يؤدي منع التلقيح في اليمن إلى تفشي الحصبة بين آلاف الأطفال، وسط تعتيم سلطات الحوثيين على عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن المرض، بذريعة أن اللقاحات مؤامرة.
يعد الحصبة أحد الأمراض التي يمكن الوقاية منها، لكنه ليس كذلك في اليمن، فجماعة أنصار الله "الحوثيين" التي تسيطر على المحافظات الشمالية والغربية التي تضم نحو 75% من عدد سكان البلاد، تمنع تلقيح الأطفال، وتصف اللقاحات بأنها "مؤامرة صهيوأميركية".
ويؤدي منع التلقيح إلى تفشي الحصبة بين آلاف الأطفال، في ظل تعتيم من قبل سلطات الحوثيين على عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن المرض. وليس من السهل تشخيص الحصبة، فخلال الأيام الثلاثة الأولى من الإصابة تظهر على المصاب أعراض تشبه الإنفلونزا تشمل السعال والتهاب الحلق والتهاب الأنف وارتفاع درجة حرارة الجسم، لكن في اليوم الرابع يظهر الطفح الجلدي، والذي يؤكد الإصابة بالحصبة.
بعد ظهور الطفح الجلدي على جسد الطفل علي (أربع سنوات)، نقله والده إلى مركز طبي في ريف العاصمة صنعاء، لكن حالته كانت تستدعي نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة لتلقي الرعاية اللازمة.
يقول الطبيب إبراهيم العامري، والذي تولى تشخيص الحالة، لـ"العربي الجديد"، إن "مرض الحصبة منتشر نتيجة عوامل عدة، أبرزها عدم تلقيح الأطفال، وصعوبة الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية. يصلنا العديد من الإصابات، وبعض الحالات نقوم بعلاجها، بينما الحالات المتقدمة نقوم بتحويلها إلى مستشفيات صنعاء".
ويضيف العامري: "الحصبة من الأمراض الخطيرة، خاصة حين يصل إلى مرحلة متقدمة، إذ يكون الطفل المصاب عرضة للعمى، أو الالتهاب الرئوي، أو التهاب الدماغ، فضلاً عن الإسهال الحاد والجفاف. لذا يجب إسعاف المصاب بمجرد ظهور أعراض المرض عليه، وأبرزها ظهور الطفح الجلدي".
أصيبت الطفلة خولة (خمس سنوات) بمرض الحصبة، وجرى إسعافها إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد تدهور حالتها. يقول والدها لـ"العربي الجديد": "بدأت أعراض المرض على طفلتي بارتفاع درجة حرارتها، وكنت أظن أنها حمى عادية، وقمنا بعلاجها باستخدام الأدوات التقليدية كالكمادات ومخفض الحرارة، لكني فوجئت بظهور بقع بيضاء على جسمها، فسارعت بنقلها إلى المستشفى، وهناك أُخبرت بأنها مصابة بالحصبة، ولا تزال تتلقّى العلاج. أخبرني الطبيب أنه كان بالإمكان تفادي الإصابة لو أنها تلقت التلقيح، لكن اللقاحات ممنوعة، وأنصح الأولياء بتلقيح أطفالهم، حتى لو اضطروا للسفر إلى مناطق أخرى".
وتشهد محافظة ذمار (وسط) انتشاراً كبيراً للمرض، ما جعل منظمة "أطباء بلا حدود" تُنشئ جناح عزل في مستشفى الوحدة التعليمي، يتسع لـ40 سريراً. وأكدت المنظمة في بيان أن فرقها الطبية عالجت أكثر من 800 مصاب بالحصبة من خلال أنشطة مستشفى الوحدة التعليمي والعيادات المتنقلة في محافظة ذمار منذ مطلع إبريل/ نيسان الماضي، وأن "ما يزيد عن 64% من المرضى الذين جرى علاجهم كانوا أطفالاً دون سن الخامسة. الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من تفشي الحصبة في ظل غياب اللقاحات الكافية، وصعوبة الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية".
وقالت رئيسة بعثة "أطباء بلا حدود" في اليمن، ديسما ماينا، إن "ما يشهده اليمن من احتياجات طبية متزايدة يتطلب جهداً مشتركاً من كافة الجهات الفاعلة في القطاع الإنساني لتفادي كارثة صحية محتملة"، داعية جميع الشركاء الدوليين والمحليين إلى مضاعفة الجهود، ومؤكدة استمرار التزام المنظمة بتقديم الرعاية الصحية في اليمن رغم محدودية الإمكانات وتزايد حجم المتطلبات.
بدورها، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه "تم الإبلاغ عن 33 ألف حالة يُشتبه في إصابتها بالحصبة، مع 280 وفاة بسبب المرض خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني 2024 حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه". وبحسب المنظمة، فالحصبة مرض شديد العدوى يسببه فيروس يصيب الجهاز التنفسي، ثم ينتشر في جميع أنحاء الجسم، وينتشر بسهولة عندما يتنفس الشخص المصاب أو يسعل أو يعطس، ويمكن أن يسبب مرضاً شديداً، ومضاعفات، وقد يسبب الوفاة.
ويتزامن تفشي الحصبة مع انهيار القطاع الصحي في اليمن، فالحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات تسببت بتدمير البنية التحتية الصحية، وأوقفت العمل في الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية، وبعضها تعرض للتدمير الكلي أو الجزئي، وتلك التي ما زالت تمارس العمل تفتقد إلى الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية اللازمة لتقديم خدماتها للمرضى، كما أثرت الحرب وتداعياتها على الوضع المعيشي لليمنيين، وباتت أسر كثيرة عاجزة عن إسعاف أبنائها إلى المراكز الصحية نتيجة الكلفة المالية التي تفوق قدرتها.
(العربي الجديد)