25 ديسمبر 2025
24 ديسمبر 2025
يمن فريدم-عزالدين أبو عيشة
طفل فلسطيني أصيب في قصف إسرائيلي على قطاع غزة يتلقى العلاج في مستشفى في خان يونس (أ ف ب)


في أروقة مستشفى الشفاء المزدحمة تتسلل رائحة الخوف، تشمها نجوى بعمق وهي تجلس بصمت ثقيل جوار سرير صغير ينام عليه جسد ابنها عبدالكريم، الطفل النحيل ذو الأعوام الثمانية، بعدما أصابه طلق إسرائيلي بالشلل بدءاً من العنق لأسفل جسده.

تجلس الأم طويلاً تنتظر سماع كلمة "موافقة" من طبيب يخبرها بأنه حُدّد موعد الإجلاء الطبي لابنها، تمر عليها الأيام ثقيلة، تقول وهي تنظر نحو عبدالكريم "لم يعد يتحمل انتظاراً طويلاً، إذا لم نغادر غزة اليوم، غداً لن يكون بيننا".

أيهما أسرع الموت أو الإجلاء الطبي؟

همست والدته بهذه الكلمات، من دون أن تدرك أن الموت يسبق الإجلاء الطبي، بعد يومين فقط رحل عبدالكريم، مصدومة نجوى تقول "قبل بضعة أيام كان عبدالكريم يضحك بصوت هش، الآن، لا صوت سوى صدى النهاية".

كانت الأنباء عن قافلة الإجلاء تعلن عن صلاحية الرحلة، عندما كانت نجوى تتحدث بهذه العبارة، ومن بعيد سمعت الطبيب يذيع اسم ابنها عبدالكريم في قائمة الموافقة.

يقول الطبيب "جاءت الموافقة بعد يومين فقط من موته" يعقد الطبيب يديه ويضيف "هذا ما يحدث هنا، الإجراءات نفسها، لكن من دون توقيت، الموافقة على الإجلاء بعد فوات الأوان تصبح بلا معنى، حين يصل الإذن متأخراً، من يكون القتال الحقيقي... المرض أم الانتظار؟".

1000 ماتوا منتظرين

بسبب تأخر الموافقة على الإجلاء الطبي، لقي أكثر من 1000 مريض وجريح حتفهم وهم ينتظرون بفارغ الصبر قراراً إسرائيلياً يمنحهم الموافقة على السفر من غزة إلى دولة ثالثة لتلقي العلاج.

يقول المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس "1092 مريضاً توفوا وهم ينتظرون الإجلاء الطبي، على الدول فتح أبوابها أمام مرضى غزة وجرحاها، وإلى استئناف عمليات الإجلاء الطبي إلى الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، ثمة أرواح يعتمد بقاؤها على قيد الحياة على ذلك".

ويوضح ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن أن أبرز أسباب تعثر عمليات الإجلاء عدم سماح السلطات الإسرائيلية بفتح الممر الطبي نحو مستشفيات الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وبحسب المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق جاساريفيتش، فإن نحو 18 ألف مريض ما زالوا في حاجة إلى نقلهم إلى خارج القطاع لتلقي العلاج.

المنظومة متكاملة تتحمل المسؤولية

في الواقع، على رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فإن عمليات الإجلاء الطبي الضرورية ما زالت تسير ببطء شديد. إسرائيل ليست لوحدها تحمل المسؤولية عن هذا البطء في الإجلاء الطبي وإنما المنظومة الصحية متكاملة.

قبل الحرب، كان للإخلاء الطبي مسار مفهوم، وإن لم يكن سهلاً، أطباء يتواصلون مع وزارة الصحة، منظمات دولية تتوسط، قوائم تصاريح تصدر أسبوعياً، ومعابر تفتح في أوقات محددة، كان الأمر أشبه بباب ضيق لكنه موجود.

اليوم، اختفى هذا الباب، وتحول المسار إلى متاهة: تصاريح أمنية، وفحوصات طبية يصعب إجراؤها بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الأجهزة، ومعابر تفتح وتغلق وفق جدول غير معلن، وشروط إضافية.

وسط هذه المتاهة يجد المرضى أنفسهم عالقين بين جدران الحصار وأوراق تتحرك ببطء.

الموت لا يلاحظ

فوق سرير، جلس نضال الشاب الطامح في الحياة على رغم ثقل المرض، ودماؤه تتسرب ببطء بسبب الفشل الكلوي، يقول "أريد أن أعيش وأحقق أحلامي، لكن ألم الانتظار أكثر مرارة مما يمكن وصفه".

التعايش مع الحياة صعب، يضيف "إن الموت هنا لا يلاحظ، بل يلعب دور الجلسة الأخيرة، بعد جولات من تأجيل الإجلاء الطبي، عرفت أن الانتظار هنا ليس اختياراً بل الموت في قالب لين".

يقول مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية "كثيراً ما أقف عاجزاً أمام سؤال الأهل 'متى سيأتي دورنا؟'، وأجيبهم بالصدق الوحيد الممكن 'لا أعرف'".

ويوضح "حين يترك مريض في قائمة انتظار لمدة أسابيع وهو يحتاج إلى عملية عاجلة، فهذه جريمة باردة كل تصريح يتأخر، كل توقيع لا يأتي، هو رصاصة غير مرئية".

الوتيرة بطيئة

المشاهد الأعنف تكمن في تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" التي تبين أن آليات الإخلاء الطبي انهارت تماماً بعد الإغلاق المتكرر للمعابر وأن وتيرة الإخلاء الحالية ستحتاج إلى أعوام طويلة للتحرك نحو تلبية الطلب، في حين أن كثراً لا يملكون رفاهية الانتظار.

في الواقع، على رغم أن إسرائيل تتحمل مسؤولية ما حدث في غزة فإنها في الإجلاء الطبي قدمت تسهيلات، يقول منسق عمليات الإجلاء الطبي من غزة في منظمة أطباء بلا حدود هاني إسليم "نسبة رفض السلطات الإسرائيلية لطلبات الإجلاء انخفضت من متوسط يبلغ 90% إلى خمسة في المئة فقط".

ويضيف "المشكلة تكمن في العملية الطويلة والمسيسة، في كثير من الأحيان التي يتعين على الدول اتباعها لقبول المرضى من القطاع، تستغرق البلدان وقتاً طويلاً لاتخاذ القرار أو تخصيص الموازنة لهؤلاء المرضى".

الحل: ممر نحو الضفة

على رغم التسهيلات الإسرائيلية، فإن تل أبيب ليست بريئة من تأخير الإجلاء الطبي، إذ يمكنها تنفيذ مطلب منظمة الصحة العالمية وفتح ممر إجلاء مرضى بين غزة والضفة الغربية.

يقول المدير التنفيذي لمستشفى المطلع القدس الشرقية فادي الأطرش "يمكن بسهولة وفعالية علاج المئات من المرضى في وقت قصير إذا فتح هذا المسار، بإمكاننا أن نقدم العلاج لـ50 مريضاً يومياً وهناك مستشفيات أخرى تستطيع توفير مزيد من العمليات الجراحية".

وتتابع متحدثة الجيش إيلا واوية "منذ هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي قادتها "حماس"، ومعبر إيرز الرئيس لمرور الأشخاص مغلق، إذ قد تم استهدافه من جانب مقاتلي ’حماس‘".

شروط معقدة

تكمن المشكلة الثانية في تأخير الإجلاء الطبي في أن دول العالم تفرض شروطاً معقدة، يقول منسق عمليات الإجلاء الطبي في منظمة أطباء بلا حدود هاني إسليم "المشكلة تتمثل في أن 99.9% من البلدان تطلب الأطفال، ويتجاهلون تماماً البالغين، كذلك فإن الحكومات تفرض معايير أخرى منها رفض استقبال المرضى المصحوبين بأفراد عائلاتهم، لا سيما أولئك الذين لديهم أشقاء تزيد أعمارهم على 18 سنة".

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI