25 يونيو 2024
3 نوفمبر 2022

 

لم تكن تعرف سارة أن ثمة من يتربص بحياتها الشخصية المستقرة ليحولها إلى جحيم بفعل نوايا أقل ما توصف بالخبيثة للنيل منها، وجعلها ضحية جديدة في بلد اتسعت فيه ثقافة العيب والعادات والتقاليد الأكثر قسوة على المرأة اليمنية، وتقلصت فيه روح التضامن والمساندة والدعم في وجوه الذئاب البشرية.

 

ظاهرة الابتزاز في اليمن، واحدة من أسوأ الظواهر والأساليب التي أصبحت تقض حياة النساء بكل الفئات العمرية، بل وتكاد تدفع المرأة اليمنية حياتها ثمنا لذلك، فهي تواجه مثلث خطير يعرف بـ (المبتز- الدولة ـ عادات المجتمع) ثلاثي يتهدد حياة المرأة في كل زمان ومكان.

 

في مدينة تعز جنوبي اليمن، تعيش الناشطة المجتمعية سارة علوان في العقد الثاني من العمر، كثير من التفاصيل في حياتها المفعمة بالإيجابية لها ولكل من حولها، رغم سنوات الحرب التي شاخت بأرواح الناس في المدينة المنكوبة، استطاعت أن تقدم ما يمكن تقديمه.

 

قدمت سارة أشياء كثيرة لهذه المدينة وأطفالها الذين هم بأمس الحاجة لمن يخفف عنهم وطأة الحرب الحاجة ويمنحهم الأمان، إلا أنها عوقبت بشيء لا يمكن تخيله، نعم تعرضت لفعل مشين يمكن أن نتعرض له جميعا من ضعاف النفوس في أي لحظة طالما القانون غائب عن حماية حقوق الناس ومصالحهم وأمنهم واستقرارهم.

 

تعرضت سارة علوان للابتزاز من قبل عصابة تجردت من كل معاني الإنسانية والأخلاق والضمير قبل أشهر من قبل جيران كانت تسكن أسرتها بجوارهم، تمكنوا من سرقة صورها الخاصة، وبدأوا مسلسل من السقوط والابتزاز الرخيص.

 

واجهت سارة ومعها أسرتها الوحوش الذين حاولوا طيلة أشهر نهش جسدها وروحها بتلك الطريقة الدنيئة، عاشت فصول من الجحيم، وتحملت الكثير من أجل أن توقف أولئك الذين ظهروا فجأة في حياتها ليعكروا ما كانت تحلم به وسط الاكوام التي تركتها الحرب في المدينة المنهكة.

 

استغاثت سارة بجهات رسمية أملا بإنصافها، لكنها واجهت تخاذل طيلة تلك الأشهر، وشعرت بعجز كبير، وقررت أن تضع حد لتلك المعاناة التي شغلت حيزا كبيرا من حياتها، أشهر وجهات الاختصاص تركت المبتز يمارس حياته الطبيعية، بينما الضحية لا تعيش حياتها كباقي النساء، في أمن وأمان وبعيدا عن أي ضغوط نفسية ومجتمعية، لا يمكن تخيل أن ترى كل ذلك من جهات رسمية لم تقم بعلمها لحماية الناس من هكذا أعمال وجرائم وانتهاك لحقوق الناس.

 

بعد أن استنفدت سارة كل وسائل الدفاع عن نفسها اتخذت قرار الانتحار وهو القرار الأصعب والأقسى، ذلك القرار أرعبنا وحشرنا جميعا في الزاوية، ووضعنا أمام مسؤولية كبيرة كي نصحو من غفلتنا وتخاذلنا تجاه ما تتعرض له النساء اليمنيات من عديمي الأخلاق.

 

الرصاصة التي أطلقتها سارة علوان على جسدها، هي رصاص المبتز، لكنها كانت قوية وصمدت حتى نجت، لتمنحنا فرصة أخرى لعل وعسى أن نشعل فتيل ثورة مجتمعية وقيمية وأخلاقية، ونعيد التفكير في فداحة ما تتركه جرائم الابتزاز بحق النساء.

 

لا تتحمل سارة أو عشرات النساء اليمنيات اللاتي تعرضن للابتزاز المسؤولية، بل جميعنا نتحمل المسؤولية، لأننا نتعامل في هذه القضايا بمنطق (العيب والحرام والفضيحة)، هذا منطقنا للأسف الشديد، منطق ان تدفع المرأة خطأ ارتكبته بقصد أو بدون قصد أو دون علمها لتدفع حياتها ثمن لذلك، وهو خطأ يمكن إصلاحه، ونحن المعنيين بمعالجته.

 

نعيش أزمة أخلاقية ونحن نترك المساحة والفرصة لأولئك المبتزين ممارسة أساليبهم القذرة دون ردعهم اجتماعيا قبل أي ردع قانوني وقضائي، فالمجتمعات والدول تجاوزت كثير من العقد المتعلقة بالمرأة والنظر لها كجسد يسهل اصطياده، وتتغير أنظمة وقوانين وعقول، وواجهت كل الجرائم التي تستهدف النساء سواء ابتزاز او استغلال أو غيره، إلا أننا في اليمن ما زلنا داخل دائرة مغلقة بالعادات والتقاليد أصبحت تشكل عبئا كبيرا على المجتمع ككل.

 

ومع كل مرحلة تتطور التشريعات الضامن الوحيد لحماية الحقوق والحريات، وفي اليمن حتى الآن لا يوجد قانون خاص بمكافحة " الجرائم الإلكترونية" على غرار منطقة الخليج وكثير من الدول، الظاهرة تتسع وتنتشر والمشرّعين والمسؤولين في حالة استرخاء وغفلة.

 

في قانون العقوبات اليمني تنص المادة (254) على أن " يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة كل من هدد غيره باي وسيلة بارتكاب جريمة او بعمل ضار او بعمل يقع عليه او على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعا لدى من وقع عليه".

 

هذا النص القانوني بتقدير شخصي لا يكفي ولم يحدد نوع قضايا الابتزاز، خاصة مع بروز جرائم الابتزاز الإلكتروني، ويحتاج لتحديث وتطوير فيما يتعلق بالتسمية ونوع العقوبات، والحق العام والخاص، وهناك متخصصون في هذا الجانب وحدهم من يدركون ويفقهون في القوانين والتشريعات.

 

مئات الحالات من قضايا الابتزاز تواجه بصلف في المجتمع لمعاقبة الضحية، وتواجه مرتين في أجهزة القضاء، ونحن لم نحرك ساكن كمجتمع وكدولة وقوانين وتشريعات، وهذا السكوت والتخاذل بكل تأكيد سيشجع الكثير على ممارسته بكل أشكاله وصوره، وإذا لم نكن سند لكل النساء وسط هذه الأساليب فمن سيكون لها في ظل غياب القانون المتراخي مع هذا النوع من القضايا التي لا تقل أهمية عن الإرهاب والمخدرات، جميعها تستهدف المجتمع والصالح العام.

 

تأكدوا إذا مرت قضية سارة علوان دون ردع للمبتزين ويكونوا عبرة للآخرين، فإن عداد الضحايا سيستمر ولن يتوقف، مالم نوقفه نحن بضغط شعبي يفضي إلى سن قانون خاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية لإنزال أقسى العقوبات ضد كل من يمارس الابتزاز بحق النساء، والخطوة الثانية تحول المجتمع من مرحلة التخاذل إلى مرحلة رفع الصوت ومواجهة المبتزين بكل الطرق والوسائل.

 

نعتذر لسارة ولكل النساء اللواتي تعرضن للابتزاز ولم نساندهن.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI