لم يستوعبوا ما يجري. بعضهم نسي لماذا سُجن. وهناك من نسي حتى اسمه!
مشاهد كشفت عنها مقاطع فيديو لسجناء سوريين خرجوا من زنازينهم مع سقوط نظام بشار الأسد.
إنها "أحشاء النظام" التي ظهرت للعلن بعد سقوطه، يقول الضابط المنشق عن الجيش السوري، عبد الناصر العايد.
وتقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن 150 ألف شخص إما قبعوا في مراكز الاعتقال أو السجون أو كانوا ضحايا حالات اختفاء قسري، وفق حصيلة من عام 2020.
يقول أحد السجناء المحررين وهو يبلغ 60 سنة، وصوته يرتعد مشفقا على ما عاشه تحت نير النظام "أنا أول كف أكلته في عام 1964"، مشيرا إلى أنه دخل السجن وعمره لم يتعدَّ 14 سنة ليخرج منه قبل أيام فقط، شيخا ضعيفا.
كانت ضريبة سقوط الأسد ثقيلة للغاية على شرائح واسعة من السوريين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ظل ينتظر الفرج وراء ظلام دامس وزنازين تقصم الظهر.
بين المقاطع التي لاقت انتشارا واسعا على المنصات الاجتماعية، تلك التي نشرها معارضون مسلحون لسجين محرر لم يستطع حتى تذكر اسمه، وأخرى لسجينات لم يفكرن حتى بمغادرة الزنازين من شدة الخوف.
مقطع فيديو آخر أظهر شبانا محررين كشفوا أن موعد إعدامهم كان مبرمجا اليوم، لولا تحريرهم على يد المعارضة.
يقول الضابط المنشق عن الجيش السوري عبد الناصر العايد، لموقع "الحرة"، إن الفيديوهات التي تمت مشاركتها "حتى أبشعها" وفق وصفه، لا تعطي إلا صورة جزئية من حقيقة وضع حقوق الإنسان في سوريا تحت "نظام آل الأسد".
صورة الطفل التي ظهرت في أحد المقاطع، والرجل المسن الذي كشف أنه قضى أكثر من 40 عاما في سجون النظام، تلخص الفترة الزمنية الظلامية التي عرفتها سوريا خلال تاريخها الحديث في ظل نظام قمع للحريات والحقوق، وفق العايد.
يقول "هناك نساء دخلن السجن وهن مراهقات وعازبات، وتبين فيما بعد أنهن تعرضن للاغتصاب"، ثم يضيف "بعضهن خرجن من السجن ولا تعرفن نسبا لأطفالهن" في إشارة إلى عمليات الاغتصاب التي سبق وأن كشفتها تحقيقات منظمات حقوقية دولية.
حقوق الإنسان!
"حقوق الإنسان مفردة ملغية، ما في إنسان" بهذه العبارة لخص العايد وضعية حقوق الإنسان خلال عهد النظام السوري.
يقول المتحدث أيضا إن الشعب السوري عموما كان مثل العبيد في العصور الوسطى، "بمزرعة السيد" وفق تعبيره، مشيرا إلى آلية عمل جهاز المخابرات الذي كان لا يحتكم لأي قانون أو دستور، قائلا إنه كان مسموحا "للجهاز" أن يقوم بأي شيء دونما رقيب أو حسيب.
حقوق الإنسان في عهد الأسد، سواء في فترة حكم حافظ الأسد (1970-2000) أو ابنه بشار (2000-2024)، شهدت انتهاكات واسعة النطاق في عدة مجالات، حيث كانت السلطة الحاكمة تستخدم أساليب قمعية للحفاظ على حكمها وتصفية أي معارضة.
شهدت تلك الفترة (1970-2024) أشكالا من التعذيب والاعتقالات التعسفية، والاغتيالات والاختفاء القسري، وكذا محاصرة الحريات الفردية والجماعية سواء السياسية منها أو الدينية والثقافية.
ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011، استخدم النظام السوري القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، منها القصف العشوائي، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب.
واستمرت الحكومة في إخضاع عشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك صحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومحامون، ونشطاء سياسيون، للاختفاء القسري، وظلَّ كثيرون منهم مخفيين لأكثر من 10 سنوات.
ووفقا لما ذكرته لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، فقد واصلت قوات الحكومة اعتقال واحتجاز أشخاص بشكل تعسفي، بما في ذلك "بطرق منها تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية لقمع انتقاد الخدمات أو السياسات الحكومية".
صيدنايا، تدمر.. السويداء.. سجون الأسد التي رهنت أحلام التحرر لعقود
عرف عن نظام الأسد في سوريا استخدامه لعدد من السجون التي ارتبطت بتعذيب المعتقلين واحتجازهم بشكل غير قانوني، أبرزها سجن صيدنايا، الذي يقع في شمال دمشق وهو من أشهر السجون في سوريا.
يُعتقد أن صيدنايا كان يُستخدم بشكل رئيسي لاحتجاز المعتقلين السياسيين والمعارضين.
يعرف السجن بسمعة سيئة بسبب التعذيب الوحشي والإعدام الجماعي.
سجن صيدنايا المعروف بـ "المسلخ البشري"، اشتهر بتعذيب المعارضين، وقتله لعدد كبير منهم.
بخصوص هذا السجن، يقول أحد المعلقين على منصة إكس إن الصور التي تخرج من سجن صيدنايا "سوف تظل تطاردنا لقرون قادمة"، حيث يقبع الآلاف محاصرين تحت طبقات من المباني، ولا يرون نور النهار قط. وتابع "هذا هو المسلخ البشري" .
في عام 2017، قالت الولايات المتحدة إنها تمتلك أدلة على بناء محارق جديدة في سجن صيدنايا خصيصا للتخلص من جثث الآلاف من السجناء الذين تم إعدامهم شنقا خلال الحرب.
هناك أيضا سجن تدمر، يقع في الصحراء السورية بالقرب من مدينة تدمر.
كان سجن تدمر واحدا من أكثر السجون شهرة في فترة الثمانينات، وقد تعرض لانتقادات دولية على مدار العقود بسبب عمليات الإعدام الجماعي والظروف القاسية.
أغلق السجن بعد عام 2011 في ظل الحرب السورية، ولكن بعض التقارير تشير إلى أنه لا يزال يستخدم بشكل سري.
يوجد أيضا سجن السويداء، الذي يقع في محافظة السويداء، ويُستخدم لاحتجاز المعتقلين من مناطق درزية ومعارضين آخرين.
وكذلك سجن عدرا، وسجن حلب المركزي، وغيرهما. وتقدر تقارير تعود لعام 2004 أن عدد السجون في سوريا بلغ 35 سجنا. ويتوقع أن تكون هناك سجون بنيت بعد فترة الثورة السورية التي انطلقت في 2011.
استثمار السجون بدل البنى التحتية
يقول المحلل السياسي السوري، أيمن عبد النور، إن نظام الأسد "استثمر" الكثير في بناء المعتقلات والسجون بدل الاستثمار في بناء دور التعليم والجامعات والمستشفيات والمصانع.
ويرى في حديث لموقع "الحرة" أن الواقع الذي آلت إليه سوريا كان نتيجة عمل النظام على مدى أكثر من خمسة عقود على قمع أي رأي مخالف "دون تمييز بين الأعراق" وفق وصفه.
عبد النور أشار إلى أن نظام الأسد استخدم جميع مصادر التمويل لبسط سيطرته على البلاد، وأسس لذلك منظومة سجنية قمعية قتلت وعذبت أجيالًا من السوريين.
وقال: "النظام استثمر كثيرا في أجهزة القمع ومؤسساته، والسجون من بين أبرز مظاهرها"، مشيرًا إلى أن حجم الاستثمارات التي بذلت في هذا المضمار كانت كبيرة جدا حتى أصبح عدد السجون في سوريا من بين الأكبر عبر الأنظمة المستبدة.
وبعض أكثر التسريبات المروعة عن نظام السجون التابع للأسد ظهرت مع آلاف الصور (أكثر من 53 ألف صورة) التي تم تهريبها من سوريا بواسطة مصور عسكري يحمل الاسم الرمزي "قيصر"، الذي انشق وهرب إلى الخارج في عام 2013.