29 سبتمبر 2024
22 أغسطس 2024
يمن فريدم-اندبندنت عربية-أحمد مصطفى


بدأت الأسواق والأعمال والشركات حول العالم، وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، تتحسب لاحتمال فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. والملمح الأهم الذي يثير قلق الجميع، وفي مقدمهم الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أميركا، هو حرب تجارية ثانية مع عودة ترمب للبيت الأبيض.

بالنظر إلى التصريحات المصاحبة لحملة ترمب الانتخابية، فإن الوعد الأهم هو أن إدارة جديدة للحزب الجمهوري برئاسة ترمب مع نائبه جي دي فانس ستفرض رسوماً وتعرفة جمركية على البضائع الصينية بنسبة 60%، ورسوماً وتعرفة جمركية على البضائع والسلع من بقية العالم بنسبة 10%.

ومن غير المستبعد، في حال فوز ترمب، أن تزيد إدارته الجديدة الرسوم والتعرفة الجمركية على بعض الصادرات الصينية إلى نسبة 100% وربما أكثر.

تعاني الصين بالفعل تبعات الحرب التجارية الأولى، التي بدأها ترمب في فترة رئاسته السابقة عام 2018. وواصلت إدارة الرئيس جو بايدن العمل بتلك القيود، بل وزادت عليها عقوبات جديدة على بكين، بخاصة في مجال التكنولوجيا مثل السيارات الكهربائية وألواح الخلايا الضوئية لتوليد الطاقة الشمسية وغيرها. وفي حال فوز ترمب ستتعرض الصين لمزيد من الضغط الأمريكي في حرب تجارية أشد ضرراً من سابقتها، بخاصة وأن الاقتصاد الصيني حالياً في وضع صعب مع تباطؤ النمو، وبروز أزمات في القطاع العقاري والمالي.

الحرب السابقة والجديدة

تنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن كبير الاستراتيجيين في شركة "بي سي إيه" للأبحاث ماتيو غيرتكن قوله إن الاقتصاد الصيني الآن أضعف، وأن "ترمب سيزيد الضغط على الاقتصاد الصيني وهو في حالة تراجع، لذا هم (الصينيون) في وضع أكثر عرضة للخطر الآن".

في الحرب التجارية السابقة فرض دونالد ترمب تعرفة جمركية بنسبة 25% على بضائع وسلع صينية تصل قيمتها إلى 350 مليار دولار، وتمثل نسبة 65% من الصادرات الصينية لأميركا عام 2018، إلا أن تأثير تلك العقوبات لم يدم طويلاً، وارتفعت الصادرات الصينية بقوة في فترة وباء كورونا مع لجوء المستهلكين في الغرب عموماً إلى زيادة مشترياتهم من الأجهزة الإلكترونية وغيرها.

كما أن بكين وجدت أسواقاً بديلة لمنتجاتها وصادراتها لتعويض الفاقد من التصدير للسوق الأمريكية، بخاصة في أوروبا وآسيا. وعاد الفائض التجاري الصيني مع العالم للارتفاع، ليصل في يونيو/ حزيران الماضي إلى 100 مليار دولار. ذلك على رغم استمرار الرسوم والتعرفة الجمركية التي فرضها ترمب قبل ست سنوات، وزيادة إدارة بايدن عليها.

يرى كثير من المحللين والمعلقين أنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأمريكية قبل نهاية هذا العام، فإن الصين ستواجه حرباً تجارية ثانية من الولايات المتحدة. فحتى إذا فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس فإنها على الغالب ستبقي على الرسوم والعقوبات التي فرضتها الإدارة الديمقراطية الحالية، ومن شأن ذلك وحده أن يمحي نسبة 0.03% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني.

يقدر بنك "يو بي إس" الاستثماري أن فرض رسوم وتعرفة جمركية للواردات الأميركية من الصين بنسبة 60% إضافية، التي يعد بها ترمب، سيخفض نمو الناتج المحلي لثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 2.5% في العام التالي لفرض الرسوم. وفي حال ردت الصين بعقوبات مماثلة فإن الضرر قد يكون في حدود نحو نسبة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني. أما التقدير الأقرب للمنطق فهو أن عقوبات ترمب الموعودة ستزيل نسبة 1.4% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني ليصبح عند نسبة 3.4% العام المقبل، بدلاً من نسبة 4.8% التي تقدرها بكين.

الصين وأوروبا وعقوبات أمريكا

ربما تكون الإدارة الحالية، وبالتالي هاريس إذا فازت، أكثر قدرة على إقناع الأوروبيين بزيادة الضغط أيضاً على الصين. وإن كان ذلك لن يصل إلى حد لجوء أوروبا إلى خطوة "فك الارتباط" مع بكين كما تريد واشنطن، أما في حال فوز ترمب فإن الوضع مع أوروبا بالنسبة إلى السياسة التجارية تجاه الصين سيكون مختلفاً.

أولاً لأن إدارة جديدة لترمب في البيت البيض تعد أيضاً بفرض رسوم وتعرفة جمركية بنسبة 10%، وربما أكثر على الواردات الأمريكية من أوروبا.

وستجد الدول الأوروبية نفسها في وضع غاية في الحرج والصعوبة، إذ أنها ستكون مضطرة إلى الرد بإجراءات مضادة للرسوم الأمريكية على صادراتها، لكنها في الوقت نفسه ستخشى أن القيود المشددة على الصادرات الصينية إلى أمريكا ستجعل بكين تغرق الأسواق الأوروبية بتلك البضائع والسلع، وهنا لن يكون أمام أوروبا سوى فرض رسوم وتعرفة جمركية أيضاً على الواردات من الصين.

لن يكون بإمكان ترمب ونائبه حشد تأييد أوروبي لزيادة العقوبات والقيود على الصين، بخاصة وأن فانس المرشح نائباً لترمب يكن عداء واضحاً لأوروبا، وسبق أن وصفها مجرد "وكلاء لأمريكا"، هذا فضلاً عن أن ترمب نفسه سبق وأن هدد الدول الأوروبية بأن "تدفع" في مقابل "حماية أميركا لها". ومع أن ذلك كان في سياق ضغط إدارة ترمب السابقة على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتحمل عبء أكبر في تكاليف الحلف لتخفيف العبء عن الولايات المتحدة إلا أن منطق ترمب السائد هو أن "يدفع الجميع لأمريكا".

لكن في كل الأحوال، وكما يشير تحقيق مطول لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الشركات والأعمال بدأت بالفعل التحسب للحرب التجارية الثانية التي قد تشنها إدارة جديدة برئاسة ترمب إذا فاز في الانتخابات.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية تزيد الشركات مشترياتها من قطع الغيار والمنتجات من الخارج وتكدسها، تحسباً للنقص فيها في حال زيادة الرسوم والتعرفة الجمركية على الواردات الصينية. وتدفع الشركات رسوماً أعلى للتخزين والتأمين على المخزون، تحسباً لاضطراب سلاسل الإمداد بشدة إذا فاز ترمب.

إجراءات صينية

إذا كان هذا هو حال الشركات الأميركية، فإن الشركات في مناطق أخرى من العالم بخاصة في أوروبا تتحسب أيضاً لاحتمالات حرب تجارية ثانية بين الولايات المتحدة والصين، ذلك لأنها ستكون أشد تأثيراً من الحرب التجارية الأولى المستمرة حتى الآن في ظل إدارة بايدن. فمن غير المتوقع أن تقف الصين مكتوفة الأيدي، وسترد بفرض إجراءات انتقامية تزيد من اختناقات سلاسل التوريد حول العالم.

لكن الصين، ومنذ عام 2018 مع بداية الحرب التجارية، تحاول الالتفاف على الرسوم والعقوبات الأمريكية بطرق مختلفة. منها مثلاً إقامة بكين لعدد من الشركات لمنتجاتها المصدرة للسوق الأميركية في المكسيك، وبالتالي تستفيد من اتفاق التجارة الحرة الأمريكي - المكسيكي.

يقول كثير من رؤساء الشركات الأمريكية إنهم يستوردون تلك المنتجات من المكسيك، وهم يعرفون أنها منتجات صينية، لكن في النهاية "مكتوب عليها صنع في المكسيك" كما يقول مدير إحدى الشركات لصحيفة "نيويورك تايمز".

كذلك فتحت الصين بعض الفروع لنشاطها الصناعي في دول آسيوية مثل ماليزيا وفيتنام وغيرها، أيضاً للالتفاف على الرسوم والعقوبات الأميركية، ولكي تتمكن من تصدير منتجاتها للسوق الأمريكية.

وهناك احتمال أن تعيد إدارة ترمب الجديدة النظر في اتفاق التجارة مع المكسيك لإغلاق الباب الخلفي لدخول المنتجات الصينية، كما أن بعض الدول الآسيوية التي تصدر منتجات صينية ربما تتعرض هي أيضاً لعقوبات أمريكية.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI