7 يوليو 2024
16 مارس 2024
يمن فريدم-منظمة سام


قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن الحكومة المعترف بها دولياً، والسلطة المحلية في محافظة تعز، لا يلبيان حق سكان مدينة تعز من الكهرباء، حيث لا زالت مدينة تعز تعاني من تداعيات استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي، في ظل غياب إرادة حقيقية لإيجاد حل نهائي منذ سنوات، الأمر الذي فاقم من الأوضاع الحياتية والمعيشية لنحو 2 مليون مواطن تعطلت حياتهم في كثير من القطاعات.

محافظة تعز هي مدينة يمنية تقع في جنوب غرب اليمن، وتُعد واحدة من أكبر المدن اليمنية من حيث عدد السكان. على الرغم من أن حق الوصول إلى الكهرباء هو حق أساسي يساهم في تحقيق الحياة الكريمة وتحسين جودة الحياة، إلا أن مواطني تعز يعانون حرمانا من هذا الحق في ظل استمرار انقطاع الكهرباء المتكرر في المحافظة وعدم وجود أي خطط لإنهاء هذا الملف المتراكم.

خلال سنوات الحرب، تدهورت الخدمات الأساسية في مدينة تعز ، بسبب الخلافات الداخلية بين الفصائل التي وصلت حد الاقتتال، والحصار الذي فرضته جماعة الحوثي على المدينة، ما جعل السكان يواجهون قيودا متكررة ومتزايدة على الكهرباء، الذي أثر انقطاعها سلبا على حقوق السكان في قطاعات مختلفة تمس الحقوق الأساسية المتعلقة بمستوى معيشي لائق، بما فيها السكن اللائق، والمياه الآمنة والكافية، والصرف الصحي المناسب.

قال توفيق الحميدي رئيس منظمة سام "توفير الكهرباء واجب دستوري على الحكومة، حيث لا يمكن تصور استمرار الحياة بشكل طبيعي دون كهرباء، وتوفير الخدمات الأساسية اللائقة بالمواطنين كالصحة وغيرها دون توفر هذه الخدمة، وأي تهرب يعد إخلالا دستوريا من قبل الحكومة والسلطة المحلية".

مؤخرا أطلق الصحفي والناشط المجتمعي نائف الوافي مبادرة لأجل استعادة الكهرباء للمدينة المحاصرة، بعنوان تعز طافي. يقول نايف لمنظمة سام عن هذه المبادرة "هي مبادرة مجتمعية، تهدف الى عودة الكهرباء لمدينة تعز، وتنطلق من حق مدينة تعز المحرومة من الكهرباء منذ تسع سنوات، ولا توجد فيها كهرباء عامة، وهذا ما دفعني، ودفع الكثير من النشطاء للمطالبة بعودة الكهرباء بطريقة مختلفة، حيث يشترك المجتمع والسلطة وكل مكونات المجتمع لأجل المطالبة بعودة الكهرباء العامة.

بدأت المبادرة أولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقلنا الى فكرة الخطب الافتراضية التي تدور حول الكهرباء أطلق عليها "خطبة الاستلصاء"، على غرار خطبة الاستسقاء الخاصة بنزول المطر، وكان هدفها حث الناس وتعريفهم بالمشكلة التي تواجهها تعز، وخلق وعي مجتمعي من اجل مواجهة مشكلة غياب الكهرباء. تجاوب المجتمع بشكل كبير، حيث كانت محطة الكهرباء قبل اشهر عبارة عن غابة، الان تحولت الى محطة للكهرباء عليها واجب تجاه المواطنين، وعليها مواجهة التحديات والعراقيل. وأهم التحديات، السعر الغالي للكهرباء البديلة التي يصل سعرها إلى 1250 ريالا للكيلو، والامر الاخر اللوبي المستفيد من الكهرباء التجارية الذي لا يريدون عودتها "

ويضيف الناشط المجتمعي الوافي "الآن اصبح لدينا أهم التحديات والعراقيل، الديزل والسلطة المحلية ممثلة بالمحافظ لم توفر مشتقات نفطية بحجة انها مركزية، ونحن نرى خلاف ذلك، حيث نرى أن كل محافظة أصبحت شبكتها الكهربائية مختلفة، ولم تعد مركزية، ولم تتفاعل السلطة المركزية منذ تسع سنوات في حل مشكلة الكهرباء، وللأسف الآن السلطة المحلية تتنصل من توفير الديزل، رغم ان المؤسسة إيرادية، وأبناء تعز مستعدين لدفع المبلغ المترتب مقابل الكهرباء، ولكن بسعر أقل من التجاري. التحدي الثالث انعدام الثقة المجتمعية بعودة الكهرباء، اليأس من عودة الكهرباء، إضافة إلى الحملة الإعلامية على وسائل التواصل التي تواجه الجهود التي نقوم بها .

تأثيرات انقطاع الكهرباء على حياة المواطنين في تعز

يُشير الناشط في محافظة تعز "فهد المخلافي" إلى وجود تأثيرات سلبية على حياة المواطنين نتيجة عدم توفّر الكهرباء، حيث تشمل هذه التأثيرات زيادة المشاكل الأسرية واستغلال حاجة المواطنين للكهرباء من قِبَل المحطات التجارية في تعز لافتًا إلى فرض سعر 1050 ريالًا للكيلو واط الواحد، وهو سعر مرتفع بالمقارنة مع باقي المحافظات.

ويُضيف "يرتفع سعر السلع الغذائية في جميع المجالات نتيجة لارتفاع أسعار الكهرباء التجارية، مما يزيد من حاجة المواطنين للكهرباء ويؤثر على حياتهم في جميع الجوانب".

يؤكد "فهد" على أن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته وضمان تمتع أكثر من اثنين مليون مواطن في تعز بالكهرباء وضرورة التعاون مع الحكومة الشرعية كون أن المدنية تخضع لسيطرتها، مطالبًا بحصول كافة الأفراد على فرص متساوية للوصول إلى الخدمات الكهربائية بشكل عادل ومنصف دون تمييز ويجب أن تكون الخدمات متاحة وميسورة التكلفة للجميع بما في ذلك الفئات الضعيفة والمحرومة اقتصاديا.

تحديات في العمل

يعاني "عبد الله النظاري" الذي يعمل في مجال التصميم من تحديات جمة من انقطاع التيار الكهربائي، نظرًا لاعتماده على الكهرباء في عمله الذي يُشكل مصدر دخله الرئيسي والوحيد.

يواجه "النظاري" من صعوبات في البحث عن محل لإعادة شحن جهازه المحمول، حتى أنه يتجول من محل إلى آخر في سعيه للعثور على مكان يقبل شحن جهازه، ولكن كثيرًا ما يواجه الرفض، وحتى عندما يجد محل يقبل شحنه، فإنه لا يشعر بالراحة فيه بسبب الضوضاء والإزعاج في تلك الأماكن.

يقول "عبد الله" إنه بوصفه مصمم جرافيكس، فإنه يحتاج إلى مكان هادئ وملائم ليتمكن من إكمال عمله بشكل جيد، مع ذلك معظم التصاميم التي يعمل عليها لا تأتي بمقابل مادي مناسب، ويفقد أعمالًا وتصاميم بسبب طلبات العمل المستعجلة التي يتلقاها، وفي الليل لا يستطيع العمل إلا لساعة ونصف فقط قبل أن تنفد بطارية جهازه ويجد نفسه عاجزًا عن العمل.

تأثير انقطاع الكهرباء لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يجلس "عبد الله" في معظم لياليه في الظلام، فيما يعتمدون على ضوء خافت وضعيف لفترة قصيرة قبل أن ينطفئ تمامًا ، فهم يعيشون في ظروف قاسية، ويواجهون صعوبات في تحمل تكاليف الاشتراك بالكهرباء التجارية، كما أن أسرته لم تستطع شراء البطاريات بسبب ارتفاع أسعارها، فأصبحت البطاريات لا تدوم لفترة طويلة وتفقد كفاءتها بسرعة.

كل تلك الظروف حرمت "عبد الله" وأمثاله من الشباب العاملين الكثير من الأشياء التي كانوا يتمتعون بها في الماضي، فلم يعد بإمكانهم التمتع بأبسط الحقوق من تناول الطعام في المنزل لعدم وجود ثلاجة تخزنه وغيرها من الأمور البسيطة، حتى أضحوا مضطرين للجوء إلى المطاعم والمقاهي، وهذا جعلهم عرضة للاستغلال بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء التجارية.

محاولات للتكيف مع انقطاع الكهرباء

"تسنيم حامد"، شابة يمنية طموحة تعيش في مدينة تعز المحاصرة، تعتمد على الكهرباء لتلبية احتياجاتها الأساسية وتسهيل حياتها، لكن منذ بداية الحرب في عام 2015 توقفت الكهرباء الحكومية عن الوصول إلى مدينة تعز، مما أدى إلى تحول حياة "تسنيم" بشكل كبير، حيث لم تكن هناك كهرباء أساسية تعمل على مدار الساعة، وكانت تضطر للتكيف مع هذه الظروف القاسية.

اضطرت "تسنيم" للتفكير لإيجاد حلول بديلة لحياتها اليومية، حيث قررت الاستثمار في نظام الكهرباء التجارية الذي يوفر لها الكهرباء لفترات محدودة على مدار الأسبوع، رغم التكلفة المالية المرتفعة، إلا أنها كانت تعتبرها استثمارًا ضروريًا لتلبية احتياجاتها الأساسية.

كما قامت بالاستثمار في الألواح الشمسية ببطاريات قابلة لإعادة الشحن، والتي توفر لها الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، على الرغم من أن هذا النظام كان يتطلب تجديد البطاريات كل سنتين، إلا أنها شعرت بالارتياح لأنها توفرت لديها مصدر ثانوي للكهرباء.

تقول "تسنيم " إنها تواجه تحديات جديدة في استخدام الكهرباء بشكل فعال وذكي ،حيث لم يعد باستطاعتها استخدام الأجهزة الكهربائية بحرية كما السابق ،حيث أضيفت تحديات جديدة حتى مع الاعتماد على مصدر ثانوي للكهرباء، فعليها متابعة قوة المحول وحجم البطارية عند استخدام أي جهاز كهربائي، فعلى سبيل المثال "لا يمكنها تشغيل الغسالة إلا في وقت ذروة الشمس، إلى جانب إعطاء الأولوية للأجهزة ذات الاستهلاك المنخفض لضمان استمرار وجود التيار".

وفي أيام الاحتفالات والمناسبات الخاصة تقوم تسنيم بالتحضير لها قبل عدة أيام من خلال تجهيز ملابسها ما يجعلها تعيش في قلق دائم. "تسنيم" ليست بمفردها في هذا الواقع القاسي حيث يوجد العديد من سكان المدينة الآخرين بالاشتراك بالكهرباء التجارية ومع ذلك يقتصرون على استخدام الأجهزة الكهربائية بشكل محدود بسبب تكلفة الفواتير المرتفعة .

دور مُنتظر من منظمات المجتمع المدني

تقول "حماس فائد"، إحدى الناشطات العاملات في مبادرة الضغط لاستعادة الكهرباء في محافظة تعز بإنه "يمكن للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المساهمة في تعزيز حق الإنسان في الكهرباء".

وتستطرد قائلة "إن ذلك يمكن تحقيقه من خلال تنظيم حملات توعوية ومبادرات تثقيفية للجمهور، بهدف زيادة الوعي بأهمية الكهرباء كحق أساسي للإنسان وتأثيرها على الحياة اليومية، كما يمكن لهؤلاء الناشطين ممارسة الضغط على الحكومة والجهات المعنية للعمل على استعادة الكهرباء وضمان توفرها بشكل مستدام وعادل للجميع".

الكهرباء حق أساسي

"لا توجد تحديات قانونية تعرقل حق الإنسان في الكهرباء، بل إن كافة القوانين والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها اليمن تعزز حقوق الإنسان في الغذاء والصحة والحياة، وتعتبر الكهرباء جزءًا أساسيًا من هذه الحقوق. فالكهرباء تلعب دورًا حيويًا في الجوانب الصحية، حيث تساهم في إنقاذ حياة الناس وتستخدم في المستشفيات والمرافق الصحية، و في تخزين وتحضير المواد الغذائية." بهذا التصريح يؤكد المحامي والناشط الحقوقي "ماهر العبسي" إلى أهمية ملف الكهرباء للمواطن اليمني وبشكل خاص أبناء محافظة تعز.

يقول "العباسي" إنه خلال أيام الصيف، تعاني المناطق الحارة مثل تعز من انقطاعات كهربائية وعجز، مما يثير استياء المواطنين ويؤدي إلى احتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبر ذلك دليلاً على عدم وجود نية جادة ودراسة عميقة لحل هذه المشكلة، ويعتبر من غير المنطقي أن الدول المجاورة تولد الكهرباء لبلدانها وتصدرها إلى دول مجاورة، في حين لا تستطيع اليمن حل مشكلة الكهرباء أو تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المناطق، حيث لا تصل الخدمة لكافة القرى والأرياف

ويُضيف " أنه توجد العديد من التحديات السياسية في مجال الكهرباء، فعلى سبيل المثال تم إعادة الكهرباء إلى بعض المناطق المحررة، بينما لم يتم إعادتها إلى بعض المناطق الأخرى، كما يُلاحظ أن هناك تعاملًا غير متساوٍ في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية". وفقًا لتعبيره.

ويطالب المحامي "العبسي" بضرورة تبني الحكومة، من خلال وزارة الكهرباء، إجراءات شاملة لدراسة مشكلة الكهرباء. ويعتقد أنه إذا كان هناك جهد جاد من قبل الحكومة الجديدة لحل مشكلة الكهرباء، فإنه يمكن أن يتم توفير موارد كبيرة تمكن من إنشاء محطات جديدة وشراء مشتقات النفط وتقديم خدمة مهمة وحقًا أساسيًا للإنسان، وهو حق الكهرباء.

جذور المشكلة

تُشير "سام" إلى أن مشكلة الكهرباء في اليمن بشكل عام وتعز بشكل خاص بدأت ما قبل انقلاب جماعة الحوثي، وزادت بصورة كارثية مع الحرب سببها انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران على الدولة واستيلائها على المؤسسات أواخر العام 2014، وكانت تعز واحدة من بين المحافظات التي انقطعت الكهرباء عنها بشكل كلي منذ 2015، حيث شهدت المدينة حرباً عنيفة قسمت المدينة الى نصفين، نصف منها بيد القوات الحكومية، وآخر بيد جماعة الحوثي، حتى إن محطة الكهرباء الرئيسية في تعز "محطة عصيفرة " أضحت في منطقة التماس وانقسم الحوش المحيط بها إلى قسمين أيضا فيما بين المتحاربين.

نمو السوق السوداء لبيع الكهرباء، وبأسعار باهظة، فوق احتمال المواطن، الذي يعيش حصارا اقتصاديا تفرضه جماعة الحوثي، وتزاوج المصالح التجارية و بعض المسؤولين، هي عوامل ساهمت في استمرار انقطاع الكهرباء منذ تسع سنوات، حيث انتقلت الكهرباء من خدمة الى سلعة، ومن الحكومة الى القطاع الخاص بشكل مبهم وغير معروف، الذي بات يتحكم بها بشكل كلي في ظل غياب شبه تام للسلطات الرسمية.

فقد المواطنون القدرة على مواجهة التكاليف الباهظة لفواتير الخدمة التي تصدرها شركات التوليد التجارية، بينما حضر الجانب الحكومي في القصة كمستثمر قام بتأجير الشبكة العمومية للتجار، ويتحصل منها مبالغ شهرية، تذهب كمرتبات للموظفين الذين عانوا من الفراغ وتحولوا للعمل في القطاع الخاص.

التزام قانوني

تؤكد منظمة "سام" للحقوق والحريات أن الحصول على الكهرباء أمر بالغ الأهمية لضمان الحقوق الأخرى، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الصحة والسكن والمياه والتعليم، ويجب الاعتراف به كحق متمايز من حقوق الإنسان، وهذا يعني ضمان توليد وإمدادات كافية ومستدامة من الكهرباء، والتعاون الدولي لضمان توفير كهرباء موثوقة وبأسعار معقولة ومتاحة للمستخدم.

لا بد من الإشارة إلى ما جاء في مراجعة امتثال اليمن لـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، والذي وقعت عليه اليمن، حيث أعربت "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" عن قلقها إزاء التداعيات الخطيرة والطويلة الأمد للنزاع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب اليمني. قالت اللجنة إن النزاع في اليمن لا يلغي مسؤولية اليمن التي تقتضي وفائه بالتزاماته بموجب العهد.

إننا في منظمة "سام" للحقوق والحريات، إذ ندعو الحكومة اليمنية إلى اتخاذ ما يلزم من خطوات فاعلة وجدية لإنهاء معاناة أكثر من 2 مليون مواطن متضرر جراء انقطاع الكهرباء وغلاء الطرق البديلة، فإننا نحث المجتمع الدولي إلى مد يد العون وتقديم كافة الإمكانات للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من أجل إنهاء ذلك الملف المتراكم.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI