21 نوفمبر 2024
13 مايو 2023
يمن فريدم-خاص-عدنان الراجحي
من تدشين المراكز الصيفية في مناطق سيطرة الحوثيين هذا العام

 

مع كل عام تتحول المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين، شمالي اليمن، إلى بؤرة لتصدير العنف ومشاريع الموت والنعرات الطائفية وتغذية خطاب الكراهية وضرب التعايش والسلم المجتمعي.

 

ومع فصل الصيف يبدأ الحوثيون بترتيبات واستعدادات غير مسبوقة لفتح أبواب المدارس وتحويلها إلى ما بات يعرف بـ " المراكز الصيفية" التي تعد بمثابة، مصنع تصدير الفكر المتطرف كما يصفه ناشطون وحقوقيون، لتحويل آلاف من الأطفال اليمنيين إلى قنابل موقتة تنفجر في المستقبل القريب، وتترك مأساة من مآسي الحرب التي يتجرعها اليمنيون منذ ثمان سنوات.

 

بث خطاب الكراهية رفض التعايش

 

يسعى الحوثيون من خلال المراكز الصيفية في مناطق سيطرتهم إلى تسميم عقول الأطفال، الذين هم الأكثر استهدافا في كل المدراس، وهي فرصة تنظر إليها الجماعة سانحة لتحويل هؤلاء الأطفال إلى مشاريع موت وسط مجتمع غير قادر على وقف هذه العملية بأي شكل من الاشكال.

 

وتغذي هذه المراكز لدى الأطفال خطاب العنف والكراهية ورفض التعايش، وهو أخطر ما تنتجه، وهذا الخطر يحذر منه الناشط الحقوقي رياض الدبعي في حديثه لـ " يمن فريدم" : "هناك أمر خطير في هذه المراكز يتم شحن الأطفال بخطاب طائفي، خطاب عنصري، خطاب جهوي، هذا الخطاب يفتقر إلى التعايش والتسامح مع الناس الآخرين، يتم تسميم أفكار هؤلاء الأطفال، إضافة إلى أنه هؤلاء الأطفال يتعلمون بعض المصطلحات التي تحرض على الكراهية والعنف، وأيضا يتم تدريسهم ملازم الحوثيين ويجبروهم بالاستماع إلى خطب عبد الملك الحوثي، وبالتالي ما يتم في هذه المراكز غسل أدمغة الأطفال، وهذا هو الأمر الخطير".

 

ترهيب الأسر

 

علي قائد (اسم مستعار) لرجل في الأربعين من العمر، لديه ثلاثة أطفال حاول الحوثيون استقطابهم إلى المراكز الصيفية هذا العام، لكنه رفض ذلك وسط تهديدات من مشرف الحي الذي يسكنه، ويقول (علي) في حديث لـ " يمن فريدم": " اضطررتُ لإبعاد أطفالي إلى الريف عند والدي خوفا من استقطاب الحوثيين لهم وتسجليهم في المركز الصيفي القريب من منزلنا، رغم تهديدات عاقل الحارة والمشرفين لنا، لكننا تحدثنا معهم أن اطفالي في الريف يزورون جدهم وجدتهم".

 

هذا نموذج لحالة الترهيب التي يمارسها الحوثيون بحق الأسر في محاولة لإجبارها على الزج بأطفالها إلى المراكز الصيفية، وهو ما حذر منه (علي) في تصريحه لـ " يمن فريدم" حيث قال: " المراكز تدرس الأطفال ملازم الجهاد وتشجعهم على الذهاب للجبهات لقتال العدو مثلما يقولون، ويزرعون الكراهية في نفوس الأطفال، وهذا ما جعلني أبعد أطفالي إلى الريف".

