بدأت صناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة ومعالجات الأجهزة الدقيقة وبعض المكونات البصرية للتكنولوجيا العسكرية في الغرب تشعر بتأثير القيود الصينية في صادرات بعض المعادن النادرة المستخدمة في تلك الصناعات، والتي تعد بكين أكبر منتج لها في العالم.
ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تحقيقاً الثلاثاء عن مخاوف شركات صناعة الرقائق الإلكترونية وبعض المعدات العسكرية المتقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا من نقص في تلك المكونات التي تأتي أساساً من الصين يهدد تلك الصناعات.
وأدت القيود الصينية على تصدير تلك المعادن النادرة التي تكاد تحتكر إنتاجها عالمياً إلى تضاعف أسعارها في أوروبا على مدى العام الماضي على رغم أن بكين لم توقف التصدير، لكنها فرضت قيوداً على الصادرات لأسباب معلنة تتعلق بكفاية السوق المحلية وضمان وصولها لمصنعين في الخارج تسمح السلطات الصينية بالتصدير لهم، إلا أن قرار التقييد بالطبع كان رداً أولياً على عقوبات أميركية وغربية فرضت لمنع تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة وآلات إنتاجها إلى الصين.
وتسعى الصين إلى تطوير قطاع التكنولوجيا المتقدمة وخصوصاً صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، ومنها المستخدم في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتحرز بكين تقدما واضحاً في هذا المجال يكاد ينافس التقدم في أميركا والغرب.
هيمنة صينية
فرضت بكين أول تلك القيود العام الماضي معلنة أن ذلك من أجل حماية "الأمن القومي والمصالح الوطنية" الصينية، وتتعلق بشحنات عنصري الـ "جيرمانيوم" والـ "غاليوم"، وهما مكونان أساسان في صناعة الرقائق والمعالجات الإلكترونية وفي معدات بصرية عسكرية ومعدات اتصالات عسكرية متقدمة.
وبحسب تقرير "فايننشال تايمز" فإن تلك القيود وإجراءات أخرى على الصادرات من المعادن النادرة أعلنت في مايو/ أيار الماضي أظهرت مدى تحكم الصين في سلاسل الامداد لموارد حساسة عالمياً.
وتنتج الصين وحدها ما يصل إلى 98% من معدن الـ "غاليوم" حول العالم، و60% من معدن الـ "جيرمانيوم" بحسب أرقام وبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
وينقل التقرير عن أحد العاملين في منفذ أوروبي وهو من أكبر المستهلكين لمواد إنتاج أشباه الموصلات قوله إن "الوضع مع الصين حرج جداً، إنا نعتمد عليهم بصورة كاملة تقريباً"، مضيفاً "على رغم استمرار شحن كميات كبيرة من تلك العناصر النادرة من الصين إلا أن صادرات بكين منها انخفضت بمقدار النصف منذ بدء تطبيق تلك القيود".
ويرى المحللون أن تلك القيود على صادرات العناصر النادرة التي تعد مكونا مهماً وأساساً في إنتاج الرقائق الإلكترونية ومعالجات الكمبيوتر ومعدات عسكرية متقدمة تشير إلى استعداد حكومة الرئيس شي جينبينغ لاستهداف المصالح الاقتصادية الغربية رداً على القيود والعقوبات الغربية على وصول الصين إلى منتجات تكنولوجية متقدمة.
ويقول المسؤولون في أحد تلك المصانع الأوروبية إنه "إذا قرر الصينيون خفض صادراتهم من الـ 'غاليوم' كما فعلوا في النصف الأول من هذا العام، فسنستهلك كل المخزون لدينا وسيكون هناك نقص في تلك المواد اللازمة للإنتاج".
من جانبه قال مدير المعادن في شركة "تراديوم" لتجارة المعادن والعناصر ومقرها فرانكفورت بألمانيا جان غيس إن "كميات الـ 'غاليوم' والـ 'جيرمانيوم' التي تمكنت مجموعته التجارية من الحصول عليها في ظل برنامج التصاريح الجديد الذي فرضته الصين ليست سوى جزء ضئيل مما كنا نحصل عليه في السابق".
وأضاف، "تلك القيود على التصدير تسبب ضغطاً هائلاً على الكل خارج الصين وتضيف مزيداً من التعقيدات في الأسواق يصعب التغلب عليها أو الالتفاف حولها".
صعوبات واختناقات
ويستخدم هذان العنصران من المعادن النادرة في إنتاج المعالجات الدقيقة المتقدمة ومنتجات الألياف الضوئية ونظارات الرؤية الليلية، وبالتالي فإن استمرار التضييق على تصدير بكين لها يمكن أن يؤدي إلى اختناقات في إنتاج تلك المكونات المهمة للصناعات التقنية والعسكرية المتقدمة في الغرب.
في غضون ذلك أعلنت بكين في أغسطس/ آب الجاري قيوداً جديدة على تصدير معدن الـ "أنتيموني" الذي يستخدم في صناعة الذخيرة التي تخترق المدرعات ونظارات الرؤية الليلية العسكرية وعدسات تحديد الأهداف، وسبق أن فرضت الصين أيضاً قيوداً على تصدير الغرافيت والتكنولوجيا الصينية المستخدمة في استخراج المعادن النادرة وفصلها وتنقيتها.
وبحسب بيانات شركة "أرغوس" فقد ارتفعت أسعار معدن الـ "جيرمانيوم" منذ فرض القيود الصينية على الصادرات 52%، لتصل في الصين ذاتها إلى 2280 دولاراً للكيلو غرام.
وبحسب القيود الجديدة فإن حصول المصدرين الصينيين على تصريح تصدير هذه المعادن النادرة والحساسة إلى الخارج يحتاج إلى ما بين 30 و80 يوماً.
ويمكن للسلطات رفض التصريح بالتصدير لأسباب تراها متعلقة بالأمن القومي أو المصلحة الوطنية الصينية، ويشترط طلب التصريح توضيح الوجهة النهائية للصادرات من تلك المعادن والغرض الذي ستستخدم فيه.
ويلقي بعض المتعاملين في سوق تلك الموارد باللائمة على تخزين بكين كميات كبيرة منها باعتباره السبب في ارتفاع أسعارها، لكن بعض المحللين في الصين يقولون إن بكين تسعى إلى توفير ما يكفي من حاجات قطاع التكنولوجيا والصناعات العسكرية المحلية من تلك المواد قبل التصدير للخارج، وبالتالي فليس هناك تكديس غير مبرر لتلك المعادن بهذا الشكل الذي يستهدف التلاعب بالسوق ورفع الأسعار، وهدف الصين في النهاية هو "إرسال رسالة واضحة" للولايات المتحدة والغرب عموماً بأنها لن تتوانى عن اتخاذ إجراءات مضادة للقيود والعقوبات المفروضة عليها، خصوصاً بعد استجابة اليابان وهولندا لضغوط أميركية وفرض حظر على تصدير بعض معدات نتاج الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين.