إلى ما قبل دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، كانت الولايات المتحدة ثاني أكبر المانحين لليمن بمبلغ سنوي يقترب من 800 مليون دولار، لكنّ قرار الإدارة الجديدة وقف المساعدات الخارجية، وما تبعه من إجراءاتٍ وقيودٍ مرتبطةٍ بتصنيف الحوثيين كمنظمةٍ إرهابيةٍ أجنبيةٍ، فاقم من الوضع الإنساني في هذا البلد العربي الذي يرْزح تحت عقدٍ كاملٍ من الصّراع عقب انقلاب الحوثيين على السلطة قبل نهاية العام 2014.
وفي أحدث تقارير الأمم المتّحدة عن الوضع الإنساني في اليمن، يُذكر أنّه ونتيجةً للقيود المالية والتشغيلية تمّ تعليق أجزاء كبيرة من العمليات الإنسانية معظم العام الماضي، ومعها انخفض عدد الأشخاص الذين تلقّوا مساعداتٍ بنسبة 44% مقارنةً بعام 2023. كما انخفضت كمية المساعدات الغذائية الموزّعة بنسبة 81%.
هذه التخفيضات أثّرت في المقام الأوّل في الأنشطة التي ينفّذها "برنامج الأغذية العالمي" في مناطق سيطرة الحوثيين، كما تأثرت بها مناطق سيطرة الحكومة المُعترف بها دوليًا، حيث قدّم البرنامج مساعداتٍ غذائيةً بحصصٍ مخفّضةٍ لمعظم الأشخاص المستفيدين من المساعدات في جميع أنحاء البلاد.
ونتيجةً لنقص التمويل، اضطرّ "الأغذية العالمي" إلى تعليق برنامج الوقاية من سوء التغذية بشكلٍ كاملٍ، ما ترك 2.4 مليون طفل وامرأة وفتاة حامل ومُرضعة عرضةً للخطر من دون أي دعم ومساعدات. وقد أدّى ذلك إلى تقليص عدد أيام المساعدات إلى 72 يومًا فقط، بدلًا من عدد الأيام المُخطّط لها والبالغة 360 يومًا.
ويقدّم البرنامج في تقريرٍ عن أعماله خلال العام المُنتهي صورةً سوداويةً، ويؤكّد أنّ هذا البلد "ظل بيئةً عالية المخاطِر"، بسبب مجموعةٍ من المخاطِر تشمل محاولات التدخل، وضعف الرّقابة على المساعدات، وقيود التمويل، وديناميكيّات الصراع المتزايدة. ووصف التقرير اليمن بأنّه ضمن فئة المخاطِر الأعلى بين ملفات المخاطِر القُطرية لبرنامج لأغذية العالمي، بحيث احتلّ المرتبة الخامسة بين أعلى مستويات المخاطِر من بين جميع العمليات الإنسانية البالغ عددها 85 عمليةً في جميع أنحاء العالم.
ومع تأكيده على أنّ الديناميكيّات السياسيّة في مناطق سيطرة الحوثيين تسبّبت في فرض قيودٍ وتأخيراتٍ أثّرتا سلبًا في العمليات والأنشطة الإنسانية ومراقبة الوصول، بَيَّنَ أنّ النقص في التمويل الذي برز نتيجةً لتغيّر أولويات المانحين والمنافسة بين عمليات الطوارئ في دولٍ مختلفة، شكّل تحديًا لقدرة برنامج الأغذية العالمي على الحفاظ على استمرارية العمليات الإنسانية على نطاقٍ واسع.
المنظّمات الاغاثية بدورها رأت في وقف الولايات المتحدة للمساعدات الخارجية تهديدًا لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانيّة في اليمن، حيث أُغلقت برامج خدمات المساعدة المنقذة للحياة والحماية، بما فيها علاج سوء التغذية للأطفال والأمهات الحوامل والمُرضعات، والملاجئ الآمنة للنّاجين من العنف القائم على النّوع الاجتماعي، والرعاية الصحية للأطفال الذين يعانون من الكوليرا وأمراض وأوبئة أخرى.
وتظهر البيانات الأممية أن 19.5 مليون شخص يعتمدون على المساعدات، في بلدٍ يُصنّف على أنه خامس أكبر أزمة نزوح في العالم - 4.8 ملايين شخص - معظمهم من النساء والأطفال، بحيث حذّرت المنظمات الأممية والدولية والشركاء المحليين، من أنّ وقف التمويل الأمريكي المخصّص لقطاع المأوى، والمُقدّر بـ15 مليون دولار، سيؤثّر بشكل مباشر على 220 ألف نازحٍ داخلي موزّعين بين 13 محافظة من محافظات البلاد.
كما انخفضت الكلفة التشغيلية لقطاع المأوى بنسبة 25%، ومعه يواجه ربع الشركاء الإنسانيين تعليقًا أو إغلاقًا للبرامج، وقد تمّ بالفعل إيقاف الأنشطة الضرورية لدعم النازحين، مثل توفير الملاجئ الآمنة وصيانتها، والمواد غير الغذائية، واحتياجات الشتاء، والتخفيف من آثار الفيضانات. وذلك سيؤثّر بشكل مباشر على 305 آلاف نازح داخلي.
وتُظهر بيانات التقرير أنّ القدرة التشغيلية لـ"كتلة إدارة وتنسيق المخيّمات" انخفضت بنسبة 50% تقريبًا، إذ تمّ إيقاف أنشطة إدارة المواقع، بما في ذلك الصيانة الحرجة، والمراقبة، وتنسيق الخدمات، وبرنامج المساعدات الطارئة، ودعم إدارة المعلومات، وسط تحذير من أنّ ذلك سيترك مئات الآلاف من النّازحين عرضةً للاستغلال، ولتدهورٍ كبيرٍ في الظروف المعيشية.