18 إبريل 2025
20 نوفمبر 2024
يمن فريدم-خاص-فاطمة العنسي


يعتبر المسرح خشبة تنطلق منه السلام وتعزيز التعايش، ومكانا يستقبل منه الجمهور رسائله بكل إيجابية وسرورـ ولأن اليمن كان السباق في احتضان فن المسرح ـ كما يقول سعيد العولقي ـ في كتابه " سبعون عاما من المسرح في اليمن"، "كان لازما أن يبقى المسرح قائما حتى في أصعب الظروف".

في تعز يواجه العمل المسرحي تحديات جمة، أهمها الوضع الأمني والاقتصادي، ناهيك عن التدهور في البنية التحتية، بيد أن أصواته لم تنتهِ بعد، مازال بصيص الأمل موجود.

المسرح وتعزيز التعايش


لا يمكن أن نفعل عن الدور الكبير الذي تقوم به المسارح في تعزيز التعايش بين الشعوب، قديما أنشئت المسارح من أجل معالجة القضايا الاجتماعية، توعية الناس، إرساء قيم معينة، وغيرها ولأن المجتمعات كانت تسودها الأمية والأمراض فإن المسرح أفضل باب للدخول إليهم. حسب قول عبير اليوسفي.

وتضيف اليوسفي ـ كاتبة وصحفية مهتمة بالشأن الثقافي لـ "يمن فريدم": "المسرح هو نافذة يطل من خلالها على ثقافة المجتمعات ووعيها، وعليه يمكن استكشاف التجارب الإنسانية والتعبير عن القضايا التي تشغله، ونحن في ظل الحروب لاسيما في تعز أحوج بتفعيله، وتعزيز قيم التعايش من خلاله"، لافته انها تجربة فنية تتجاوز اللغة والثقافة وتتمكن من نشر الوعي في بعض القضايا الحساسة بطريقة فنية محببة للجمهور.


وتشير إلى أن غياب المسرح ساهم في نقص التكوين الثقافي للمجتمع اليمني، من خلال توفير مساحة حرة تطرح من خلالها قضاياه وهمومه، ولردم هذا الفراغ الذي يتركه ـ وفق حديثها ـ فإنه يتطلب جهود مكثفة من مؤسسات الدولة والجمعيات الثقافية لإعادة تأهيل وتفعيل المسرح في تعز.

وتختتم: "يتطلب اهتماماً أكبر من الجمهور، عبر دعم الفنون المسرحية بمختلف ألوانها، وتشجيع المبادرات التي تعمل على إحياء هذا الفن، بما يعزز الوعي الاجتماعي والفني ويعيد للمسرح مكانته كمنصة ثقافية مهمة تعزز التواصل الاجتماعي والتعايش".

شبه توقف

ويعزو مدير مكتب الثقافة والفنون في تعز عبدالله العليمي، أسباب توقف المسرح إلى عده عوامل منها، تدهور الوضع الأمني، تدني الاقتصاد، تدمير بعض المنشآت الثقافية بفعل الحرب، وانعدام التمويل المخصص.

يقول العليمي لـ "يمن فريدم": "القطاع الثقافي في تعز يعاني من نقص حاد في التمويل الحكومي، هناك أولويات لديها نتيجة الوضع الراهن، كما أن الانقسامات الراهنة أثرت في تخصيص الموارد، برغم أهمية هذا القطاع في إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب".

لا يمكن الحديث عن عادات وتقاليد معارضة للمسرح والفن فلطالما كانت تعز قبلة ثقافية وفنية لليمن ككل، وهو حال اتصف به اليمن عموما، غير أن أصوات جديدة انتجتها الحرب أفرزت أصوات متطرفة تنظر للمسرح والفنون نظرة دونية حيث ينظر البعض إلى المسرح والفنون بشكل عام من منظور ضيق، مما يضع حواجز أمام انتشار الفنون المسرحية. وفق حديث العليمي.

محاولات فردية

يتطرق العليمي إلى بروز محاولات فردية وجماعية لإحياء المسرح سواء من قبل فنانين الذين قدموا عروضا صغيرة في مناسبات ثقافية او من قبل مؤسسات ثقافية تسعى لتنشيط الحياة الفنية كمؤسسة الجند.

وعن دور مكتب الثقافة في المحافظة يقول: "نعمل على احياء المسرح من خلال تضمينه خلال الفعاليات المناسباتية والثقافية التي نحييها عادة"، ويضيف: "يحتفظ المكتب بخطط ومشاريع من شأنها احياء المسرح والفعل الفني عموما في حال توفرت الإمكانيات المناسبة للتنفيذ".

مسرح الجند

يقدم مسرح الجند نشاطا ثقافيا ترفيهيا في المحافظة، فمنذ تأسيسه في 2023، أنتج قرابة 12 مسرحية تنوع أبطالها هناك من أتوا من خارج المحافظة وهناك وجوه جديدة برزت للساحة الفنية كان المسرح انطلاقتها الأولى. حسب حديث المدير العام لشركة الجند عماد القدسي.

خلال بحث محرر المادة حول المسرح في تعز تبين وجود عشرات الفرق المسرحية الخاصة بالجامعة أو بعض المدارس، وهناك فرق مسجلة لدى مكتب الثقافة، بيد أن نشاطها موسمي أو في حال وجود مهرجانات معينة، أو مسابقات.

في هذا الصدد يقول القدسي لـ "يمن فريدم": "نشاطنا أوسع من الفرق المسرحية وننظم مسرحيات ترفيهية للجمهور مستعينين بمواهب صاعدة من هذه الفرق المسرحية الصغيرة المتواجدة في الجامعات".

"ما ألت إليه البلاد من صراع وما نتج عنه من اختلاف وعنصرية، كان لابد أن يكون في المقابل نشاط ثقافي يعمل على انقاذ من تبقى وخلق السلام المجتمعي من خلال توجيه رسائل هادفه تعيد لحمه الصف والوطن، المسرح يساهم على ترسيخ مبادئ الحياة والحقوق الاجتماعية التي بدأت تندثر وتتلاشى، وتعمل على بث رسائل التعايش والسلام بقوالب كوميدية درامية تصل إلى الجمهور بتلقائية". حد قول القدسي.

تقف مشكلة وجود قاعة مسرحية عائق أمام الشركة، إذ لا يوجد في المدينة سوى قاعة منتزه التعاون الذي عادتا ما يكون محجوزا، الكهرباء، عدم وجود كتاب مسرح، وكوارد فنية مؤهلة، ومخرجي مسرح، بالإضافة إلى العائق المادي جلها تحديات تقف عائقا أمام انتاج مسرحيات.

تسعى الشركة الى تأهيل كتاب جدد، وممثلين صاعدين، وفنيين، والاستمرار في إنتاج مسرحيات تمثيلية تصل إلى 24 مسرحية خلال العام القادم. كما يصرح مديرها.

تعز والمسارح

يقول الكاتب والناقد محمد الكرامي، إن تطور المسرح في تعز ترافق مع تأسيس فرقة تعز للفنون المسرحية والموسيقية في سبعينات القرن الماضي، واستمر نشاطها بجهود مؤسسيها عبدالكريم الحالمي وفريد الظاهري وفؤاد الظاهري وصفوت الغشم وهو الجيل الذي تخرّج من مدرسة الشعب، وكما هو الحال في كل اليمن.

ويرى الكارمي وهو مؤلف كتاب " تاريخ الرقابة والقمع على المسرح في اليمن"، لـ "يمن فريدم، "أن اهمال الدولة للفن المسرحي وعدم رعاية النشاطات الثقافية، ناهيك عن عدم وجود اكاديميات او معاهد لدراسة وتأهيل الكوادر في المسرح جعله نشاط موسمي متصلا بالمبادرات المحلية وبعض الجهات الإعلامية".

تُعدُّ مدينة تعز من أوائل المدن التي تحررت من ثقل العادات والتقاليد ـ حسب حديث الكارمي، إذ بدأ نشاط المسرح في شمال اليمن من أرياف تعز، وكانت أول مدينة تستضيف نساء ورجال على خشبة المسرح، ولاحقًا استفادت المدينة من الكادر المسرحي العربي مثل إميل جرجس وحسين الأسمر، ولكن الاضطرابات السياسية في أوقات كثيرة ساهمت في إغلاقه نشاط المسرح، وتهميش جهود المسرحيين الأوائل في خلق حراك مسرحي.

لافتا، انتعاش المسرح في تعز وكل اليمن في منتصف العقد الأول منّ الألفية الجديدة، بعد إقامة مؤسسة السينما والمسرح، ومن ثم تدشين صنعاء كعاصمة الثقافة، وصولا إلى صعود المنظمات غير الحكومية، بحيث مولت العديد من المسرحيات وورش التدريب، خصوصا التي تتعلق بقضايا النساء والطفولة وغيره.

حلول

من وجه نظر مدير مكتب الثقافة العليمي فإن التوفير المالي واللوجستي اللازم للقطاع الثقافي من الجهات الحكومية والمجتمع المدني، ضروري لدعم خطط ومشاريع مكتب الثقافة في دعم المسرح لاسيما المدرسي واكتشاف المواهب.

بالإضافة إلى ترميم وتأهيل المنشآت الثقافية المتضررة، الاستثمار في تدريب الكوادر المسرحية الشابة وتشجيعهم على الإبداع، تفعيل وتنشيط المبادرات التوعوية الشبابية المتعلقة بالفنون المسرحية كجزء من الهوية الثقافية.

ويقول: "محاولات تقوم بها بعض الشركات الإعلامية في إقامة مسرحيات فنية، بيد ان الظروف الاقتصادية وعدم وجود حوافز تشجيعية وترويجية تحول دون الاقبال الكبير لها، كذلك هناك مسرحيات طلابية مرتبطة بأنشطة احتفالية لبعض المدارس بين الحين والآخر، محاولات بسيطة لكنها تبقى شمعة الأمل مشتعلة".
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI