توّجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأربعاء التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى السعودية، وهي أولى محطاته ضمن جولة خليجية تشمل قطر أيضاً.
وبحسب وزارة الخارجية الإيرانية فإن الهدف المعلن من هذه الجولة هو "تعزيز العلاقات مع دول الجوار وضمان الاستقرار والأمن وتطوير التعاون الاقتصادي".
ولأن الجولة تأتي في خضم توتر إقليمي على وقع الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان من جهة أخرى، وتوتر إسرائيلي إيراني متصاعد يحتمل أن يتطور لحرب شاملة، فهي ذات أهمية خاصة.
في هذا التقرير نستعرض الأبعاد السياسية والعسكرية ودلالات زيارة وزير الخارجية الإيراني للسعودية، وسط ترقب دولي للرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف إسرائيل مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ما الذي يسعى لتحقيقه عراقجي في الرياض؟
بعد انتهاء المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن وزيرا الخارجية أجريا مباحثات "مفيدة وبنّاءة" بشأن آخر التطورات في المنطقة خصوصاً في غزة ولبنان، حيث دعا الجانبان إلى وقف الحرب في غزة ولبنان، مؤكدين على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى النازحين.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، قد أعلن على منصة إكس أن عراقجي سيزور السعودية "تعزيزاً لجهودنا الدبلوماسية، وبالتنسيق مع دول المنطقة".
ويعتقد آبشناس أن "على دول المنطقة أن تتكاتف من أجل الضغط على الولايات المتحدة الطرف الوحيد القادر على إيقاف الجنون الإسرائيلي"، بحسب قوله.
ويرى عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية الدكتور محمد الحربي، في حديثه لبي بي سي، أن العنوان العريض لهذه الزيارة هو "خفض التصعيد".
ويشير الحربي إلى أن "جميع الأطراف بما فيها الولايات المتحدة في موقف متأزم"، ويؤكد على أن "السعودية تسعى لتحقيق تهدئة في المنطقة من خلال علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة والأطراف الدولية".
ممارسة الضغط على واشنطن لتقويض التصعيد الإسرائيلي، فقد كان للسعودية ذات الوزن السياسي، تأثيرات فاعلة في إيقاف حرب عام 2006 والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982".
"وحدة إقليمية في مواجهة إسرائيل"
وقبل توجهه إلى السعودية، أعلن وزير الخارجية الإيراني عن سعي بلاده "لتكوين حركة جماعية من دول المنطقة؛ لوقف الهجمات الوحشية في لبنان".
يعلق المحلل السياسي، عماد آبشناس، على هذا الشأن ويقول إن "أكبر مشاكل المنطقة هو تشتت الآراء بين دولها، وإذا ما تم توحيد الرأي فإن هناك أملاً في الوصول إلى حل دبلوماسي، وإلا فإن الحرب الشاملة ستحرق الجميع".
ويرد الخبير في الشأن الإيراني والعلاقات الدولية، هاني سليمان، بالقول إن "إيران لم تسع إلى تشكيل تحالف في أيام الهدوء، والآن تسعى لتصدير صورة وكأن لديها جبهة حشد عربية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا يؤكد على أمرين، الأول أن إيران تحاول الخروج من مأزق عصيب بشتى الطرق، والأمر الآخر أن الدور العربي فعّال خلال الأزمات المختلفة، فالدول العربية قادرة على ترميم ما تقوم به إيران".
أما المحلل السياسي، محمد الحربي، يشير إلى "رفض السعودية الدخول في أي تحالف موجه"، ويقول إن "بلاده تشارك فقط في تحالف دول مجلس التعاون الخليجي والتحالف الإسلامي الذي أقرته 42 دولة عربية وإسلامية".
ويعتقد المحلل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، أن إيران "تسعى لإقناع السعودية بتحريك منظمة التعاون الإسلامي للوقوف مع محور المقاومة، وهو المحور الذي سبق أن تأذت منه السعودية قبل غيرها".
الرد الإسرائيلي وتبعاته على دول الخليج
وتأتي زيارة عراقجي في ظل تأكيد طهران "على حقها في الرد الحازم على أي هجوم إسرائيلي على أراضيها".
ومطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، شنت إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل، رداً على مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، أواخر يوليو/تموز الماضي، بضربة نسبت إلى إسرائيل.
وفي هذا يقول المحلل السياسي الإيراني، عماد آبشناس، "لا تسعى إيران لشن حرب شاملة، لكنها أيضا قادرة عسكرياً على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة".
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، نقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني كبير قوله إن "طهران أبلغت دول الخليج العربية أن السماح باستخدام مجالها الجوي أو قواعدها العسكرية لشن هجمات على إيران سيكون غير مقبول، محذرة من أن حدوث ذلك سيؤدي إلى رد فعل".
سبق هذه التصريحات، موقف خليجي سعى لطمأنة إيران "بأن دول الخليج الجارة ستقف على الحياد في الصراع الإيراني الإسرائيلي". يعلق هنا آبشناس بالقول "إذا أعتقدت دول عربية أن حيادها في هذا الصراع قد يجنبها خطر الانخراط في حرب أوسع، فإنها بذلك تكون مخطئة".
ويشير آبشناس إلى أن إيران "ستستهدف أي قواعد عسكرية في أي منطقة تشن منها ضربات ضدها"، ولا يستبعد آبشناس أن "تستهدف إيران الطائرات في القواعد الأمريكية في دول الخليج حتى قبل أن تنطلق".
وهنا يشير المحلل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، إلى أن السعودية "لن تسمح بأن تكون منطلقاً أو ممراً للحرب على إيران، فلا توجد قواعد أمريكية ضخمة في البلاد، باستثناء فرق تدريب وصيانة في إطار التعاون الثنائي".
إلى أين تتجه العلاقات الإيرانية السعودية؟
يبدو أن إيران أرادت أيضاً من زيارة عراقجي للرياض إيصال رسالة مفادها أن العلاقات الثنائية تمضي في "الاتجاه الصحيح".
ووصف وزير الخارجية الإيراني، لحظة وصوله الرياض، العلاقات الإيرانية السعودية بأنها "آخذة بالنمو وتمضي باتجاه جيد".
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، التقى بالعاصمة القطرية الدوحة كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وهناك أعرب بزشكيان للأمير فيصل عن "ارتياحه للعلاقات المتنامية بين إيران والسعودية".
هذا التقارب والارتياح الإيراني يأتي بعد قطيعة دامت سبع سنوات، انتهت بمبادرة صينية أثمرت عام 2023 عن مصالحة إيرانية سعودية.
هل تنهي عودة العلاقات بين السعودية وإيران الأزمات الراهنة؟
يقول المحلل السياسي الإيراني، عماد آبشناس، إن "الولايات المتحدة وإسرائيل يسعان بشكل كبير جداً لعرقلة العلاقات الإيرانية السعودية، لكنني أعتقد أن السياسات الجديدة التي تنتهجها كل من الحكومة السعودية والإيرانية ستؤدي إلى تقارب كبير بين الجانبين".
ويرى الدكتور محمد الحربي أن العلاقات الثنائية أضحت "جيدة أو ممتازة"، ويعلل ذلك بأن "دول مجلس التعاون الخليجي لم تشهد منذ لحظة المصالحة السعودية الإيرانية أي توترات من جهة إيران أو عبر أذرعها في المنطقة"، في إشارة إلى جماعة أنصار الله الحوثية التي لم تستهدف السفن العربية في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويعتقد الحربي أن جميع ذلك دليل على "مصداقية إيران ورغبتها في علاقات متوازنة".
وبالنسبة للمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، فإن "السعودية قادرة على أن تمسك العصا من المنتصف، فلن تخسر حليفها الاستراتيجي الأمريكي، وفي الوقت نفسه لن تخسر علاقتها مع إيران؛ عبر تمسكها بمبدأ حل الدولتين وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية ورفض استخدام القوة في حل النزاعات".