وقّعت القوى السياسية والمكون العسكري في السودان، الاثنين، اتفاقاً إطارياً لتأسيس سُلطة انتقالية مدنية، ينص على دمج قوات الدعم السريع خلال جداول زمنية محددة، وحظر تكّوين الميليشيات والمجموعات الخارجة على القانون، وأن تخضع جميع الشركات العسكرية لرئيس الوزراء وولاية وزارة المالية، إلى جانب تنفيذ السياسات المتعلقة بإصلاح المنظومة العسكرية.
وحدد الاتفاق الإطاري "الفترة الانتقالية بعامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء، على أن يعقبها تنظيم انتخابات في البلاد. كما نص الاتفاق على أن "رئيس الوزراء هو من يعيّن مدير جهاز المخابرات"، وأن "القوات النظامية هي القوات المسلحة، الدعم السريع والشرطة".
عملية شاملة لصياغة الدستور
وتلا مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون السابق، لقمان أحمد، نصوص الاتفاق الإطاري، والتي أكدت على "احترام إرادة الشعب في حكومة مدنية"، إضافة إلى "العمل على وقف التدهور الاقتصادي وفق منهج تنموي شامل يراعي الفقراء والمهمشين"، كما يتم "تعيين رئيس الوزراء عبر مفوضات مستقلة".
وأضاف أنه سيتم "إطلاق عملية شاملة لصياغة الدستور الجديد بإشراف مفوضية صياغة الدستور، وأن تُقر المؤسسة العسكرية بالحكم المدني ورأس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة". كما ينص على أن "تكون الفترة الانتقالية مدتها 24 شهراً تبدأ من تاريخ اختيار رئيس الوزراء".
ونص الاتفاق أيضاً على استقلالية ومهنية مؤسسات الدولة، مثل القضاء والتعليم والقوات النظامية والتخصصية والخدمة المدنية، إضافة إلى مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والمحاسبة.
وجاء فيه أن "يحدد الدستور مهام المجلس التشريعي القومي، وعدد مقاعده ونسب ومعايير الاختيار، بما يضمن مشاركة النساء بنسبة 40%، إضافة إلى الشباب ولجان المقاومة وذوي الإعاقة".
ويندرج داخل الاتفاق وجود مجلس عدلي مؤقت من 11 عضواً، يتم التعيين من قبل رئيس الوزراء بترشيح من الأطراف المدنية الموقعة على الاتفاق، لاختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ويتم حله بانتهاء مهمته.
كما سيتم "دمج قوات الدعم السريع في القوت المسلحة، وحظر أي تشكيلات مسلحة خارج إطار القانون والدولة"، إضافة إلى "تعيين الحكومات الإقليمية بالتشارو مع القوى الموقعة على الإعلان السياسي".
ويشمل الاتفاق الإطاري، تفكيك نظام "30 يونيو" (نظام الرئيس السابق عمر البشير) الذي اختطف الدولة ومؤسساتها، إضافة إلى "أن يكون الإصلاح الأمني والعسكري أولوية الاتفاق الإطاري"، حسب ما جاء في نصوص الاتفاق.
وجاء في الاتفاق أيضاً أن "لا يكون هناك سلطة اعتقال أو احتجاز لجهاز المخابرات، وأن يتبع رئيس الوزراء مباشرة"، كما يحظر على قوات الشرطة "ممارسة أي أعمال تجارية أو استثمارية وأن تقتصر مهمتها على إنفاذ القانون وحماية المدنيين".
وجاء توافق الفرقاء في السودان عقب اجتماع الجمعة ضمَّ رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مع الموقّعين على الإعلان السياسي بحضور ممثلي الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسعودية والإمارات، إضافة إلى الآلية الثلاثية وممثلين عن الاتحاد الأوروبي.
العسكر للثكنات
بدوره، قال عبد الفتاح البرهان، إن السلطة المدنية يجب ألّا تتدخل في عمل المؤسسة العسكرية، وألا تنحاز لأي حزب سياسي، وأن تنحصر مهمة الجيش في حفظ الأمن، لافتاً إلى أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة.
وأضاف البرهان خلال كلمته في مراسم التوقيع، أن البلاد بصدد وضع أسس البناء الديمقراطي، مشيراً إلى أن السلطة المدنية معنية بوضع سياسات الأمن الوطني، وأن القوات المسلحة ستبقى إلى جانب الشعب، مطالباً المجتمع الدولي باستمرار الدعم بما في ذلك رفع العقوبات عن السودان.
وردد رئيس مجلس السيادة السوداني هتاف "العسكر للثكنات" خلال خطابه وفقاً لـ "رويترز"، واستخدم المحتجون هذا الهتاف للمطالبة بخروج الجيش من المشهد السياسي بعد أحداث أكتوبر 2021.
فيما ثمّن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، جهود المجتمع الدولي في التوصل للاتفاق الإطاري.
وشدد دقلو على أن ضرورة بناء جيش مهني بعيد عن السياسة ويحمي النظام الديمقراطي، مطالباً القوى السياسية بعدم استخدام المؤسسة العسكرية للوصول للسلطة، فيما أكد أن انسحاب المؤسسة العسكرية من السياسة ضرورة لإقامة نظام ديمقراطي.
وأشار دقلو إلى أن العنف أهدر فرص التنمية والوحدة وأن اتفاق جوبا لم يجد حظه من الالتزام والتنفيذ، كما أوضح أن استقرار الديمقراطية يتطلب معاجلة خاصة لقضية شرق السودان.
وقال المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير الواثق البرير، إن الاتفاق الإطاري عنوانه استعادة الحكم المدني وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، والعمل على بناء الثقة بين مكونات الشعب، إلى جانب بناء جيش واحد ومهني قضية استراتيجية، مشدداً على إجراء انتخابات حرة وشفافة.
وأضاف البرير أن الالتزام بالسلام في السودان أمر استراتيجي لا سيما اتفاق جوبا، وأن ثورة ديسمبر تمثل فرصة تاريخية نادرة للمصالحة في البلاد، مطالباً بعدم اللجوء للقوة من أجل أهداف سياسية.
ترحيب دولي وعربي
ورحبت الولايات المتحدة وشركاؤها بالاتفاق الإطاري، وحضوا جميع الأطراف على بذل الجهد للانتهاء من المفاوضات بشأن حكومة جديدة بقيادة مدنية.
وقالت الدول في بيان مشترك: "هذا هو العامل الرئيسي لاستئناف مساعدات التنمية الدولية وتعميق التعاون بين حكومة السودان والشركاء الدوليين".
وتابع البيان: "نحن نعمل مع الشركاء لتنسيق دعم اقتصادي كبير لحكومة انتقالية بقيادة مدنية للمساعدة في التصدي للتحديات التي تواجه شعب السودان".
بدوره، رحب السفير الأميركي في الخرطوم جون جودفري، والذي تحدث باسم "الرباعية الدولية"، بتوقيع الاتفاق الإطاري للوصول إلى الحكم المدني، داعياً جميع الأطراف إلى دعم السودان خلال الفترة المقبلة.
وأضاف جودفري أن "الرباعية" تعمل مع الشركاء لتوفير دعم اقتصادي لحكومة مدنية سودانية.
من ناحيته، قال المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس في كلمته، إن توقيع الاتفاق جاء نتاجاً لجهد عام كامل لحل الأزمة السياسية، لافتاً إلى أن المرحلة الحالية تتطلب مشاورات واسعة النطاق مع جميع المكونات. كما أكد على أن "تشكيل حكومة ذات مصداقية يعد أمراً بالغ الأهمية لاستعادة هيبة الدولة".
فيما دعا سفير الاتحاد الإفريقي بالخرطوم محمد بلعيش، جميع الأطراف إلى "دعم الحكومة الجديدة حتى تستطيع مجابهة التحديات"، معبراً عن آمال الاتحاد بإيجاد حل سريع ومستدام في السودان. كما أشار إلى أن توقيع الاتفاق الإطاري يصب في مصلحة التحول الديمقراطي.
كما رحب سفير الاتحاد الأوروبي في السودان، إيدن أوهارا، بالتوقيع على الاتفاق الإطاري كمرحلة أساسية لاستعادة الديمقراطية، مشدداً على تعزيز جهود تشكيل حكومة مدنية.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية عن تهنئة المملكة بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في السودان من توافق وتوقيع وثيقة الاتفاق الإطاري، مرحبة بهذه الخطوة التي ستسهم في تحقيق تطلعات الشعب السوداني.
وأكدت الوزارة ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لكل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في السودان، مجددة دعم المملكة للآلية الثلاثية في تسهيل الحوار والمباحثات بين أطراف المرحلة الانتقالية.
كما رحبت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية بالتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، مؤكدة أنه يعد خطوة هامة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان.
وأعربت مصر عن دعمها الكامل للاتفاق، واستعدادها للتعاون مع مختلف الأطراف السودانية في جهودها للبناء عليه وصولاً لإتفاق نهائي يحقق تطلعات الشعب السوداني الشقيق، ويعزز من دور السودان الداعم للسلام والاستقرار في المنطقة والقارة الإفريقية.
ودعت أطراف المجتمع الدولي إلى توفير كل عناصر الدعم لدولة السودان، وبما يمكنها من عبور المرحلة الانتقالية بكل نجاح، وتحقيق مصلحة الشعب السوداني بكافة أطيافه.
بين مؤيد ومعارض
ووقع الاتفاق مع المكون العسكري، تحالف الحرية والتغيير الذي جرت توسعته ليضم أحزاب: "الأمة القومي"، "المؤتمر السوداني"، و"المؤتمر الشعبي" و"جماعة أنصار السنة" و"الحزب الاتحادي الأصل"، إلى جانب قادة من الحركات المسلحة وهم الهادي إدريس والطاهر حجر ومالك عقار وأسامة السعيد.
بينما يعارض الاتفاق قوى التغيير الجذري التي تضم الحزب الشيوعي وبعض لجان المقاومة، وكذلك الكتلة الديمقراطية التي تتزعمها حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي.
وأصدرت "الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية" بياناً قالت فيه إنها "ليست طرفاً في التسوية الثنائية"، معتبرة القرارات الناتجة عنها "سالبة للإرادة الوطنية".
وعقب توقيع الاتفاق، انطلقت تظاهرة تابعة للجان مقاومة الخرطوم نحو القصر الرئاسي، فيما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على متظاهرين بمحطة" شروني "في محيط القصر الجمهوري.
وتنشر السلطات السودانية تعزيزات أمنية من الجيش والشرطة في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم، وموقف "شروني" القريب.