انتحبت أسرة من غزة على أطفال لقوا حتفهم في غارة إسرائيلية بينما كانوا في طريقهم للعب كرة القدم، وسط قصف مكثف قالت السلطات الصحية الفلسطينية إنه قتل 44 شخصاً خلال الساعات الـ24 الماضية.
واستهدفت الغارة منطقة المواصي الساحلية الجنوبية التي لجأ إليها مئات الآلاف بعدما أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء مناطق كان يقصفها في حربه ضد حركة "حماس".
وقال محمد زنون أحد أقارب الأطفال القتلى "كان الأطفال الصغار يلعبون في المواصي التي قال عنها اليهود إنها مناطق آمنة، ما إن بدأوا باللعب حتى استهدفهم صاروخ".
وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة حصدت أرواح ما يزيد على 43 ألفاً مع تقديرات بوجود 10 آلاف آخرين تحت الأنقاض لم يتم إحصاؤهم.
وأفاد مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أمس الجمعة بأن نحو 70% من قتلى حرب غزة الذين تحققت منهم من النساء والأطفال.
ورفضت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في جنيف، حيث مقر المفوضية، التقرير الذي رأت أنه لا يعبر بدقة عن الحقائق على الأرض.
وقال مسعفون إن الغارات الجوية التي وقعت ليلاً وصباح اليوم السبت أدت أيضاً إلى مقتل أربعة فلسطينيين شرق مدينة غزة، بينهم صحافيان، وكذلك أربعة أشخاص في منزل في بيت لاهيا، وشخصين في خيمة عند مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
ولم يستجِب الجيش الإسرائيلي حتى الآن لطلب التعليق على الغارات على المناطق التي لجأ إليها النازحون.
شبح المجاعة
وحذر تقرير أعدّ بدعم من الأمم المتحدة اليوم من أن شبح المجاعة يخيم على مناطق شمال قطاع غزة مع ازدياد القصف والمعارك وتوقف المساعدات الغذائية تقريباً.
ونبهت لجنة مراجعة المجاعة في تقييمها من أن "احتمال حدوث المجاعة وشيك وكبير بسبب التدهور السريع للوضع في قطاع غزة"، وقال التقرير "ربما تم تجاوز عتبات المجاعة بالفعل أو سيتم ذلك في وقت قريب".
وتوقعت اللجنة في الـ17 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أن يصل عدد الأشخاص في غزة الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي بمستوى "كارثي" إلى 345 ألف شخص، أو 16% من السكان بين نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وأبريل/ نيسان من عام 2025.
وصنف تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ذلك على أنه المرحلة الخامسة من التصنيف، وهو الوضع الذي "تظهر فيه بوضوح (حالات) المجاعة والموت والعوز ومستويات سوء التغذية الحاد الحرجة للغاية".
وأفادت اللجنة بأنه منذ ذلك التقرير، ساءت الظروف في شمال غزة مع انهيار أنظمة الغذاء وتراجع المساعدات الإنسانية وظروف المياه والصرف الصحي والنظافة الحرجة.
وأضافت "يمكننا تالياً أن نفترض أن المجاعة وسوء التغذية والوفيات الزائدة بسبب سوء التغذية والمرض، ترتفع بسرعة في هذه المناطق".
وشكك الجيش الإسرائيلي في صدقية التقرير، وقال في بيان "تبين أن كل تقييمات لجنة مراجعة المجاعة خاطئة وغير متجانسة مقارنة بالوضع على الأرض"، مضيفاً أن
"الباحثين يواصلون ويا للأسف الاستناد إلى معطيات جزئية وخاطئة، وكذلك إلى مصادر مصطنعة لديها مصالح شخصية".
وأكد أن 39 ألف شاحنة تنقل أكثر من 840 ألف طن من المواد الغذائية دخلت قطاع غزة خلال الشهرين الأخيرين.
ومنذ السادس من أكتوبر الماضي، ينفذ الجيش الإسرائيلي هجوماً جوياً وبرياً في شمال غزة، خصوصاً في مناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، قائلاً إن الغرض منه منع مقاتلي "حماس" من إعادة رص صفوفهم.
وأورد التقرير أن شحنات المساعدات المسموح لها بدخول قطاع غزة أصبحت الآن أقل من أي وقت مضى منذ أكتوبر 2023.
وتزداد صعوبة الوصول إلى الغذاء مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق السوداء.
وقال التقرير إن غاز الطهو قفز بنسبة 2612% والديزل بنسبة 1315% والخشب بنسبة 250%.
وأضاف أنه "بالتزامن مع صعود أسعار المواد الأساسية بصورة كبيرة ومتزايدة، كان هناك انهيار كامل لسبل العيش إذ لا يمكن شراء أو مقايضة الغذاء والحاجات الأساسية الأخرى".
وأعربت اللجنة عن قلقها من قرار إسرائيل الشهر الماضي قطع علاقاتها مع وكالة "أونروا"، محذرة من "عواقب وخيمة للغاية على العمليات الإنسانية".
أعلن الدفاع المدني في غزة اليوم السبت، مقتل 14 فلسطينياً في الأقل بينهم نساء وأطفال، في غارتين إسرائيليتين استهدفتا مدرسة وخياماً تؤوي نازحين في القطاع، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي القضاء على عشرات المسلحين في شمال القطاع.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، إن غارة جوية استهدفت خياماً لنازحين فلسطينيين في خان يونس بجنوب القطاع مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص في الأقل بينهم نساء وأطفال.
وأكد الهلال الأحمر الفلسطيني الحصيلة، مشيراً إلى أن 11 شخصاً جرحوا في الغارة نقلوا إلى مستشفى ناصر.
وأسفرت غارة ثانية عن مقتل خمسة أشخاص بينهم أطفال وإصابة نحو 22 بجروح عندما قصفت طائرات حربية إسرائيلية مدرسة فهد الصباح التي "تؤوي آلاف النازحين" في حي التفاح في مدينة غزة، بحسب بصل. وأضاف أن القتلى والجرحى نقلوا إلى مستشفى المعمداني.
وضرب الجيش في الأشهر الأخيرة عدة مدارس تؤوي نازحين، إذ تفيد إسرائيل بأن مسلحين فلسطينيين ينشطون.
من الشمال إلى الجنوب
في الأثناء، أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنوده قتلوا "عشرات الإرهابيين" في منطقة جباليا في شمال غزة حيث ينفذ عملية جوية وبرية واسعة منذ أكثر من شهر لمنع "حماس" من إعادة تنظيم صفوفها.
وقتلت القوات الإسرائيلية عدداً من المسلحين في رفح في جنوب القطاع، بحسب الجيش.
وينخرط الجيش الإسرائيلي حالياً في حرب على جبهتي لبنان حيث تقاتل قواته "حزب الله" وغزة حيث ينفذ عمليات ضد "حماس".
وقال الجيش في بيان "خلال اليوم الماضي ضربت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 50 هدفاً إرهابياً في لبنان وقطاع غزة". وأضاف أن "من بين الأهداف التي تم ضربها مباني عسكرية ومنشآت لتخزين الأسلحة وقاذفات".
واندلعت حرب غزة بعد الهجوم الذي نفذه عناصر "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأسفر عن مقتل 1206 أشخاص غالبيتهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية يستند لمعطيات رسمية ويشمل الرهائن الذين لقوا حتفهم لاحقاً، كما خطف خلال الهجوم 251 شخصاً لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة. ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.
وتشن إسرائيل منذ ذلك الحين حملة قصف مركز وعمليات برية في قطاع غزة، مما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 43508 فلسطينيين، معظمهم نساء وأطفال، وفق أحدث بيانات وزارة الصحة في القطاع وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
"طرد حماس"
قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لـ"رويترز" أمس الجمعة إن الولايات المتحدة أبلغت قطر بأن وجود "حماس" في الدوحة لم يعد مقبولاً.
وأضاف المسؤول الأميركي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، "بعد رفض حماس المقترحات المتكررة للإفراج عن الرهائن في غزة، لم يعد من الممكن الترحيب بقادتها في عواصم أي شريك للولايات المتحدة، أوضحنا ذلك لقطر في أعقاب رفض ’حماس‘ قبل أسابيع مقترحاً آخر للإفراج عن الرهائن". مشيراً إلى أن قطر قدمت هذا الطلب لقادة "حماس" قبل نحو 10 أيام.
ولعبت قطر إلى جانب الولايات المتحدة ومصر دوراً رئيساً في جولات المحادثات غير المثمرة حتى الآن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الدائرة منذ عام في غزة.
وفشلت الجولة الأخيرة من المحادثات في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في التوصل إلى اتفاق، إذ رفضت "حماس" اقتراح وقف إطلاق نار قصير الأمد.
وكانت واشنطن على اتصال بقطر في شأن موعد إغلاق المكتب السياسي للحركة، وأبلغت الدوحة أن الوقت قد حان الآن.
ونفى ثلاثة مسؤولين في "حماس" أن تكون قطر قد أبلغت قادة الحركة بأنهم لم يعودوا موضع ترحيب في البلاد.
ولم يرد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية على الفور على طلب للتعقيب. ولم يتضح بعد ما إذا كان القطريون قدموا مهلة محددة لقادة "حماس" لمغادرة البلاد.
محاولة أخيرة
تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الجمعة مع نظيريه في السعودية والإمارات في إطار مواصلة إدارة بايدن التي توشك ولايتها على الانقضاء جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاقات لإنهاء صراعي إسرائيل في غزة ولبنان.
وقال مسؤولون أمريكيون إنهم سيبذلون جهداً أخيراً للتوصل إلى صفقات في الصراعات، لكن لم يتضح مدى النفوذ الذي يتمتعون به على إسرائيل والجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة التي تتحول أنظارها الآن إلى الإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترمب.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض ماثيو ميلر إن بلينكن أكد في اتصالاته الجمعة رغبة الإدارة المستمرة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن وحسم الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان دبلوماسياً، فضلاً عن مناقشة الصراع في السودان.
وأضاف ميلر أن بلينكن ناقش في مكالمته مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود "جهود التوصل إلى إطلاق سراح الرهائن ورسم مسار يسمح للفلسطينيين في غزة بإعادة بناء حياتهم وتعزيز الحوكمة والأمن وإعادة الإعمار".
وقال ميلر إن بلينكن ناقش مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات "جهود التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان يسمح للمدنيين على جانبي الخط الأزرق بالعودة إلى منازلهم".
وتحدث بلينكن الخميس أيضًا مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو حول هذه الجهود.
مكالمة تعارفية
بدوره، بحث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في أول اتصال هاتفي له مع نظيره الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس الجمعة الحرب في لبنان وغزة، وفق ما أعلن "البنتاغون".
وأدى وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس اليمين الدستورية أمام البرلمان ليل الخميس الجمعة، بعد يومين من الإقالة المفاجئة لسلفه يوآف غالانت.
وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال بات رايدر في بيان إن أوستن "أجرى مكالمة تعارفية مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس هنأه فيها على تعيينه".
وأضاف رايدر أن أوستن أبلغ كاتس التزام واشنطن التوصل إلى اتفاق يسمح للمواطنين اللبنانيين والإسرائيليين النازحين بعد أكثر من عام على اندلاع العنف عبر الحدود بين البلدين بالعودة إلى منازلهم، وكذلك بعودة الرهائن الذين خطفتهم "حماس".
وناقش وزير الدفاع الأمريكي أيضاً "الحاجة إلى تحسين الظروف الإنسانية المزرية في غزة"، بعد إبلاغه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن في وقت سابق من هذا الشهر إسرائيل بضرورة السماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى القطاع.
"سلام عادل وشامل"
من جانب آخر، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الجمعة عن استعداده للعمل من أجل تحقيق "سلام عادل وشامل"، وفق بيان صادر عن مكتبه.
وتأتي عودة ترمب إلى البيت الأبيض في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حالة اضطراب عقب الحرب التي اندلعت في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد هجوم حركة "حماس" الدامي وغير المسبوق على إسرائيل.