسبوع الماضي 6 طائرات مسيرة وصاروخين باليستيين تجاه إسرائيل".
ومنذ بداية الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة هاجمت إسرائيل اليمن مرتين، الأولى في يوليو/ تموز الماضي، وأطلقت عليها إسرائيل اسم "اليد الطويلة"، حيث قصفت ميناء الحديدة غربي البلاد، بالإضافة إلى منشآت الوقود في محطة توليد الكهرباء بالمدينة.
بينما كان الهجوم الثاني في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث استهدفت إسرائيل عدة أهداف للجماعة اليمنية في الحديدة.