21 نوفمبر 2024
3 ديسمبر 2022
يمن فريدم-صفية مهدي

 

 

كانت المرأة اليمنية قد حققت خلال العقود الماضية مكاسب كثيرة سواء على صعيد التعليم أو العمل أو المشاركة في الحياة العامة، لكن ظروف الحرب دفعت للتشدد ضدها وجعلت تلك الحقوق المكتسبة، بما فيها حرية التنقل، في مهب الريح.

 

مع تصاعد وتيرة النزاع في اليمن وما رافقه من أزمة إنسانية منذ سنوات، كانت المفارقة التي خلقتها الحرب هي مشاركة أوسع نسبيا للمرأة في الحياة العامة للمساعدة في إعالة الأسر المتضررة، لكن لمياء البالغة من العمر 31 عاماً، والتي نجحت بتوفير بعض المتطلبات الأساسية لأسرتها، من خلال العمل في أنشطة إنسانية منذ أكثر من ثلاث سنوات، ترى أن الفرص تصبح أصعب، في ظل القيود المتزايدة التي تشترط على النساء ما يسمى بـ "المحرم" في السفر والتنقل بين المحافظات اليمنية والعمليات الميدانية.

 

حصلت لمياء على دعم وتشجيع أسرتها، بما في ذلك والدها الموظف المتقاعد، والتي تقول لـ DW عربية، إن لم يكن ليدخر جهداً في دعم نجاحها، لكنه غير قادر على مرافقتها للمشاركة في أي فعاليات، بسبب تدهور حالته الصحية منذ سنوات، إلى جانب النفقات المضاعفة التي تحد من فرصها في التعليم والعمل. وعندما حصلت على دعوة للمشاركة في فعالية خارج البلاد مؤخراً، علمت أن الأمر لا يتطلب موافقة الأسرة فحسب، بل يتطلب موافقة السلطات المعنية في صنعاء.

 

لا يقتصر تأثير القيود على أولئك اللواتي يرتبط تنقلهن بظروف عمل، فحتى بعض الأسر التي اعتادت على التنقل بين محافظات يمنية مختلفة أو خارج البلاد، كما هو حال أم عمر، خمسينية - أم لخمسة أبناء، غادرت مع زوجها وأبنائها للعيش خارج البلاد أواخر العام 2014. وبعد آخر زيارة عائلية لأقاربها في صنعاء، أبلغت من قبل شركة تأجير السيارات لنقل المسافرين إلى عدن (حيث المطار الدولي) أن حجزها يتطلب مرافقة "محرم"، وفقاً للتعليمات الجهات الأمنية المعنية التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين).

 

ولأن ذلك يتطلب تكاليف إضافية ويضيف تعقيدات لجأ أقاربها كما تقول لـ DW عربية، إلى "اتصالات مع مقربين من قيادات أمنية لنتواصل معهم عندما يتم إيقافنا"، في نقاط التفتيش.

 

قيود متزايدة

 

حسب تقارير حقوقية، تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود المتصلة بتنقل النساء، في صنعاء على الأقل، منذ أكثر من عام، بالتزامن مع قرارات وتعميمات للفصل بين الجنسين في مرافق تعليمية عامة وخاصة. وتصل القيود وفق مصادر حقوقية، إلى مطالبة المرأة الراغبة بالسفر بموافقة خطية من "ولى أمرها" معمدة من عاقل (مأمر) الحارة ومن وزارة الداخلية.

 

بيد أن المشكلة لا تنتهي بوجود "المحرم" أو الرجل المطلوب وصايته على المرأة، إذ يخضع العديد من الأشخاص إلى التدقيق في الهويات للتأكد من صلة القرابة، وهي عملية قد تستغرق ساعات في بعض حواجز التفتيش، يتعرض خلالها بعض من يتم إيقافهم لأسئلة وأحياناً لعبارات جارحة واتهامات.

 

محرم" لمرافقة العاملات في مجال الإغاثة!

 

كانت العاملات في المجال الإغاثي، في مقدمة المتأثرين بالقيود الجديدة، ويقول أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن قيود الحركة كانت النمط السائد من العراقيل المبلغ عنها، خلال الربع الثالث من العام الجاري يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول، إذ سُجلت 307 حالة خلال ذات الفترة، وهو ما عزاه التقرير إلى فرض أنصار الله قيوداً على سفر العاملات في المجال الإغاثي، في داخل وإلى خارج البلاد، إلى جانب الاستمرار بالمطالبة بـ"محرم" لمرافقة اليمنية العاملة في الإغاثة عند السفر في بعثات ميدانية داخل وبين المحافظات، وكذلك خارج اليمن عبر مطار صنعاء الدولي. على أن 6 بالمائة من الحالات كانت في مناطق سيطرة الحكومة (المعترف بها دولياً).

 

"مهانة وحرمان من الحقوق وعودة للمربع الأول"

 

وتقول سمر (اسم مستعار)، حقوقية يمنية ومدربة لـ DW عربية وطلبت عدم الإفصاح عن هويتها إن قرار "منع سفر النساء من صنعاء إلا بمحرم رغم توفر وسائل مواصلات آمنة ومريحه اصابني بالإحباط"، حيث يصعب ذلك على الكثير من النساء اللاتي يتطلب عملهن أو دراستهن السفر، ولا يجدن من محارمهن من يمكنه مرافقتهن لانشغالهم بأعمالهم او لزيادة التكاليف".

