ارتبطت ذكرى المولد النبوي في أذهان اليمنيين كفعالية دينية بحتة، يجري إقامتها غالباً في المساجد ومن قبل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى في منازلهم، لكن تلك المظاهر لم تعد موجودة وتلاشت بفعل عوامل كثيرة من بينها الحرب التي تشهدها البلاد.
وخلال سنوات الحرب، ظهرت هذه المناسبة بصور مختلفة عما كانت عليه في السابقة، ظهرت بغطاء ديني وأهداف سياسية وطائفية وتكسب وثراء، وهو حال المناطق التي ترزح تحت سلطة الحوثيين.
ولم يكن الاحتفال بالمولد النبوي في مناطق سيطرة الحوثيين مناسبة دينية عابرة، بل ثمة توظيف سياسي بأوجه متعددة تتبناها الجماعة، وتسعى من خلالها إرسال رسائل كثيرة لخصومها بصبغة سياسية وأخرى طائفية كما يقول متابعون للاستعدادات التي تجري في كل عام من أجل هذا الاحتفال.
مناسبة للشحن الطائفي
تظهر في كل مناسبة بالاحتفال بالمولد النبوي شعارات تؤجج من الشحن الطائفي الذي يروج له الحوثيون من خلال وسائل إعلامهم، وهو ما رصدته وسائل إعلام محلية وخارجية، وكشفت الشعارات التي يتداولها أنصار الجماعة أن الاحتفال هو موسم مناسب لتوسع دائرة الشحن الطائفي تحت مسميات مختلفة.
الناشط المناهض لجماعة الحوثي، خالد الأبارة، قال في تصريح لـ " يمن فريدم" " إنه منذ انقلاب تنظيم جماعة الحوثي الإرهابية على الدولة والجمهورية والمبادئ والثوابت الوطنية دأبت على استخدام كل وسائل الترهيب والترغيب والاذلال في مناطق سيطرتها للترويج وفرض أفكارها الطائفية والعنصرية والمذهبية من خلال دوراتها الثقافية التحريضية التعبوية".
يشير خالد إلى استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية أبرزها (المولد النبوي) الذي ينفق له الحوثيون عشرات الملايين، ويقول في حديثه " لقد استغلت المليشيا الارهابية كل المناسبات الدينية وغير الدينية لفرض أفكارها ومعتقداتها الدخيلة على الشعب اليمني والمستوردة من إيران".
أضواء وملصقات وطلاء
في كل عام تتحول صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى قطعة قماش خضراء بمشاهد مبالغ فيها، تحت مسمى الاحتفال بالمولد النبوي، تنفق الجماعة عشرات الملايين لكل هذه التجهيزات دون اكتراث بالوضع المعيشي للسكان القابع تحت حكمها، وهو ما يربطه الكثيرون بالتباهي في ظل الحرب وتردى الأوضاع الاقتصادية.
سألنا في موقع "يمن فريدم" فاروق ثابت (أكاديمي) حول هذه الاستعدادات التي يقوم بها الحوثيون في كل عام وقال "في كل مناسبة للمولد النبوي تتحول صنعاء، وكل المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا إلى خضراء بالطلاء، والأضواء يذكرني بأمر ما يسمى بـ"الامام أحمد" الناس با"لقطرنة"-دهن انفسهم بمادة سوداء- لقياس مستوى جهلهم، ومعرفة مدى اتباعهم الأعمى له، وهكذا يفعل الآن الكثير من "الزنابيل" وهم يخضرنون أنفسهم على غرار "القطرنة" الإمامية حد الصدمة والذهول أن يوجد يمنيين في عصر العلم والتكنولوجيا وثورة الميديا والديجيتال، منحطين ومتخلفين إلى هذا الحد".
محمد (اسم مستعار) لأحد الناشطين في صنعاء، قال لموقع " يمن فريدم" إن المناظر في صنعاء وهي تكتسي بالألوان الخضراء يبعث للنفس الحسرة على ما وصلت إليه البلاد على يد الحوثيين.
وأضاف محمد" صنعاء أصبحت نسخة من طهران، ولا يوجد شيء يؤكد أن صنعاء هي نفسها كما كانت من قبل، والناس مجبرين على انارة الشوارع بالإضاءة الخضراء ونشر الملصقات في الشوارع العامة والمحلات والمراكز، وكله تحت الاكراه".
