بكثير من الحنين والحب ارتبطت الفنانة التشكيلية والمصورة الفوتوغرافية القطرية موضي الهاجري باليمن الذي شغفها حباً بعدما قادتها التجربة عام 2007 لزيارته للمرة الأولى، والتي تركت في نفسها أثراً عميقاً دفعها تالياً لتكرارها في رحلات لم تتوقف مع أولادها.
ربما هي أشبه بالمصادفة عندما قررت وبصورة مفاجئة لأسرتها أن تحتفل بذكرى زواجها في اليمن التي قالت إنه من أجمل الدول العربية بعدما طافت بعديد من البلدان حول العالم. هذه النية كما تقول لـ "اندبندنت عربية" قوبلت باستغراب عائلتها كون زيارات السياح العرب غير معهودة وشحيحة، فضلاً عن الظروف السياسية الملتهبة وانعكاساتها على الوضع العام في البلاد، وأهمها قصص اختطاف السياح الأجانب.
على رغم هذا أصرت وحققت رغبتها من دون أن تعرف أن 13 يوماً في اليمن ستشعل في قلبها سنين من الارتباط الوفي قادتها تالياً لزيارات عدة حتى في ظل اشتداد الظروف الدامية التي يعيشها، وتؤكد "اليمن البلد الوحيد الذي شعرت فيه بأنني أحتاج إلى زيارته مرة ثانية وأنني لن أكتفي من زيارته أبداً".
"باب اليمن" المدخل التأريخي والرئيسي لصنعاء القديمة منذ مئات السنين (اندبندنت عربية)
اكتشاف
كانت الهاجري تعيد اكتشاف اليمن في كل مرة بطريقتها الخاصة حتى أبرزت بجهدها الذاتي شيئاً من بانوراما هذه البلاد بما تحويه من تفاصيل مثيرة، وطبيعة متنوعة، وهي بهذا تعبر، بعدستها، التي وثقت نحو 600 صورة عن حجم الأثر الذي تركه اليمن بتنوعه التراثي الإنساني وكل تفاصيله، بأسواقه العتيقة، ومناراته الصامدة، وعماراته التي تتربع على عروش القمم، وترابه وملحه، وتناقضاته، وعيون الصبية ونظراتهم الحالمة للمقبلين أملاً في ابتياع مقتنياتهم الصغيرة، وعيون الفقراء الذين يقطنون الأرياف المنسية والبعيدة، حيث النقوش المسندية تستند إليها ظهورهم النحيلة كشاهد على حضارة سادت، ثم بادت من دون أن تترك لهم سوى شيء من بقايا الأمجاد والذكرى.
عدد من الفتية يجلسون على سفح فوق السحاب بمنطقة بمنطقة بكور بمحافظة المحويت (اندبندنت عربية)
أوراق من العشق
في قصة موضي الهاجري التي ترويها نجد قصة أخرى لليمن نكتشفها مجدداً لأن البعض لا يعرفها، أو بالأحرى تاهت منا في زحام السنين والصراع والخوف والعزلة والمأساة الإنسانية الأشد على مستوى العالم وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة.
وتكن تروي حكاية صور عابرة يوثقها العابر في سبيله، بل ومضات خالدة نقشتها على هيئة صور شعرية نسجتها من بحور الدهشة والإعجاب باليمن، الأرض والمعمار والهواء والإنسان، حتى استغرقت في ذلك الشعور، وجعلت منه تجربة لا يمكن اختزالها في مجرد رحلة لسائح عربي، بل سلوك عاشق مخلص صنعت منها محطة إنسانية فريدة وثقت معها وجدانياتها في كتاب ضخم بعنوان "اليمن عشق يأسرك"، وفاز في نهاية العام الماضي بجائزة الكويت للإبداع في دورتها الـ12 عن فئة النشر والنشاط الثقافي والأدبي، وضم نحو 600 صورة للأماكن والوجوه والقلاع والحوانيت الباقية والمساجد القائمة والأسواق المثابرة على صخبها والسهوب المقفرة والجبال المزهرة والسواحل العذراء.
عرش الملكة بلقيس بمحافظة مأرب (اندبندنت عربية)
تقول "رحلتي إلى اليمن كانت في عمق الحضارة والتراث الإنساني، ومن خلال عدستي وكلماتي سعيت إلى نقل جمال هذا البلد العريق، بما فيه من ثقافة وتاريخ". ووصفت الكتاب بأنه "سرد لمسار رحلة تمتد خلال سبع سنوات من عام 2007 إلى عام 2013، مدعمة بالقصص والحكايات الجميلة والمثيرة التي من خلالها تعرفنا بها على بعض من عادات وتقاليد الشعب اليمني، وطبيعة البلد وتضاريسه، والعمارة التي تختلف من محافظة لأخرى، والمواقع التراثية، ومشاهد كثيرة من الحياة اليومية للناس". كما نظمت عديداً من المعارض لعل من أبرزها معرض أقامته في إحدى قاعات سوق كتارا (الدوحة) في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019.
صنعاء القديمة من الجهة الجنوبية (اندبندنت عربية)