 

كما أنه "قرار تعسفي يمنع النساء من التمتع بحقوقهن الدستورية والطبيعية في حرية التنقل، اضافة الى شعور المهانة الذي تولد لديّ عند محاولة فرض هذا القرار، وكأن النساء كائن دوني لا تملك من أمرها شيء أو كأنها شخص ناقص الأهلية".

 

وترى المتحدثة أن القرار "يرجع النساء والمرأة اليمنية الى المربع الأول"، كما يعمل على "إعاقة مسيرتهن النضالية في التقدم والتنمية"، إذ يضع التحديات في طريق حصول النساء على التأهيل والتعليم والتدريب والتمكين اللازم للنهوض اقتصادياً، والحصول على فرص للعمل، الأمر الذي يجعلهن عالة على مجتمعاتهن. وبالتالي "زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي وانتهاك حقوقهن الذي بدوره يؤثر نفسياً على المرأة ويزيد من الأعباء الاجتماعية والصحية للمجتمع".

 

وترى المتحدثة أن القرار "يرجع النساء والمرأة اليمنية الى المربع الأول"، كما يعمل على "إعاقة مسيرتهن النضالية في التقدم والتنمية"، إذ يضع التحديات في طريق حصول النساء على التأهيل والتعليم والتدريب والتمكين اللازم للنهوض اقتصادياً، والحصول على فرص للعمل الذي بدوره يجعلهن عالة على مجتمعاتهن. وبالتالي "زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي وانتهاك حقوقهن الذي بدوره يؤثر نفسياً على المرأة ويزيد من الأعباء الاجتماعية والصحية للمجتمع".

 

وتضيف سمر كما أن طلب موافقة خطية من ولى امر المرأة معمد من عاقل الحارة ووزارة الداخلية "يجعل المرأة في مواقع استغلال وابتزاز مادي من جهات هي المفروض أن تحمي المرأة وتسهل لها الحصول على وثائقها لكن للأسف تراها أنها فرصتها السانحة لاستغلال هذا الموقف وابتزازها مادية".

 

مخالفة للدستور وانتقاص من أهلية المرأة وكرامتها

 

في المقابل، وفي حديث خاص لـ DW عربية، تقول حورية مشهور، وهي ناشطة حقوقية ووزيرة حقوق إنسان سابقة، إن هذه الإجراءات تتعارض "مع أحكام الدستور والقوانين النافذة والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المرأة ومن ضمنها حقها في حرية الحركة والتنقل".

 

وتضيف أن التفسير الديني لهذا الإجراء لا يتوافق مع العصر الحديث؛ حيث أن تنقل المرأة قبل أكثر من 1400 سنة كان يمثل خطورة عليها، ويحتم ربما مرافقة الرجال لها لحمايتها أما "في عالم اليوم ومع توفر وسائل النقل والاتصال الحديثة فلا معنى على الإطلاق لهذه الحجج والمبررات للتضيق على حركة المرأة".

 

وتضيف مشهور "بالتأكيد لقد أثر هذا الإجراء على النساء العاملات في مجال الإغاثة الإنسانية وعلى الناشطات المدنيات للمشاركة في كثير من الأنشطة والفعاليات التي تعقد في أماكن متفرقة، وعلى الخبرات النسوية العالية اللاتي يفترض مشاركتهن في فعاليات إقليمية أو دولية"، كما أن "ذلك يرفع تكاليف المشاركة أو يمنعها من الإساس ان المنظمات المستضيفة لهذه الأنشطة لا يكون لديها الإمكانية أو الرغبة في تغطية سفر تكاليف المرافق". وتخلص إلى "هذا الإجراء ينتقص من أهلية المرأة وفيه مساس بإنسانيتها وكرامتها".

 

حماية لا قيود تعسفية

 

في المقابل، يقول لـ DW عربية، مسؤول الإعلام في وزارة حقوق الإنسان في حكومة أنصار الله (غير معترف بها دوليا)، سند الصنيدي، إن القرار ما يزال قيد الدراسة والمناقشة، وإن "الهدف منه ليس فرض قيود تعسفية على المرأة وإنما حماية لها من الابتزاز والتحرش والمضايقات باعتبارها من اشد الفئات المدنية ضعفا، كما يأتي في سياق الحد من مكافحة جرائم الاتجار بالبشر".

 

ويشدد المسؤول على أن مناقشة هذا القرار جاءت "بعد حوادث وانتهاكات كثيرة تعرضت لها المرأة اليمنية في ظل الحرب والفوضى الدائرة"، كما "حدث هناك تضليل واستغلال لها بدوافع العمل والتأهيل والتدريب من قبل بعض المنظمات والأشخاص والجهات، وفوجئت اسر يمنية بأن بناتهم وقعت في هذا الفخ وخصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة تحالف الحرب على اليمن"، حد وصفه للمناطق التي تقع ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية.

 

وفي واقع الحال، لا ينكر معارضو إجراءات قيود تنقل المرأة، بوجود مخاطر في ظل الظروف غير المستقرة في البلاد والتي تضع تحديات على التنقل بشكل عام حتى للرجال، لكن هذه التحديات هي في الأصل من صميم اهتمام الأسر نفسها، التي تتحقق في الغالب من سلامة إجراءات التنقل وظروف العمل، وبالتالي فإنها مبررات لا تعوض العديد من اليمنيات، كما هو حال لمياء، فرص تنمية مهاراتها المعرفية وقدرتها على خدمة أسرتها والمجتمع بشكل عام.

 

"DW"

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI