يعتمد الحوثيون على الضغط الدبلوماسي والتصعيد العسكري بشكل متواز لتحصيل مكاسب تدعم وضعهم على الأرض، وتسمح لهم بتطبيع العلاقة مع الإقليم بمنأى عن أي توافقات سياسية مع الحكومة المعترف بها دوليا.
ويواصل الحوثيون إرسال الرسائل الملتبسة إلى الإقليم والمجتمع الدولي حول موقفهم من خيارات السلام والحرب في اليمن، عبر المضي قدما في استعراض القوة وتهديد مصالح الإقليم والتعاطي الجزئي مع بعض الملفات التي لا تشكل فارقا حقيقيا في مسار التسوية السياسية التي يقودها المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن.
وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط إن “الأسلحة النوعية التي ستدخل في المعركة القادمة والتي ستكشف عنها الأيام المقبلة سترغم العدو - بحسب تعبيره -على وقف مؤامراته".
وأضاف المشاط في كلمة له الخميس، خلال العرض العسكري لوحدات من قوات الاحتياط التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة في محافظة إب "العدو إذا استمر في عناده فهو يضيع الفرص والذي يعرض عليه اليوم لن يناله غدا بإذن الله وهو يعرف كم خسر وكم سيخسر".
وجاءت تصريحات المشاط بعد أيام من تصريحات مشابهة أطلقها القيادي الحوثي البارز يوسف الفيشي الذي وضع التحالف العربي الذي تقوده السعودية أمام خيارين، إما التخلي عن الشرعية اليمنية أو مواجهة تصعيد عسكري حوثي جديد يستهدف المصالح الاقتصادية لدول التحالف.
وترافقت التهديدات الحوثية مع استعراض جديد للقوة عبر مسيرات وطائرات مروحية في سماء محافظتي إب وتعز، بالتوازي مع إعلان الجماعة المدعومة من إيران عن التوصل إلى اتفاق حول تبادل الجثامين مع السعودية، في الوقت الذي يتواجد فيه رئيس اللجنة العسكرية التابعة للحوثيين يحيى الرزامي في مكة لأداء الحج برفقة عدد من قادة الجماعة الحوثية.
ويسعى الحوثيون لتطوير عامل الردع وتوازن القوة الذي يهدف إلى تحييد التحالف العربي عسكريا، والمضي قدما في تجاهل أي حوار مع الشرعية اليمنية والامتناع عن تقديم أي تنازلات حقيقية، في تأكيد على خيارات الجماعة التقليدية التي تستهدف استكمال مشروعها العسكري في مواجهة خصومها المحليين وتطبيع العلاقة مع الإقليم في منأى عن أي توافقات سياسية مع الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
ويتجاهل الحوثيون كل المطالب الدولية لتقديم تنازلات حقيقية في مسار التسوية السياسية للأزمة اليمنية، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى استعدادهم لخوض جولة جديدة من الصراع المسلح الذي يستهدف إكمال السيطرة على جغرافيا الشمال، واستثمار المتناقضات جنوبا لتعزيز الحضور السياسي والاستخباري وترقب التحولات المحلية والإقليمية لمحاولة التمدد في جغرافيا الجنوب الجيوسياسية.
وقال الباحث العسكري اليمني العقيد وضاح العوبلي إن "الحوثيين يعتمدون نهج المناورة السياسية والعسكرية في التفاوض من جهة على ما يعتقدونه ويتحدثون عنه بأنه استحقاقات الملف الإنساني بهدف تحقيق عدد من المكاسب الاقتصادية كفتح موانئ الحديدة أمام استيراد السلع وكذلك فتح مطار صنعاء أمام رحلات محدودة الوجهات، وهو ما يدر على خزائنهم عائدات مالية كبيرة، وبموازاة ذلك يستعدون عسكرياً ويستعرضون قوتهم بين الفترة والأخرى ضمن مناورات القوة حسب ما يستدعيه الموقف بدءا من مناوراتهم البحرية الأخيرة في البحر الأحمر منذ حوالي شهرين، وليس انتهاء بالاستعراض العسكري الذي قاموا به الأسبوع الماضي في محافظة إب".
وأضاف العوبلي في تصريح لـ"العرب" أن "ما يقوم به الحوثيون باعتقادي لا يخرج عن إرسال رسائل قوة مزدوجة إلى الداخل في المحافظات التي يسيطرون عليها والتي تشهد احتقاناً بسبب طول فترة انقطاع الرواتب في ظل هدنة مجازية منذ أكثر من عام، كما أنها رسالة إلى القوى التي تقف في صف المقاومة لمشروع الحوثي، وعبرها للجهات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالملف اليمني، حيث يحاول الحوثيون أن يرسموا خطوطا ثابتة للحفاظ على ما يسيطرون عليه عبر استعراض القوات بالقرب من خطوط التماس سواء عبر مناوراتهم البحرية في الحديدة قبل شهرين تقريباً، ثم مناوراتهم في صرواح منذ أسبوعين، أو استعراضهم العسكري الأخير بين ذمار وإب".
وتابع “يبدي الحوثيون اهتماما بما يسمى المنطقة العسكرية الرابعة، في رسائل ومؤشرات تهديد تستهدف المحافظات التي تقع تحت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وعندما تتزامن مثل هذه التحركات العسكرية الحوثية مع توجيه المجلس الانتقالي لقواته باتجاه المحافظات الشرقية، فيمكن الاعتقاد بأن تحريك القوات الحوثية في هذه الجبهة المتاخمة للضالع ولحج وعدن قد أتى بتنسيق مع بعض الأطراف الخارجية وبالذات تلك الأطراف التي ترى في تحرك الانتقالي شرقاً تهديداً لمصالحها ولأمنها القومي، ولهذا فهي تدفع بالحوثيين إلى تهديد المعاقل الرئيسية للانتقالي لإرغامه على إعادة حساباته بشأن أي معارك قد تتشتت فيها قواته في الجغرافيا المفتوحة والواسعة لمحافظتي حضرموت والمهرة، وما سيشكله مثل هكذا تحرك من خطر على محافظات عدن ولحج والضالع".
الحوثيون ضيّقوا الخناق الاقتصادي على الحكومة الشرعية في الآونة الأخيرة عبر منع تصدير النفط والغاز من الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة
وضيّق الحوثيون الخناق الاقتصادي على الحكومة الشرعية خلال الآونة الأخيرة من خلال منع تصدير النفط والغاز من الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة وفرض إجراءات أحادية لمنع استيراد البضائع عبر ميناء عدن والمضي قدما في سياسة نقدية تنعكس سلبا على الوضع في المحافظات المحررة.
وطالب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الخميس، في لقاء مع السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن بضرورة انتقال المجتمع الدولي في مقاربته للوضع اليمني من سياق الأقوال إلى دائرة الفعل لإنهاء المعاناة الإنسانية، وانتهاكات الميليشيات الحوثية الجسيمة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية ذات الصلة.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن العليمي قوله خلال اللقاء "إن الوقت قد حان لنقل هذه المواقف من سياق البيانات إلى دائرة الفعل والعمل الجماعي لدفع الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني إلى التعاطي الجاد مع جهود الأشقاء والأصدقاء لإنهاء الحرب التي أشعلتها هذه الميليشيات، مخلفة دمارا هائلا، وإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم".
ويتزامن التصعيد الحوثي مع حراك إقليمي ودولي للحل في اليمن نجح في فك الحصار الدبلوماسي المفروض على الجماعة، دون أي تقدم حقيقي في المسارات المعقدة في الأزمة اليمنية عدا تلك المتعلقة بتبادل الأسرى وتسيير رحلات من مطار صنعاء ورفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة.
وفي هذا السياق التقى رئيس وفد التفاوض الحوثي محمد عبدالسلام في العاصمة العمانية مسقط الأربعاء، وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي يقوم بزيارة إلى دول المنطقة تشمل الكويت والإمارات وتتطرق إلى الملف اليمني.
وتتزامن هذه الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني مع معلومات عن جهود تقوم بها الحكومة العمانية لعقد جولة جديدة من المشاورات المباشرة بين الجماعة الحوثية والسعوديين، في الوقت الذي يتواجد فيه وفد من رجال الأعمال العمانيين في صنعاء، وفقا لوكالة الأنباء الحوثية.