لوحت المملكة المتحدة باتخاذ إجراءات تؤدي إلى فرض عقوبات ضد قادة حوثيين على خلفية الانتهاكات التي تمارسها الجماعة ضد النساء اليمنيات، على غرار تلك التي اتخذت ضد أحد قياديي الجماعة.
وقال السفير البريطاني لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، في تصريحات خاصة لـ "الشرق الأوسط"، إن بلاده قادت الجهود في عام 2020 لفرض عقوبات الأمم المتحدة الأولى على سلطان زابن؛ القيادي الحوثي، بسبب العنف الجنسي ضد النساء، وأضاف: "سنواصل ملاحقة الجناة"، مؤكداً أن "القيود المفروضة على النساء في اليمن مثيرة للقلق بشكل خاص".
وفرض مجلس الأمن الدولي مطلع العام الماضي عقوبات على زابن بسبب ممارساته واعتداءاته الجنسية بحق النساء المخطوفات مطلع عام 2018، وبعد نحو شهرين من صدور تلك العقوبات؛ لقي زابن مصرعه في ظروف غامضة، حيث أعلنت الميليشيات وفاته بعد إصابته بفيروس "كورونا"، بينما تحدثت مصادر محلية عن مقتله بغارة من طيران التحالف.
وحذر السفير البريطاني بأن "الإجراءات والممارسات التي تنفذها جماعة الحوثي ستؤذي قدرة المرأة اليمينية على الحفاظ على الوظائف، مما سيلحق الضرر باقتصاد اليمن، ويمنعها من الوصول إلى الرعاية الصحية"، مطالباً بـ "تسليط الضوء على التحركات الاستبدادية المتزايدة للحوثيين؛ خصوصاً (قانون المحرم) و(مدونة قواعد السلوك) الجديدة لموظفي الخدمة المدنية، التي ستؤدي إلى كبح حريات اليمنيين وسحق أي مجال للمعارضة".
وتحدث أوبنهايم عن شخصية المرأة اليمنية بإعجاب؛ إذ وصفها بالقوية والذكية للغاية، وشدد على أن "اليمن في حاجة للنساء للاستفادة من مواهبهن ودعمهن، وكثيراً ما تكون النساء في اليمن معيلات؛ لأنه إذا قُتل أزواجهن في الحرب، فإنهن بحاجة إلى كسب المال، لكنهن أيضاً بحاجة إلى إدارة شؤون المنزل، لذلك يتعرضن لضغوط أكبر".
تعتقد رشا جرهوم، عضو هيئة التشاور والمصالحة اليمنية، أن الجماعة الحوثية "كأي جماعة إرهابية تتشدد وتعتمد سياسات قمعية واضطهادية؛ خصوصاً ضد النساء. لقد وثقنا حالات لاعتقالات تعسفية واختطافات وتعذيب واغتصابات للنساء؛ خصوصاً السياسيات والمدنيات والمنخرطات في الشأن العام؛ لقمعهن. واعتمدت الجماعة إجراءات متشددة ضد حرية تنقل النساء، مما أثر على عملهن وسفرهن".
واستعرض مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبيرغ، ممارسات الميليشيات الحوثية بحق النساء؛ مثل "حرمانهن من حق حرية الحركة، وتأثير ذلك على جميع نساء اليمن في مناطق سيطرة الميليشيات؛ بما في ذلك موظفات الأمم المتحدة"، مستغرباً من تلك الممارسات التي قال إنه "لا يوجد لها مبرر"، وذلك في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن؛ الثلاثاء الماضي.
كما ذكّر بـ "الآثار غير المتناسبة جرَّاء النزاع، والتي ما زالت تعاني منها النّساء في اليمن، والدور المحوري الذي ينبغي أن تؤديه المرأة في جميع جوانب أي عملية سياسية شاملة".
وتتحدث مصادر نسوية يمنية عن إجراءات قمعية سمتها "قانون المحرم" غير المعلن، تتخذها ميليشيات الحوثي، بحق النساء اليمنيات في مناطق سيطرتها، بناء على قرارات غير منشورة يتركز أغلبها حول منع سفر النساء من دون محرم، وتقييد حركتهن.
ووفقاً للمصادر؛ ففي البداية كانت الميليشيات تطلب موافقة ولي الأمر على السفر، قبل أن تصبح الموافقة غير مقبولة، والإصرار على سفر المحرم مع المرأة أو صدور حكم من المحكمة في حال لم يكن لها محرم، مع شهادة من الأحوال المدنية بعدم توفره.
وتتذكر جرهوم خلال حديث مع "الشرق الأوسط" أن الحوثيين "أصدروا في أبريل (نيسان) الماضي تعميماً بمنع سفر النساء من دون إذن ولي الأمر، والذي يجب أن يكون موقعاً ومعتمداً من عاقل الحارة، واليوم يصعدون بمنع سفر النساء تماماً دون وجود محرم، وبهذا يعقدون الإجراءات، ويقيدون النساء؛ خصوصاً من ليس لها محرم، فقد تكون غير متزوجة أو أرملة أو يتيمة... وغيره".
وتشدد عضو هيئة التشاور والمصالحة اليمنية على أن "هذه الانتهاكات جسيمة، وتقع تحت الجرائم الجنسية والجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، المندرجة جرائم في قائمة العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن بشأن اليمن".
يقرأ ناشطون؛ تحدثت معهم "الشرق الأوسط"، أن الميليشيات تعاملت مع مواقف المنظمات والجهات الرافضة لإجراءاتها بنوع من التذاكي؛ إذ لجأت إلى ما زعمت أنه "تخفيف" من الإجراءات الخاصة بسفر النساء برفقة المحارم؛ بعدما طلبت منهن إحضار إذن مكتوب من ولي الأمر أو الزوج، مختوماً بختم مسؤول الحي الذي يعرف بـ "عاقل الحارة".
بعد الحصول على هذا الختم، تكون المرأة ملزمة بتعميد الإذن في أقرب قسم شرطة بالمنطقة، ثم بعد ذلك المصادقة من وزارة الداخلية، وجميعها جهات تخضع لإدارة الميليشيات. ونوهت المصادر بأن من ستقوم باتباع هذه الإجراءات فستتعرض للابتزاز والمضايقة والتحقيق معها حول غرضها من السفر، وربما لن يتم منحها الإذن.
وإلى جانب هذه الإجراءات؛ فإن ما تعرف بـ "مدونة السلوك الوظيفي"؛ التي أصدرتها الميليشيات مؤخراً، تتضمن مواد ونصوصاً يرى كثيرون أنها تسهل للميليشيات تقييد حرية المرأة، حيث تنص على الامتناع عن أي تصرفات، أو ممارسات، أو أعمال غير أخلاقية تتعارض مع الهوية الإيمانية والآداب العامة والسلوك القويم. وهي جميعاً قيم تحددها الميليشيات وفق نهجها ومشروعها.
ويرى عادل شمسان، وهو خبير اقتصادي يمني، أن الإجراءات الحوثية التي أصبحت تعرف بـ "قانون المحرم"، إضافة إلى "مدونة السلوك"؛ "تقود إلى مسار واحد، وهو إلغاء الدستور وكل الحقوق المتفق عليها بمخرجات الحوار الوطني، وتهدف إلى تعزيز التبعية والولاية الصرفة".
يقول شمسان لـ "الشرق الأوسط" إن "المرأة هي الخاسر الأكبر؛ لأن الميليشيات الحوثية تعزز في القانون والمدونة من استعبادها وانتقاصها، واقتصادياً سيكلف ذلك الأسرة أعباء مالية أكبر؛ لأن كثيراً من النساء العاملات لن يتمكن من الانتقال أو الاستطباب في مناطق أخرى"، مضيفا أنها "(مدونة شيطانية) تستعبد المرأة واليمنيين، وتعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ".
"الشرق الأوسط"