على الرغم من توقف المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية قبل أيام، لم ينسحب ذلك على موقف الجماعة الحوثية في اليمن، حيث واصلت الجماعة هجماتها تجاه إسرائيل التي يرى باحثون عرب ويمنيون أن لديها نوايا للاستمرار في حملتها ضد خصومها في المنطقة.
وأعلنت الجماعة الحوثية، السبت، استهداف إسرائيل بصاروخ باليسيتي من نوع "ذو الفقار"، على منطقةِ بئرِ السبعِ، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي بالهجوم، وقال إنه نفذ محاولة لاعتراض الصاروخ، كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن دوي انفجار سُمِع في شرق المنطقة، بعد تفعيل صفارات الإنذار فيها.
كما ادعت الجماعة، على لسان متحدثها العسكري يحيى سريع، عن عمليات عسكرية عدة، الأسبوع الماضي، استهدفت مواقع حساسة ومنشآت عسكرية، في كل من بئر السبع وتل أبيب وحيفا بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، مع التهديد باستمرار تلك العمليات حتى وقف الحرب على غزة، وهي مزاعم لم تؤكدها تل أبيب.
وفي أحدث خطبه تحدث زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، عن استمرار إغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية. ومع احتمالية تهديد السفن الأميركية؛ رجح اللفتنانت جنرال ألكسوس جرينكويش، مدير عمليات هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، في جلسة استماع أمام لجنة في الكونغرس، أن تظل الجماعة مشكلة مستمرة، ستواجهها الولايات المتحدة في المستقبل.
ويرى إسلام المنسي الباحث المصري في الشؤون الإيرانية أنه بعد انهيار الكثير من قدرات إيران العسكرية، ستعاني الجماعة الحوثية من فقدان الدعم والحماية، حيث ظهر المشغل الذي استخدمها وعدد آخر من الأذرع العسكرية في المنطقة في عجز تام عن حماية عمق أراضيه ومنشآته الاستراتيجية.
وتواجه الجماعة حالياً احتمالية شنّ هجوم كبير عليها، وفق تحليل المنسي لـ"الشرق الأوسط"، باعتبارها الفرع الوحيد ضمن الأذرع العسكرية لإيران الذي لا يزال يتمتع بقدرات عسكرية كبيرة وتتمتع بحرية حركة كبيرة والسيطرة على مساحات كبيرة محصنة جغرافياً، وبوصفها من الأوراق القليلة الباقية في يد النظام الإيراني الذي قد يرغب في استخدامها لتجديد التصعيد أو المواجهة مع إسرائيل والغرب.
كما قد تكون الجماعة الحوثية مجرد ورقة تفاوضية إيرانية يتم إشهارها عند الحاجة، ويمكن تقديم تنازلات بشأنها أو التضحية بها من أجل حماية النظام الإيراني وبرنامجيه النووي والصاروخي ووقف استباحة الجغرافيا، وفقاً للمنسي الذي أشار إلى مواقف سابقة لوزير الخارجية الإيراني الذي عرض في جولات تفاوضية بشأن الملف النووي، تقديم تنازلات بشأن النفوذ في اليمن.
تهرب محسوب
لم يكترث الحوثيون كثيراً بتبرير الموقف الإيراني في وقف إطلاق النار مع إسرائيل والولايات المتحدة، الذي لم تكن الحرب في غزة ضمن بنوده، وتم تغييب القطاع الذي يتعرض لهجمات إسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام عن مشهد الاتفاق على خفض التصعيد تماماً.
ففي المقابل تجنبت الجماعة نفسها أي تصعيد مؤثر لمساندة إيران خلال المواجهة تجنباً لعودة الهجمات الأمريكية عليها، ربما بشكل أكثر عنفاً، بعد أن دخلت في اتفاق تهدئة أعلن عنه الرئيس دونالد ترمب في السادس من مايو/ أيار الماضي، وجرى بوساطة عمانية، وفق تحليل مركز "اليمن والخليج للدراسات".
وفي مقاربته للموقف الحوثي من المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، التي أعدها الباحث المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، يرجح المركز أن تخوف الجماعة من فكرة "الانكشاف الاستخباراتي" أمام إسرائيل، كان سبباً في إحجامها عن الانخراط بشكل كبير في التصعيد، إلى جانب دفعها باتجاه المزيد من الإجراءات الاحترازية والأمنية لتأمين قيادتها.
وعلى الرغم من مخاوف الجماعة من أن يؤدي التصعيد إلى مواجهة غير محسوبة النتائج؛ فإنها تواصل استثمار مواجهتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل في مساعيها لتعزيز مكانتها ضمن ما يسمى "محور الممانعة" وحضور زعيمها عبد الملك الحوثي رمزاً للمقاومة بعد تواري قادة آخرين في المحور بسبب الاغتيالات أو الإقصاء.
وفي موازاة ذلك تتحرك الجماعة داخلياً على الأرض لاستثمار تلك المواجهة في تعزيز صفوفها بالمقاتلين ورفد خزينتها بأموال الجبايات والتبرعات، ولجأت إلى تنشيط عدد من جبهات الحرب مع الحكومة الشرعية.
وإذ تبدو إسرائيل على الجهة المقابلة، في طور الاستعداد لتجديد عملياتها ضد الجماعة الحوثية، كان وزير دفاعها يسرائيل كاتس، قد تحدث الأسبوع الماضي عن نوايا للتعامل مع الحوثيين مثلما تم التعامل مع طهران، وشددّ على أنه أمر الجيش بإعداد خطة ضد الجماعة.
حتمية الاستهداف
يعتمد توقيت الاستهداف الإسرائيلي للجماعة الحوثية على نشاط الجماعة نفسها كما يتوقع الباحث السياسي اليمني صلاح علي صلاح، فبينما تحتاج إسرائيل إلى وقت للتحضير لهجماتها المتوقعة وجمع المعلومات الاستخباراتية، قد تلجأ إلى التعجيل بها إذا ما أعادت الجماعة تنشيط هجماتها بالصواريخ والمسيرات.
وبعد خفض التصعيد مع إيران، ستعود المناطق اليمنية الخاضعة للجماعة لتصبح أحد أهم نقاط التركيز الإسرائيلية، كما يوضح صلاح لـ"الشرق الأوسط"، حيث تخضع حالياً لجمع معلومات استخباراتية حول القادة والمواقع العسكرية ومصانع المسيرات ومخابئ الصواريخ، وفي مقابل ذلك ستتحرك الجماعة على الأرض لحماية نفسها بالتصعيد العسكري الداخلي والأنشطة الأمنية لمنع التجسس.
وإلى جانب ذلك فإن اتفاق التهدئة الأميركي الحوثي يبدو هشاً مع التهديدات الحوثية بالعودة لاستهداف السفن في البحر الأحمر، خصوصاً أن ثمة احتمال كبير بأن وقف الهجمات الأميركية جاء بعد إلحاق أضرار كبيرة بالجماعة وتسليحها، واستراحة للتعامل مع إيران رأساً.
يشار إلى أن أنشطة الجماعة العسكرية تصاعدت في الجبهات الداخلية، وتحديداً في محافظات الضالع وتعز ومأرب، متسببة في مخاوف من انهيار الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة منذ أكثر من 3 أعوام.
ويرجح الباحث السياسي اليمني فارس البيل، في حديث لـ"الشرق الأوسط"، أن تكون الجماعة الحوثية خرجت من لعب دور إقليمي، وانكفأت لتنفيذ دور محلي لتعزيز نفوذها الداخلي، وخسرت إمكانية لعب دور في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ففي لحظة الاتفاق بين إيران والغرب ستكون الجماعة الحوثية خارج اللعبة، في حين لن تقبل الولايات المتحدة وإسرائيل باستمرار بقاء الجماعة على حالها تهديداً للملاحة في البحر الأحمر والاقتصاد العالمي وأمن إسرائيل، وسيكون هناك تنازل إيراني عنها، وتترك لمصيرها لترتيب مصيرها الداخلي. وفق تقدير الباحث اليمني.
وبعد الضربات التي تعرضت لها إيران، لا يستبعد البيل أن تكون الجماعة الحوثية ضمن الأهداف الإسرائيلية التي سيجري التركيز عليها وإخراجها من أي صراع مستقبلي في الشرق الأوسط.
(الشرق الأوسط)