في الماضي، كان على المزارع الذي يتطلع الى محصول سنوي جيد، أن يصبح خبيرا فلكيا وأن يمتلك معرفة عميقة بالظواهر السماوية، مثل حركة الشمس والقمر والنجوم، والتقويم الزراعي.

كانت مهارات ضرورية لمعرفة متى يبدأ الموسم الزراعي وما نوع المحاصيل التي يتوجب زراعتها. بالرغم من ذلك أتصور أن هذه المعرفة كانت تنتج فوارق حقيقية لصالح سيطرة الانسان على الطبيعة وضمان تقدم الحياة.

في زماننا، بالرغم من التقدم العلمي، لا يزال المرء مطالبا بأن يكون خبيرا في أشياء كثيرة، فقط لكي يضمن البقاء على قيد الحياة، وليس تحقيق ذات النتائج التي كان يحققها أسلافنا. مثلا إذا كنت تعيش في مدينة مثل تعز، يحاصرها الحوثي من خارجها ونبيل شمسان من داخلها، فإن قائمة المعارف التي على المرء أن يواكبها، تصبح أكثر تعقيدا.

يجب أن تكون خبير سياسي وخبير اقتصادي وخبير عسكري، وخبير تغذية عشان تعرف هل كرش المحافظ أمتلأت أما أنها لا تزال تطالب بالمزيد. يجب ان تعرف طبيعة التغيرات الديمغرافية عشان تفهم لماذا طارق صالح يدعم محافظ فهلوي حول تعز الى قرية بينما يحلم هو ان يحول المخا الى دبي جديدة.

وعليك ان تصبح خبير نفسي عشان تفهم الانفصام في الحقد على مدينة بتهمة الثورة وفي نفس الوقت دعم محافظ سبق وقفز للساحات عندما رأى ان السفينة تغرق، ثم خبيرا في الاسلام السياسي عشان تستوعب حكاية الوزير الحافظ للقرأن الذي جعل عيون الاصلاحيين يزغللين ثم المدلولات الرمزية لتكبير اللحية.

هذه المعارف قد تجعلك قادرا على توقع نوع الأزمة القادمة لكي تستعد لها نفسيا بشكل جيد، لأنه ما باليد حيلة، ومع نبيل شمسان مش راح تقدر تغمض عينيك.

في بداية العام، سيكون عليك، أن تتفرغ لمدة شهر كامل لمواجهة أزمة السكن وجشع المؤجرين وقرارات نبيل شمسان التي يصدرها للاعلام، وما إن تلتقط أنفاسك، سيكون هناك أزمة توقف المدارس نتيجة اضراب المعلمين وعليك ان تكتسب مهارات في كيفية التعامل مع الاطفال لأطول وقت وتهتم باعطائهم الدروس التي حرموا منها وتتابع قرارات نبيل شمسان في تأسيس صندوق دعم المعلم، ثم ستبدأ أزمة المياه نتيجة تأخر الأمطار وستبدأ رحلة البحث عن وايت ماء ومتابعة قرارات نبيل شمسان الموجهة الى فيس بوك، وطول الوقت عليك التعامل مع مشكلة الكهرباء والاتصالات والنفايات المتكدسة في الشوارع وهذه كلها مشاكل لا تهم نبيل شمسان طالما انها لم تتحول الى ترند.

وقبل ان تفرغ من التعامل مع كل هذه الأزمات، ستلوح في الأفق أزمة الغاز المنزلي لأن ميناء الحديدة توقف. وهنا كان يجب عليك ان تكون خبيرا في كيف يعمل السوق في ظل التوجهات الراسمالية، لأن التاجر سيلاحظ زيادة في الطلب وسيرى ان هناك فرصة لتهريب الغاز والحصول على أرباح مضاعفة، وكان يجب أن تصبح خبيرا في الثقافة السياسية التي تحكم ذهنية المسئولين الحكوميين والقادة العسكريين الذين يصبح جل همهم الحصول على نسبة من تلك الارباح.

أي أن المشكلة ليست في نبيل شمسان وحده وأن عادل العقيبي معه حق فيما ذهب اليه لكن لفهمه أكثر عليك ان تصبح عالم احصاء لكي تستخرج الفساد من الوثائق التي ينشرها او تصبح صحفي متخصص في البيانات.

ثم لن تتقدم الحياة لمجرد أن لديك كل هذه المعارف والخبرات، ولكن فقط، ستنجو من الصدمة أن كل هذا يحدث في مدينة محاصرة وفي زمن الحرب الذي يستدعي قيم التضامن والتفاني، وستضمن بقاءك حيا على أمل أن يتوفر لك بعض الوقت للتأمل والاعتقاد أن الحياة حلوة بس نفهم كيف تسير الأمور في تعز، لكنك لن تحصل على ذلك، فقائمة الديون لأن لا وقت لديك للعمل وكيس الطحين الذي أصبح سعره ستين ألف ريال، لن يتركوك لحال سبيلك.

(من صفحة الكاتب في فيس بوك)