يتساءل محمد عن اللحظة المنتظرة لعودة صنعاء لهويتها التاريخية التي عرفها الجميع، بعيدا عن شعارات وملصقات الحوثيين خلال المناسبات الدينية، وقال " متى ستعود صنعاء لعدها الذي نعرفه، لم تعد صنعاء التي يتغنى بها الشعراء والادباء حتى من خارج اليمن".
الجباية والاكراه
يعتبر الاحتفال بالمولد في كل موسم مناسبة للجباية والتكسب من قبل قيادات الحوثيين، الذين يفرضون مبالغ مالية على المواطنين والتجار وفئات اجتماعية مختلفة، ويصل الأمر إلى أن يجبروا النساء على تقديم مجوهراتهن للتبرع بها للاحتفال بهذه المناسبة، وغالبا ما ينتهج الحوثيون أساليب متلونة تجعل أنصارها يسارعون للتبرع بكل ما يملكون رغم وضعهم المعيشي المتدهور.
في المقابل يرى أنصار الجماعة أن الاحتفال بالمولد النبوي هو مناسبة دينية تعزز ما يعبرونه " الثقافة الايمانية" والقيم الإسلامية والرسالة التي جاء بها الرسول محمد (ص) منذ بداية دعوته للناس للدخول في الإسلام، إلا أن المعارضين لهذا الاحتفال لا يرون أن ما يقوم به الحوثيون في هذه المناسبة سوى موسم للتربح والثراء بالإكراه.
واعتبر الناشط خالد الأبارة، هذه المناسبات بالنسبة للحوثيين "وسيلة للتكسب ونهب المواطن البسيط الذي في الغالب لا يجد قوت يومه، لكن الوسائل القمعية التي تستخدمها في حق المواطنين لجبابة الأموال منهم والتي تموّن بها أنشطتها الطائفية التحريضية الارهابية جعل الكثير من المواطنين ينأون بأنفسهم عن مواجهتها ويدفعون تحت الاكراه خوفاً من بطشها وجبروتها ".
حالة من الاحتقان والسخط
يخلق الاستعراض الذي يقوم بها الحوثيون في كل عام من احتفال بالمولد النبوي، حالة من السخط والاحتقان بين أوساط اليمنيين، خاصة الذين يدركون أهداف الجماعة من هذا الاحتفال، وأغلب هذه الأهداف سياسية وجمع الأموال والتكسب والثراء.
ويعلّق الصحفي، خليل العمري، على هذه الحالة التي تعتري العامة بفعل احتفال بالمولدي النبوي المبالغ فيه، بالقول "هناك حالة من الاحتقان الشعبي تجاه احتفالات الحوثيين الكثيرة طوال العام، ومنها المولد النبوي الذي ينفقون فيه مئات الملايين في ظل امتناعهم عن القيام بواجبهم تجاه المواطنين تحت سيطرتهم بتوفير الخدمات منها المياه والكهرباء وتسليم رواتب الناس".
ويربط الصحفي العمري كثرة الاحتفال بأنها تكون على حساب الناس الذين لم يجدوا رواتبهم، ويضيف "يرى اليمنيون رواتبهم وخدماتهم وحياتهم تحترق على شكل احتفالات وصرفيات للجبهات العسكرية مثلما شاهدوا شباب اليمن الذين تزج بهم الجماعة في حروبها العبثية".
ويتابع " اعتقد أن حالة الغضب الشعبي تراكمت ضد الجماعة وقياداتها وقد تتحول الى فعل ثوري عام في أي لحظة، القمع والقهر وعدم اللا مبالاة التي ينتهجها الحوثيون لن تقف امام شعب جائع اعادوه للقرون الوسطى".
وبين هذه الاستعدادات والملايين التي ينفقها الحوثيون على هذه المناسبة لم يعد يهتم غالبية اليمنيين بها، بسبب الاستغلال الكبير الذي تمارسه الجماعة بغطاء المناسبة الدينية، فالبلاد تشهد حالة تدهور غير مسبوقة اقتصاديا ومعيشيا، وشريحة كبيرة من المواطنين لم يعد بمقدورهم تحمل كل هذا العناء وهذه التكاليف كما يقولون، ومن خلال ما يشاهدون على الواقع هو مناسبة لها أهداف أخرى تخدم الحوثيون وحدهم.