18 ديسمبر 2024
8 ديسمبر 2024
يمن فريدم-فرانس برس


وراء صورة رجل هادئ الطباع ومبتسم غالباً تنقلها كاميرات الصحافيين، يبقى رئيس النظام السوري بشار الأسد الحاكم الذي قاد حرباً بلا هوادة على مدى 13 عاماً داخل بلاده تسببت بدمارها واستنزاف مقدراتها، بعد قمع دام لشريحة واسعة من شعبه طالبت بالحرية.

وفي خضم ما وُصف بأنه إحدى أكثر الحروب عنفاً منذ بداية القرن الـ21، لم يبد الأسد منذ عام 2011 أية علامات تردد أو تراجع في مواجهة معارضيه. لكن منذ الـ27 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تبدو سلطته أمام العالم مزعزعة وضعيفة في مواجهة هجوم مباغت ينفذه تحالف من فصائل معارضة غالبيتها إسلامية، نجم عنه خسارة قواته لمناطق عدة بسرعة مذهلة بينها مدينتان رئيستان هما حلب وحمص خلال أسبوع واحد، قبل أن تنتقل العدوى إلى مجموعات أخرى محلية معارضة سيطرت بدورها على مدينتي دير الزور ودرعا ومحيطهما.

عيون وابتسامات غامضة

كثيراً ما قدم الأسد نفسه حامياً للأقليات وحصناً ضد التطرف والفوضى، وحظي بدعم من روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني في النزاع مكنه من استعادة السيطرة على الأرض اعتباراً من عام 2015، بعد أن كانت قواته خسرت أجزاء واسعة من الأراضي السورية.

وباستثناء صور قليلة له بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند نقاط أو حواجز أمنية، يظهر الأسد دائماً بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة ببزات رسمية وربطة عنق.

وفي اجتماعاته الرسمية وخلال استقباله ضيوفاً في المقابلات أو حتى خلال تفقده الجبهات في أشد أعوام النزاع عنفاً، يتكلم بشار الأسد طبيب العيون السابق البالغ من العمر 59 سنة دائماً بنبرة هادئة ولكن حازمة، تتخللها لحظات توقف وابتسامات غامضة.

وصل إلى الحكم عام 2000، وخلال أعوام النزاع نظمت انتخابات رئاسية أكثر من مرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وأُعيد انتخابه في كل مرة بانتخابات كانت محور انتقادات وتساؤلات حول نزاهتها من دول عدة.

ويقول صحافي ممن التقوا بشار الأسد أكثر من مرة قبل الحرب وخلالها لوكالة الصحافة الفرنسية "بشار الأسد شخصية فريدة ومركبة. في كل مرة التقيته كان هادئاً وغير متوتر حتى في أشد لحظات الحرب الحرجة والقاسية، وهذه تماماً صفات والده" حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة 30 عاماً.

ويضيف "استطاع أن يكون الرجل الذي لا يستطيع أن يستغني عنه أحد"، مضيفاً "قد يكون من السهل ترتيب الأوراق، لكن في السياسة بشار الأسد أتقن لعبة خلط الأوراق".

وورث الأسد الابن عن والده الراحل كما يكرر عارفوه الطباع الباردة والشخصية الغامضة. وتتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دوراً أساساً في "صموده" في وجه "الثورة" التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها ثم "العزلة" العربية والدولية التي بدأت تنفك منذ أعوام عندما تمكن من البقاء في منصبه.

صورة مع الأسد

كان والده حافظ الأسد زعيم حزب البعث الموجود في السلطة منذ أكثر من 50 عاماً، وفرض في سوريا نظاماً أمنياً مشدداً أمكن من خلاله سجن أي شخص لمجرد الشك في ولائه.

تبدلت حياة بشار الأسد بصورة جذرية عام 1994 إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفاً لوالده، في حادثة سير قرب دمشق.

واضطر للعودة من لندن حيث كان يتخصص في طب العيون، وحيث تعرف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية وتحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف "جي بي مورغان" في حي المال والأعمال بلندن.

وقبل الانتفاضة الشعبية، لقبت أسماء الأسد بـ"وردة الصحراء"، ثم شبهت بعد الثورة بماري أنطوانيت.

والتحق الأسد بالسلك العسكري وتدرب على يد والده على الملفات السياسية.

وبعد وفاة والده عام 2000، أصبح بشار الأسد وهو في الـ34 من العمر رئيساً من طريق استفتاء لم يشهد أية معارضة.

وفي بدايات عهده ضخ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع، فسمح بإقامة ندوات ثقافية ونقاشات سياسية. لكن هذه الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أغلقت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عرف وقتها بـ"ربيع دمشق".

قبل اندلاع النزاع اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع يقود سيارته بنفسه ويرتاد المطاعم مع زوجته. وحتى الآن يعلق عديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صوراً شخصية لهم مع الأسد أثناء زياراته.

وفي عام 2011 ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، أعطى الأوامر بقمع المتظاهرين السلميين وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً سرعان ما تعددت جبهاته ولاعبوه.

وعلى رغم انشقاقات كثيرة عن الأجهزة الأمنية سجلت في بداية النزاع، بقي الجيش وفياً له. وأودى النزاع بأكثر من 500 ألف شخص وهجر وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوى مناطق كاملة بالأرض.

وظل متماسكاً بينما كان يكرر ما قاله منذ العام الأول للنزاع بأن بلاده ستخرج "منتصرة" بمواجهة ما وصفها بـ"مؤامرة"، نسجتها قوى خارجية ضدها.

وبعد بدء هجوم الفصائل المسلحة خلال الـ27 من نوفمبر الماضي كرر الأسد هذه القناعة، مندداً بـ"التصعيد الإرهابي" الذي قال إنه يهدف إلى "محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وإعادة رسم الخرائط من جديد".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI