شغل محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد غالب المعبقي، الرأي العام في البلاد، خلال الفترة الأخيرة، حيث رآه البعض منقذاً مالياً على الرغم من ارتباط إدارته للبنك، المعترف به دولياً، بأسوأ فترة انهيار عرفتها العملة اليمنية في تاريخها.
ومنذ مطلع يوليو/ تموز الماضي، كان الشارع اليمني المناهض للحوثيين والمحبط من أداء الحكومة، المعترف بها دولياً، وقيادتها المهاجرة، يضع محافظ البنك المركزي في مكانة المنقذ الذي نجح في خنق الحوثيين اقتصادياً، وبالتالي تعويض الإخفاق الحكومي على الصعيدين العسكري والسياسي.
أصدر محافظ البنك المركزي سلسلة قرارات منذ مطلع العام الجاري، بهدف حماية العملة الوطنية، وعندما فشلت تلك الخطوات أرجع البنك انهيار قيمة الريال إلى عمليات مضاربة تقوم بها بنوك تجارية تقع مقارها الرئيسية في صنعاء، الخاضعة للحوثيين، لكن البنك المركزي لم يكن يمتلك القدرة على معاقبة تلك البنوك التي تخضع كلياً لتعليمات سلطات الحوثيين.
وجد المعبقي الفرصة مواتية لفرض سيطرة البنك المركزي على النظام المالي في البلاد، عقب قرار إعادة تصنيف جماعة الحوثيين من قبل الولايات المتحدة كياناً إرهابياً عالمياً، وحالة العزلة التي تعيشها الجماعة على المستوى الدولي كياناً منبوذاً عقّد من قدرتها على الوصول للنظام المالي.
وقع المعبقي يوم 30 مايو/ أيار على قرارين، الأول يتعلق بإلغاء الطبعة القديمة من النقود التي يجري تداولها في مناطق الحوثيين، والثاني يطالب ستة من أكبر البنوك التجارية في البلاد بنقل مقارها الرئيسية من صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية، حيث مقر البنك المركزي، المعترف به دولياً، مع مهلة مدة ستين يوماً تليها عقوبات قاسية، منها حظر البنوك المخالفة من استخدام نظام التحويلات المالية سويفت.
خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو الماضيين تحول المعبقي إلى منقذ، وخرجت تظاهرات في أكثر من مدينة تهتف باسمه وقراراته، ويرجع الاحتفاء الشعبي المبالغ فيه بقرارات 30 مايو إلى تشوق اليمنيين لإنهاء الانقسام النقدي الذي كرّسته جماعة الحوثيين في بنكين، وقيمتين مختلفتين للعملة، ونظامي صرف مختلفين، ما أنتج ارتفاعاً في رسوم التحويلات الداخلية من عدن إلى صنعاء بنسبة 300%.
قرارات البنوك
اعتقد قطاع واسع من اليمنيين أن القرارات ستعيد أموالهم المصادرة في بنوك صنعاء، وبالنسبة لهم فإن حماية الودائع تسبق حماية العملة.
وتعلّق آلاف المودعين من عملاء البنوك بقرارات محافظ البنك المركزي، على أمل إنهاء القرارات القاسية التي اتخذتها جماعة الحوثيين بمصادرة ودائع تصل قيمتها إلى أكثر من تريليوني ريال، ثم إلغاء فوائد الودائع بموجب قانون الأحكام الربوية.
وقد أثارت قرارات 30 مايو حفيظة الحوثيين بشكل غير متوقع، وانعكست ردة فعلهم في تصاعد شعبية المعبقي، وحالة من الأمل في الشارع اليمني، سرعان ما تلاشت بعد تراجع قيادة المجلس الرئاسي عن تلك القرارات، والتعهّد بعدم اتخاذ قرارات مماثلة، وعقد الاتفاق الأخير الذي أنهى الأزمة.
ولم يكن أمام محافظ البنك سوى أن يقدم استقالته لمجلس القيادة، الذي أعلن بعد تسريبها للإعلام رفض قبولها، ومنحه ثقة مواصلة مسيرة الإصلاحات التي جرى وأدها على أرض الواقع.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي تديرها الحكومة، عن مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية قوله "إن رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي رفضوا بالإجماع استقالة المحافظ".
وقال مركز صنعاء للدراسات إن المعبقي حظي بإشادة كبيرة في الأوساط اليمنية. ويرى المركز أنه من غير المرجح أن تُقبل استقالته. ولكن في المقابل هناك أنباء أخرى عن احتمال تعيين محافظ جديد.
وتؤكد مصادر أخرى لـ"العربي الجديد" أن صفحة المعبقي قد طويت بالفعل، عقب الاتفاق الجديد للحكومة الشرعية مع الحوثيين، في ضوء تفاهمات أولية على دمج البنك المركزي مجدداً، تحت قيادة توافقية، وذلك بعد نحو ثماني سنوات من الانقسام.
وصل المعبقي إلى رئاسة المركزي اليمني يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ولم يكن أحد يراهن عليه آنذاك، وساد الشارع اليمني حالة إحباط يوم تعيينه، في ظل تعقّد الوضع المالي، ثم بدأ الانهيار المتسارع للعملة المحلية منذ مطلع 2023.
قضى المعبقي شطراً كبيراً من حياته المهنية في مصلحة الضرائب، تنقل في مواقع مختلفة، قبل أن يصل إلى منصب وكيل المصلحة في عام 2005، ثم رئيساً لها لمدة سبع سنوات منذ 2007 حتى عام 2014، وعقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء نهاية عام 2014، انضم غالب إلى الحكومة الشرعية عضواً في اللجنة الاقتصادية.
من خلال عضويته في اللجنة الاقتصادية، شارك المعبقي في مفاوضات التسوية الاقتصادية مع الحوثيين، بدءاً من مشاورات الكويت، إلى مفاوضات استوكهولم، مروراً بمفاوضات جنيف، وقد فشلت جهود إنجاز اتفاق اقتصادي مع الحوثيين في كل هذه المحطات.
لجنة شكلية في اليمن
واللجنة الاقتصادية كيان شكلي بدون مهام أو هيكل إداري، لا ترسم سياسات الاقتصاد، أو تقدم رؤى لمعالجة الوضع المالي، هذا الوضع انعكس في زيادة نشاط المعبقي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تلك الفترة، وعلى صفحته الشخصية، حيث كان ينشر أفكاره بشأن الوضع الاقتصادي.
في سبتمبر/ أيلول 2018، كتب المعبقي تعليقاً غاضباً يهاجم الحكومة وقيادة البنك المركزي، على خلفية تدهور قيمة العملة المحلية من 600 ريال للدولار في منتصف سبتمبر/ أيلول إلى 800 ريال نهاية الشهر نفسه. وحذّر من الاعتماد الكلي على السعودية، وقال إن "ركون الحكومة والبنك المركزي على السعودية بدلاً من معالجة الاقتصاد بالمتاح، أدى إلى انهيار العملة".
بعد عامين احتاج المعبقي إلى معجزة لكي يبقى على قيد الحياة، إثر إصابته بفيروس كورونا نهاية يناير/ كانون الثاني عام 2020. وقال أحد أقاربه لـ"العربي الجديد" إن الإصابة بفيروس كورونا تعد من أقسى التجارب التي مرّ بها، ظل شهراً كاملاً معزولاً في منزله بمدينة عدن، قبل نقله إلى مشفى الصداقة بالمدينة، إثر تدهور حالته الصحية".
وقال أحد مرافقيه إن المعبقي كان عاجزاً عن الحركة بعد عودة النبض إلى قلبه، وخضع لعلاج طبيعي مكثف استغرق مدة شهرين، ليستعيد بعدها حركة الأطراف.
رغم كونه عضواً في لجنة شكلية (اللجنة الاقتصادية)، كان الاهتمام السعودي لافتاً تجاه الرجل الذي حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة البترول والمعادن السعودية، إذ أشرف فريق طبي سعودي على متابعة حالة المعبقي، وساعد في إنقاذ حياته.
(العربي الجديد)