بوتيرة عالية ومتسارعة يجري العمل والتنسيق بين واشنطن وتل أبيب هذه الأيام لتنفيذ الهدف الأخير للحرب على إيران، الذي بدأ البحث فيه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بمشاركة وزيري الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، والشؤون الإستراتيجية رون ديرمز، بصفقة متكاملة تنهي الحرب في غزة وتضم سوريا إلى اتفاقات أبراهام، وما بينهما بدء خطوات لإنهاء ملف لبنان، فيما الضفة الغربية ستكون الهدية التي تحصل عليها إسرائيل باعتراف أمريكي بضم بعض مناطق فيها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
أما إقامة الدولة الفلسطينية فجاءت، بحسب تقرير إسرائيلي، هامشية، إذ "ستُعرب إسرائيل عن استعدادها لحل مستقبلي للصراع مع الفلسطينيين في إطار فكرة حل الدولتين، مشروط بإصلاحات في السلطة الفلسطينية، في المقابل ستعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيلية مُحددة في الضفة الغربية".
وبأمل تحقيق "الصفقة الكبرى" تُبذل كل الجهود لإنقاذ نتنياهو من محاكمته وإنهاء حياته السياسية بعيداً من السجن الذي توقعه له الإسرائيليون، وهو الكابوس الذي يلاحقه منذ أعوام ودفعه لإطالة أمد الحروب التي يخوضها.
خلال أسبوعين من المتوقع أن يزور نتنياهو واشنطن لتتوج من هناك الاتصالات الحالية في شأن الخطوات الدراماتيكية المقبلة في الشرق الأوسط، وكما قال نتنياهو في فيديو مقتضب للجمهور بعد التفاؤل الذي أبداه المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف بتوسيع اتفاقات أبراهام "لقد حاربنا بشجاعة ضد إيران، وحققنا انتصاراً كبيراً ومهماً في المعركة سيفتح فرصة لتوسيع دراماتيكي لاتفاقات السلام، نحن نعمل على ذلك بنشاط كبير إلى جانب تحرير مختطفينا وهزيمة (حماس)، هناك نافذة فرصة إستراتيجية لدفع اتفاقات سلام إضافية لا يجوز تفويتها، علينا عدم تضييع ولا يوم واحد".
البداية من غزة
وفق التقارير الإسرائيلية، ونقلاً عن مصادر سياسية وأمنية مطلعة على سير المحادثات، لم يعارض نتنياهو مقترح إنهاء حرب غزة في غضون أسبوعين، على أن تشمل الصفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وبموجب المقترح تدخل أربع دول عربية على خط الحل في إدارة غزة، بين هذه الدول مصر والإمارات، من خلال إدارة شؤون غزة بدلاً من "حماس" التي ستبعد قيادتها عن القطاع، وفق الإسرائيليين.
توقع سياسيون ومطلعون على تطورات الموضوع، أن خطوة كهذه لن تمر بسهولة في الائتلاف الحالي، فوزير المالية بتسلئيل سموترتش علّق على إمكانية توسيع اتفاقات أبراهام، قائلاً إنه "أمر رائع، لكنه مغلف لامع لتهديد وجودي في شكل تقسيم للبلاد، وتسليم أراضٍ للعدو، وإقامة دولة إرهاب فلسطينية، لا نريد، شكراً".
انضم إليه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير حين قال "يصعب عليّ التصديق أن رئيس الحكومة يكرر أخطاء الماضي ويدخل في مفاوضات تؤدي إلى إقامة دولة إرهاب فلسطينية أو إلى تنازلات خطرة، شعب إسرائيل يريد النصر وليس محاولات أخرى لمصالحة الإرهاب تحت غطاء السلام".
يقول المحلل السياسي إيتمار آيخنر، إن "من غير المستبعد أن نرى ترمب يحاول أن يربط المعارضة في إسرائيل أيضاً بالخطوة الإقليمية، وهناك إمكانية لأن تدعى شخصيات مثل نفتالي بينيت ويئير لبيد وبيني غانتس، في مرحلة لاحقة إلى البيت الأبيض لبناء شبكة أمان سياسية لنتنياهو في حال غادر سموترتش وبن غفير الحكومة".
سوريا المفتاح
يعتبر الإسرائيليون أن سوريا ستكون الدولة الأولى التي تنضم إلى اتفاقات أبراهام، بل كُشف عن أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، يشرف شخصياً على المحادثات المباشرة مع حكومة أحمد الشرع للتقدم في هذا الملف، وتسرب من حديث هنغبي في لجنة الخارجية والأمن بالكنيست أن طموحاته أبعد من سوريا، إذ قال إن توقعاته بأن السلام مع سوريا مجرد وقت، فيما توقيعه مع لبنان أيضاً وارد في الحسبان.
حديث هنغبي حول لبنان استبعده إسرائيليون باعتباره ملفاً شائكاً، فـ"حزب الله" لا يزال يحظى بمكانة سياسية إلى جانب استمرار تعزيز قدراته العسكرية، أما في شأن سوريا فبرأيهم أن للدولتين مصلحة مشتركة بعدم السماح لإيران و"حزب الله" أن يحققا مرة أخرى سيطرة في سوريا.
وزير الأمن يسرائيل كاتس، رد في مقابلة له مع قناة "كان" على سؤال حول السلام مع سوريا بالقول "يمكننا بدء محادثات سلام مع الشرع بما يضمن الحفاظ على أمن إسرائيل، سوريا لم تعد تهديداً إستراتيجياً علينا، إيران هي التهديد حالياً، والدول الأخرى هي تحديات يجب علينا التكيف معها، وتفاؤل ويتكوف في شأن الاتفاقات مع الدول العربية يعكس الرؤية التي وضعناها منذ أكثر من 10 أعوام وتحاول إيران منعها بتحقيق مثل هذا السلام، واليوم الوضع أسهل لأن بعض هذه الدول اقتربت من إسرائيل، وتدرك أننا قوة كبرى، لذلك أنا متفائل بخصوص السلام في المنطقة".
