مَن يقرأ البيان الفرنسي البريطاني الأمريكي الصادر الخميس بشأن اليمن يشعر وكأن الطريق إلى السلام ما زال طويلا، لهذا ننطلق من فحوى البيان لنسأل: متى وكيف يمكن استعادة اليمن الذي كان؟ لكن هذا السؤال يستدعي أن نسأل أولا: كيف يمكن إعادة قراءة حيثيات كل هذا الموت والخراب وإمكانية تجاوزه والبدء من جديد بعد ثمان سنوات من الحرب؟
يقول نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، الكاتب والمفكر عبدالباري طاهر، إن اليمن بعد ثمان سنوات حرب بات مدمرًا بشكل لا يتخيله عقل، "اليمن مدمر تمامًا، بُنيته التحتية الهشة والضعيفة دُمرت، فيما البلد تحت الحصار الخارجي البري والجوي والبحري، والحصار الداخلي مستمر؛ فالمدينة تحاصر المدينة، والقرية تحاصر القرية، بمعنى أن اليمن، الآن، محاصر خارجيًا وداخليًا، والقتلى أكثر من نصف مليون، والمشردون أكثر من ثلاثة ملايين؛ هؤلاء نازحون داخل وطنهم، أما الأوبئة فتكاد تنافس القتلى في الحرب، فيما يخص المجاعة فحسب الإحصاءات الدولية فهناك نحو 82 % بحاجة للمساعدات. إلى ذلك توقفت التجارة والأعمال، والتعليم تعطل، والتطبيب يكاد يكون متوقفا. اليمن يعيش حالة بؤس شامل شمالا وجنوبا".
ويضيف لـ "القدس العربي" أن "الوضع الآن هُدنة، لكن لا يزال اليمنيون يشعرون أنهم تحت وطأة التهديد بعودة الحرب؛ لأنه لن تكون هناك هدنة ما دام لا توجد معالجة جذرية لأي قضية من قضايا البلد، كالمعيشة أو التطبيب أو التعليم والأسرى والمختطفين وقضايا المعتقلين السياسيين. اليمن في متاهة وتحت وطأة التهديد بالحرب، وإذا وقفت الحرب ستظل آثارها موجودة، والبلد، الآن، محكوم بميليشيات متعددة في كل مكان، في صنعاء وتعز ومأرب وعدن وشبوة وتهامة، هذه الميليشيات لا يحكمها نظام أو قانون أو أي قيمة من القيم الإنسانية".
صراع الإقليم
لكن، مَن انتصر في هذه الحرب؟ يقول طاهر "الجميع في هذه الحرب تحت وطأة الكارثة، الجميع فيها مهزوم، اليمني يقتل اليمني، لا يمكن أن يكون هناك منتصر، عندما يقتل هابيل قابيل لا يكون هناك منتصر. مسألة قتل اليمني لليمني هي الكارثة. تحول اليمن لميدان حرب، واليمنيون ُأجراء لحرب بالوكالة، والممولون هم دول الإقليم، وصراع الإقليم والقوى الدولية أوصل البلاد إلى هذه الكارثة التي نعيشها".
وحمّل طاهر "التحالف المسؤولية المباشرة عما شهده اليمن؛ فعلى الرغم من الأخوة الدينية والثقافية والقومية، ومع ذلك لعب التحالف الدور الأساس في اشعال الحرب، وفي الاستقواء بالرباعية الدولية. هم اللاعبون الأساسيون وهم الذين يفترض أن يتحملوا مسؤولية ما وصلت إليه البلاد؛ لأن السعودية والإمارات ودول الإقليم كانت تستطيع أن تلعب دورا آخر بدلاً من تأجيج الصراع، وتحويل البلد إلى صراع إقليمي بين الخليج وإيران، لكن للأسف هذا الصراع انتقل من الخليج إلى اليمن، وتحول اليمن إلى ساحة حرب مأجورة، وحرب بين أطراف، واليمنيون هم الذين يُقتلون لا مصلحة لهم من هذه الحرب".
الهيمنة الإسرائيلية
لكن عندما نسأل: من الذي استفاد من هذه الحرب؟ سنجد أنفسنا أمام إجابة ثقيلة الوطأة، يقول عبدالباري طاهر: "الذي استفاد من الحرب هو الذي يريد تدمير اليمن وتدمير الأمة العربية لصالح أن تصبح إسرائيل هي المركز والمسيطرة على المنطقة.
التطبيع الإبراهيمي يمضي في المنطقة، والسعودية تتعرض لضغوط لدفعها للتطبيع. الأمريكان هم المستفيدون من هذه الحرب؛ لأن إرادتهم تقضي أن يكون النفط وإسرائيل الثابت الوحيد في المنطقة كلها، حتى الحكام العرب المطبعين مع إسرائيل لا وزن لهم الوزن الحقيقي للإيديولوجية الصهيونية ولدولة إسرائيل".
كيف يمكن استعادة اليمن؟
وهذا يمثل السؤال المرير الذي يواجه اليمني به نفسه. يجيب عليه طاهر تحت عنوان توحد إرادة اليمنيين، قائلًا: "طبعا للأسف الشديد هذا السؤال هو الأهم: كيف نستعيد اليمن الذي كان؟ هذا يتطلب بالدرجة الأولى الإرادة اليمنيّة، إذا توفرت إرادة قوية تتخلص من أوزار التفرد بالحكم أو السيطرة والامتلاك الوحيد للثروة أو ادعاء الولاية أو الوصاية، والخلاص من الصراع الإقليمي، والابتعاد عن الصراع الدولي الكارثي".
واستطرد: "توحد الإرادة اليمنية يبدأ من تحاور اليمني مع اليمني، يعني البديل للحوار بين اليمنيين هو الحرب، وحتى نتخلص من الحرب لابد من الحوار، ويقبل اليمني باليمني، ويتحاور اليمني مع اليمني، المدينة مع المدينة، والقرية مع القرية، الأطراف المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، لابد من نشاط دائب لتقوية إرادة يمنية وانفتاح اليمنيين على بعض، وشعور اليمنيين أنهم كلهم ضحايا، وإذا ما أردنا الدقة فالعرب كلهم ضحايا. بدون أن تتفاهم المنطقة والأمة كلها ستكون الكارثة المقبلة التسيّد الإسرائيلي".
وتابع: "طبعا هذا تصنعه إرادة اليمنيين. أهم شيء استعادة الأمن والسلام والاستقرار، وتوافق إرادة اليمنيين على خيارات تجنب بلدهم الكارثة، أما صيغة الحكم لتكن دولة واحدة أو دولة فيدرالية، هذه تصنعها إرادة يمنية واحدة ومختارة بدون ضغط أجنبي وبدون هوس الاحتكام للقوة والغلبة".
"صحيفة القدس العربي"