قضى ستة أشخاص وأصيب سابع بجروح خطرة، صباح أمس الإثنين، إثر انهيار صخري داخل منجم بدائي في إحدى قرى مديرية كشر بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، أثناء محاولتهم استخراج الذهب عبر التنقيب اليدوي.
وأكد شهود عيان وسكان محليون لـ"اندبندنت عربية" أن الضحايا كانوا يبحثون عن "التراب الأحمر" الذي يعتقد أنه يحوي آثاراً من المعدن النفيس، حين انهار عليهم الردم فجأة ودفنهم تحت أكوام من التراب.
وقال عادل ريبان، أحد وجهاء المنطقة، إن الحاجة والفقر دفعا الأهالي إلى العمل في هذا المنجم التقليدي منذ نحو شهر. وأوضح أن الضحايا كانوا حفروا خندقاً يزيد عمقه على خمسة أمتار، وتراكم إلى جانبه جبل من الأتربة، مما تسبب في انهياره عند الساعة التاسعة صباحاً.
الناجي الوحيد
وأضاف ريبان أن عملية الإنقاذ كانت شاقة بسبب بعد الموقع وضيق الحفرة وعمقها، مضيفاً أن كل محاولة لإزالة التراب كانت تتسبب في انهيارات إضافية. وتمكنت فرق الإنقاذ من انتشال سبعة أشخاص، نقلوا إلى مراكز طبية قريبة، حيث تبين لاحقاً وفاة ستة منهم ونجاة شخص واحد.
نصر ورفاقه
لم يكن الشاب اليمني نصر ريبان يدرك، وهو يضرب الأرض بمعوله ليلاً في أحد المناجم التقليدية للذهب، أن الحفرة التي يحفرها سعياً وراء لقمة العيش ستكون قبره. هو وستة من رفاقه قضوا تحت الأنقاض في مديرية كشر بمحافظة حجة، بعدما انهار عليهم الخندق فجأة، دافناً أحلامهم تحت التراب.
وراء كل واحد من الضحايا قصة كفاح مريرة، لكن نصر كان يحمل في قلبه أمنيات مؤجلة.
يقول شقيقه لـ"اندبندنت عربية"، إن نصر كان يعول والديه المريضين بالسكري، ويعتني بإخوته الصغار، ويستعد للاحتفال بزفافه بعد عيد الأضحى. وعلى رغم مشقة الظروف، لم يجد أمامه سوى التنقيب اليدوي ملاذاً أخيراً، أملاً في تحسين وضعه المعيشي. لكن الفقر الذي دفعه إلى الحفر، هو نفسه ما قاده إلى الموت.
فقدان يتجدد
الشقيقان محمد وأحمد ريبان اللذان قضيا في حادثة انهيار منجم الذهب، كانا فقدا شقيقين آخرين خلال المعارك بين الحوثيين وقبائل حجور عام 2019، التي انتهت بسيطرة الجماعة على المنطقة. لكن نهاية المعركة لم تكن نهاية للمعاناة، بل بداية لمرحلة جديدة من التضييق الاقتصادي والاجتماعي، وفق ما يؤكده سكان محليون.
ويقول الأهالي لـ"اندبندنت عربية"، إن الجماعة تفرض ضرائب مرهقة على تجارة القات ومضخات المياه، وتمنع التنقيب اليدوي، في وقت تشجع فيه الشباب على الالتحاق بجبهات القتال، في ما يعدونه "خياراً قسرياً للموت بعد إغلاق أبواب الحياة".
لقمة العيش بثمن الفقد
ثلاثة من الضحايا كانوا يحفرون بأيديهم في محاولة يائسة لتأمين لقمة عيش نظيفة لأطفالهم، لكنهم انتهوا تحت الأنقاض، تاركين خلفهم أطفالاً يواجهون الفقر واليتم.
وفي أول تعليق رسمي، سعت سلطات الحوثيين إلى التنصل من المسؤولية، زاعمة أن الضحايا سبق أن احتجزوا قبل أيام بسبب قيامهم بأعمال حفر غير قانونية، وأفرج عنهم بعد توقيع تعهد بعدم التكرار.
وأضاف البيان أن "الأجهزة الأمنية تحركت فور تلقي البلاغ، ونقلت الجثامين إلى المستشفى، مع استكمال الإجراءات القانونية".
تحميل الضحايا المسؤولية
لكن مراقبين محليين رأوا في البيان محاولة لتحميل الضحايا أنفسهم تبعات المأساة، من دون أي إشارة إلى السياسات التي دفعتهم للمخاطرة بحياتهم في مناجم الموت. وتنتشر هذه الظاهرة في مناطق عدة بمحافظة حجة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث لا يجد الأهالي خياراً سوى التنقيب العشوائي عن الذهب وسط غياب المرتبات وتوقف كل مصادر الدخل.
الذهب الممنوع
في ظل الحصار الخانق وتدهور الأوضاع المعيشية، لم يجد كثير من اليمنيين وسيلة للبقاء سوى التوجه إلى مناجم الذهب التقليدية المنتشرة في الوديان والجبال النائية، في محاولات شاقة لاستخراج كميات ضئيلة بالكاد تكفي لسد الرمق. ومع ذلك حتى هذا الخيار بات مهدداً.
فعلى رغم أن هذه المحاولات تعد شرياناً اقتصادياً أخيراً للأهالي، فإن سلطات جماعة الحوثي تضيق عليهم بدعوى "حماية الثروات"، من دون أن توفر بديلاً حقيقياً.
وبحسب تقارير أممية، يعيش أكثر من نصف الأسر اليمنية تحت خط الفقر، في وقت تشدد فيه الجماعة قبضتها على كل مصادر الدخل.