تقارب سعودي إيراني بعد قطيعة استمرت سنوات من العداء، يحدث تغييرا في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين أبرز أقطاب المنطقة الأكثر تنافسا وتنافرا في المنطقة.
التقارب الذي توسطت من أجله الصين جاء في ظروف جيوسياسية متوترة، قبيل بدء عهد إدارة أميركية جديدة تعهدت بتحقيق السلام في المنطقة، وسط تساؤلات حول موقع طهران في المعادلة.
وناقش برنامج "حديث الخليج " لذي تبثه شاشة قناة "الحرة" الأربعاء ملف العلاقات السعودية الإيرانية، وما إذا كنا سنشهد مرحلة جديدة من العلاقات، أم سيستمر العداء والمنافسة بينهما.
يحيى عسيري، الناشط السياسي والحقوقي السعودي المقيم في لندن قال إن التقارب السعودي الإيراني "خطوة إيجابية"، رغم أنها "تأخرت كثيرا".
ويرى عسيري وهو عضو مؤسس في حزب التجمع الوطني أن التنافس السعودي الإيراني يجب أن يكون أجل تعزيز حقوق الإنسان في المنطقة، وليس الدخول في صراعات تدمر المنطقة.
ما بين "التقارب" و"الاحتواء الاستراتيجي"
الخبير العسكري والسياسي السعودي، محمد بن صالح الحربي تحدث عن مسار المفاوضات بين طهران والرياض لأشهر، والتي احتضنتها عدة عواصم عربية، والذي انتهى بوساطة وضمانة صينية.
ويرجح أن يشهد تنفيذ الاتفاقية التي وقعت في مارس من 2023 تسارعا خلال الفترة المقبلة، والتي يتوقع أن تفضي إلى نوع من "التقارب، والاحتواء الاستراتيجي"، مشيرا إلى أهميته في هذه المرحلة التي تعيشها المنطقة.
وذكر الحربي أنه من بعد توقيع الاتفاقية شهدنا أثرها حتى على "أذرع إيران الإرهابية" في المنطقة، إذ رأينا "خفوتها" من خلال الأحداث المتلاحقة، ناهيك عن أن طهران في "وضع اقتصادي مضغوط جدا".
دروس من التقارب السعودي الإيراني
التقارب السعودي مع إيران رغم أنه خطوة إيجابية، إلا أنه يكشف أن القرارات السعودية "متسرعة، وغير مبنية على دراسات" في إشارة إلى القطيعة التي كانت بين البلدين، على ما يؤكد الناشط عسيري.
وأضاف أنه وفي فترات سابقة عندما علت الأصوات التي تدعم التقارب بين الرياض وطهران كان ولي العهد السعودي يصرح "أنه لا يمكن التفاهم مع إيران".
وتابع عسيري أن إيران دولة جوار وأي خلافات "يجب أن تحل على طاولة المفاوضات" وليس من خلال الحروب بالوكالة أكان في "اليمن أو سوريا أو لبنان"، مشيرا إلى أن النظام السعودي عليه بناء العلاقات مع الدول بحسب "ما يريده الشعب أولا، وبحسب ما يقوله الخبراء" ثانيا، وليس تبعا "لمزاج الحاكم، والرغبات" الشخصية.
هل تثق الرياض بطهران؟
من جانبه يرى الخبير السياسي، الحربي أنه وسط التغييرات التي يشهدها النظام العالمي، يحتاج الجميع إلى إعادة تقييم العلاقات البينية، مشيرا إلى أن هناك ضمانة صينية يمكن للرياض التعويل عليها للوثوق بطهران، منوها إلى أن بكين هي الشريك التجاري الأول لكل منهما.
ويعتقد أن إيران الآن "لا يوجد لديها خيارات مع الضربات الإسرائيلية على أذرعها، وتهاوي ذراعها الرئيسي حزب الله، في ضربات قاتلة، ولهذا إيران تحتاج لتعود وتصبح لاعبا رئيسيا في المنطقة" خاصة في ظل ترقب الإدارة الأميركية الجديدة.
وأكد الحربي أن الجميع في المنطقة "يترقب المشهد"، وحتى الآن إيران ملتزمة بجميع بنود الاتفاق مع السعودية.
الدعم الإيراني للحوثيين
وقال الناشط عسيري، إنه لا بد من "دفع الأشقاء في اليمن إلى الحوار من أجل بناء دولة ديمقراطية"، مؤكدا أنه لا دولة يمكنها "فرض فصيلا معينا على اليمنيين بغض النظر عن بقية الفصائل".
ويرى أن السعودية وإيران عليهما التعاون في مساعدة اليمنيين "على بناء دولتهم"، وعدم الانخراط في "تفتيت" بدعم فصائل متحاربة تحاول السيطرة بقوة السلاح.
ووصف الصراع في اليمن، وبتدخل السعودية وإيران بأنه "مدمر للمنطقة"، وقال "إن السلطات السعودية لا يمكنها جلب الشرعية لليمن إذا لم تستطع جلبها في بلادنا"، مشيرا إلى أن السعودية تعاني "من انعدام الشرعية والقمع والفساد"، والحالة ذاتها تنطبق على إيران أيضا.
التطبيع مع إسرائيل
ويؤكد الخبير السياسي الحربي أن السعودية أكدت في تصريحاتها على جميع المستويات، أنه لا تطبيع مع إسرائيل من دول "حل الدولتين".
وأشار إلى أن السعودية وقيادتها أصبحت "محورية" في المنطقة والعالم، حيث يقود ولي العهد المملكة إلى "تنمية مستدامة".
وقال إن الرياض تمارس العديد من الضغوط الدولية من أجل الدفع بتهدئة ما يحصل في المنطقة، مشيرا إلى حالة من الترقب للإدارة الأميركية المقبلة.
ويعتقد الحربي أن إيران أيضا في الظرف الحالي قد تكون "مهيأة لوقف حروبها" إذ لم تحقق سوى "الدمار".
في الانتظار
مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية في لندن، علي نوري زاده يرى أن "النظام الإيراني استفاد كثيرا من المصالحة مع السعودية، بينما لا تزال الحرب في اليمن قائمة، والحوثي يواصل أعماله في المنطقة، ناهيك عن عدم تقديم طهران لأي تنازلات في لبنان أو غزة".
ويعتقد أن هذا ما يجعل الرياض حتى الآن "لا تثق بنوايا إيران"، وهو ما قد يدفعها إلى أن تبقى متأهبة لـ "مزيد من الوقت" للتأكد من ذلك.
وذكر زاده أن العلاقات السعودية الإيراني في مراحل معينة كانت "متميزة" لكن الوضع تغير، ولهذا تريد السعودية "الانتظار" للتأكد من أن ما يوجد على الورق في الاتفاقية سيصبح واقعا.
ويؤكد أن الملف اللبناني، قد يكون الأول الذي تنتظر السعودية ودول الخليج تحقيق تقدم فيه من قبل الجانب الإيراني، بخروج طهران من المشهد هناك، مشيرا إلى أنه قبل التدخلات الإيرانية "كانت لبنان بلد حريات وسياحة، والآن هي من أفقر الدول".
الضمانات الإيرانية
ويرى زاده أن أول شيء على إيران أن تفعله لتعزيز الضمانات بعلاقاتها مع السعودية ودول المنطقة "بأن تتوقف طهران عن التدخل في شؤون الدول العربية".
وقال "هناك مصالح إقليمية لإيران" ومثلما "لا تريد طهران قيادة معادية لها في العراق، أيضا السعودية لا تريد قيادة معادية لها في اليمن".
وفي المقابل يؤكد زاده أن السعودية يمكنها أن تضغط على الإمارات بخصوص موضوع "الجزر الإيرانية" في إشارة إلى جزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وجزيرة أبو موسى، مشددا أنها "جزر إيرانية منذ أبد الأبد".
الموقف الأمريكي من التقارب
المحلل السياسي، نبيل ميخائيل المقيم واشنطن قال إن الولايات المتحدة "ملتزمة بالدفاع عن منطقة الخليج"، وأي اعتداء على المنطقة يمثل اعتداء على المصالح الأمريكية.
وزاد أن الإدارات الأمريكية على اختلافها تلتزم بالدفاع عن المنطقة، مع "اختلاف الأسلوب".
وأشار ميخائيل إلى وجود تيارين في واشنطن والموقف تجاه إيران، إذ يوجد من يريد التعامل بحزم معها وتطبيق "أقصى العقوبات"، ومن يريد التهدئة معها لدفعها إلى التعاون والتهدئة وحل بعض الصراعات الإقليمية.
ويعتقد أن التعاون السعودي الإيراني سيستمر ولن يؤثر على العلاقات الأميركية الخليجية، مشيرا إلى أن الإدارة المقبلة "قد تبرم صفقات تسلح كبيرة" مع هذه الدول.
ويؤكد أن ما يقلق واشنطن في هذا التقارب، أنه تم بوساطة صينية، وهو ما قد يدفع واشنطن لإرسال رسائل تحذيرية من السياسات الصينية الاقتصادية التي قد تستهدف إغراق اقتصادات المنطقة.