في هذا السياق نُقل عن مصدر أمريكي، أن إسرائيل عرضت خطوطها الحمراء في شأن سوريا، وبينها عدم وجود قوات تركية فيها، أو عودة الوجود الإيراني و"حزب الله"، كما طالبت إسرائيل بنزع السلاح من جنوب سوريا.
وبحسب مسؤول إسرائيلي رفيع، فقد نقل الإسرائيليون إلى المبعوث الأمريكي رسالة مفادها أن إسرائيل ستُبقي قواتها في سوريا حتى يتم نزع سلاح جنوب البلاد، وأضاف أن إسرائيل تريد إضافة قوات أمريكية إلى قوات الأمم المتحدة المنتشرة على الحدود الشمالية، وفي المقابل قدر المسؤول الإسرائيلي أن الحكومة السورية ستثير موضوع هضبة الجولان خلال المفاوضات، لكنها ستكون أكثر مرونة مما كان عليه نظام الأسد.
محاكمة نتنياهو
في هذه الأثناء تشهد الساحة الإسرائيلية حركة نشطة من قبل حزب الليكود الحاكم لإلغاء محاكمة نتنياهو عبر منحه العفو، كما باشروا بإعداد مشروع قانون لعرضه على الكنيست وبموجبه يمكن إلغاء المحاكمة، أما نتنياهو فقد استعجل بتقديم طلب للمحكمة بتأجيل محاكمته خلال الأسبوعين المقبلين تحت ذريعة انشغاله بـ"تطورات إقليمية ودولية وأمنية بالغة الأهمية".
وجاء في الطلب المقدم للمحكمة أنه "في أعقاب الحرب على إيران وحدوث تطورات إقليمية ودولية إضافية، مطلوب من رئيس الحكومة تخصيص كامل وقته وطاقته لمعالجة قضايا سياسية وقومية وأمنية من الدرجة الأولى، من ضمنها إدارة الحرب على غزة ومعالجة ملف الأسرى".
وأضاف في الطلب "في ظل هذه الظروف الاستثنائية، يُطلب من المحكمة المحترمة إلغاء الجلسات التي كان من المقرر أن يدلي خلالها رئيس الحكومة بشهادته خلال الأسبوعين المقبلين بعد الحرب على إيران"، وقد رفضت المحكمة الإسرائيلية طلبه.
يقول آيخنر إنه "لا يمكن استبعاد إمكانية أن يكون البوست الدراماتيكي لترمب الذي دعا فيه إلى إلغاء محاكمة نتنياهو، جزءاً من الخطوة الكبرى التي في إطارها لا تنقطع الدعوة إلى إلغاء المحاكمة عن السياق، بل تكون كفيلة بأن تعد جزءاً من (صفقة رزمة): ترمب يوفر لنتنياهو تأييداً علنياً ويحتمل أن يكون عملياً أيضاً، بالمقابل من المتوقع من رئيس الحكومة أن يفعل كل ما في وسعه لإنهاء القتال في غزة والتقدم نحو الأهداف الإقليمية، ويحتمل أن تكون هذه هي الخطوة الأولى في سياق أوسع".
رد نتنياهو أيضاً على أقوال ترمب يحتمل أن يكون مرتبطاً بصفقة كهذه، فقد كتب لدى مشاركته منشور ترمب "شكراً لك أيها الرئيس ترمب على تأييدك لي، وعلى تأييدك العظيم لإسرائيل وللشعب اليهودي"، وأضاف "سنواصل العمل معاً كي نهزم أعداءنا المشتركين، ونحرر مخطوفينا ونوسع بسرعة دائرة السلام".
لا للعفو
أصوات عدة تعالت في إسرائيل ترفض تدخل ترمب في الشؤون الداخلية بكل ما يتعلق بطلبه إلغاء محاكمة نتنياهو، كما دعت الرئيس إسحاق هرتسوغ إلى عدم منح العفو لنتنياهو لما تضمنته لائحة الاتهام من تهم جنائية خطرة.
صحيفة "هآرتس" خصصت كلمة الجمعة الماضي لهذا الموضوع، وطالبت هرتسوغ بعدم الانجرار خلف الضغوط ومنح العفو لرئيس وزراء متهم بالرشاوى وخيانة الأمانة، كما اعتبرت مطلب ترمب خطأ كبيراً، مضيفة "لقد أخطأ ترمب حين قرر التدخل في هذا الموضوع، سواء لأن في ذلك ما يضعف جهاز إنفاذ القانون الإسرائيلي ويعمق الاستقطاب، أو لأن تدخله الفظ يرسم صورة إسرائيل كدولة تابعة للولايات المتحدة".
وأضافت الصحيفة "أما نتنياهو، كعادته، فيستغل لحظة إجماع قومي نسبي بالنسبة إلى المعركة تجاه إيران كي يجني ربحاً شخصياً في شكل إلغاء محاكمته، إن تأييد بعض الوزراء، وبينهم جدعون ساعر، ويوآف كيش، وشلومو درعي، لمطلب الرئيس ترمب يعرّض الحكومة التي خطّت على علَمها مفاهيم مثل السيادة والكرامة الوطنية والحوكمة، لضوء سخيف، لكنه يشير أساساً إلى أن هذه خطوة سياسية مخطط لها وهدفها بالفعل إلغاء محاكمة نتنياهو".