 

تجريم استغلال الأطفال

 

‏تعد المراكز الصيفية المدخل الرئيس لعمليات تجنيد الأطفال واستغلالهم في ظل الحرب وغياب مؤسسات الدولة، حيث يسخر الحوثيون كل الامكانيات لتجنيد الأطفال وضمهم إلى صفوفهم، وهو ما تحدث عنه الناشط رياض الذي قال لـ "يمن فريدم": "بالنسبة لمراكز الصيفية التي يتبناها الحوثي كل سنة بعد الإجازة المدرسية تعتبر هي الخطوة الأولى لحشد الأطفال إلى جبهات القتال، مثل خلال هذه المراكز يعمل الحوثيون أولا على اختيار الكثير من الأطفال الذين لديهم بنية جسمية، ويعمل على تدريبهم ومن ثم يدخلون في مسألة دورات ثقافية ويقوم بالزج بهم في جبهات القتال، والترتيبات اللوجستية في مسألة الطعام والماء".

 

ومن الناحية القانونية لتجنيد الأطفال فإن هذا الأمر مجرّم وغير مسموح به وفقا للدستور اليمني، ويقول رياض في رده على سؤال عن تجريم تجنيد الأطفال: " مسألة تجنيد الأطفال مخالف للقانون اليمني حيث أن القانون يشير إلى أنه التجنيد يتجاوز العمر  18 عام وهؤلاء الاطفال هم أطفال صغار من عمر 12 و 13 ، هذا مخالفة قانونية للدستور اليمني، إضافة إلى أن هذا التجنيد هو انتهاك  لحقوق الطفل، وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واليمن موقعة ومصادقة عليها في عام 1990، والتي تقول إنه يمنع تجنيد الأطفال أقل من 18 عام، إضافة إلى أن هناك البروتوكول الأول والبروتوكول الثاني الملحقين بالاتفاقية فيما يخص اشراك الأطفال أثناء النزاع المسلح، واليمن ليست مصدقة عليه لكن هذا يشير إلى عدم اشراك الأطفال أثناء النزاع المسلح".

 

دور مجتمعي

 

يمثل الدوري المجتمعي ركيزة أساسية لمواجهة خطر المراكز الصيفية في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا أن هذا الدور محفوف بمخاطر التهديد والوعيد من قبل الجماعة، وهي مهمة ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل الأسرة في ظل البيئة التي أصبحت خطيرة على الأطفال مع كل تدشين لهذه المراكز.

 

الدكتور محمود البكاري، أستاذ في قسم الاجتماع بجامعة تعز، يقول في تصريح لـ " يمن فريدم": "إن الأطفال هم أمانة ومسؤولية كبيره تقع على عاتق الأسرة والمجتمع والدولة، ويجب الحفاظ عليهم والنأي بهم عن كل أشكال العنف والتحريض والصراعات السياسية والمذهبية والطائفية والمناطقية، لأن ذلك يشكل تدمير للنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية ولمستقبل الوطن والأجيال".

 

ويرى الدكتور البكاري أنه ينبغي تنشئة "الأطفال على أساس الثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية وحب العلم والمعرفة فالأمم التي أدركت أهمية التنشئة السليمة للطفولة واستطاعت أن تتبوأ أعلى مراتب التطور والتقدم".

 

ويحذر البكاري في تصريحه من خطورة الشحن الطائفي والمذهبي الذي يمارس من خلال المراكز الصيفية على الأطفال، ويوجه رسالة للمجتمع مفادها: " نشر الوعي في أوساط المجتمع بأهمية الحفاظ على أطفالهم وعدم الزج بهم في هذه المراكز كونها لا تخدم حاضرهم ولا مستقبلهم".

 

خطاب موجه وخطاب مضاد

 

يقول الإعلام الحوثي عن هذه المراكز الصيفية إنها تأتي لتسليح النشء والشباب بما وصفوه الثقافة القرآنية والولاء والهوية الايمانية، وهو خطاب ظاهر يعكس الخطاب الخفي الذي تتبناه الجماعة في غالبية المدارس في مناطق سيطرتها.

 

وبحسب إعلام الجماعة فإن المدارس الصيفية (المغلقة والمفتوحة) قد يصل عددها هذا العام إلى نحو9 آلاف و100 مدرسة، وعدد الطلاب مليوناً و500 طالب وطالبة لتعليم ما قالوا عنه الثقافة الايمانية ومواجهة الحرب الناعمة.

 

هذا الخطاب الموجه الذي تنتهجه وسائل إعلام الحوثيين يقابله خطاب مضاد في خطوة تحذيرية من خطورة المراكز الصيفية، فقد حذرت منظمة (ميون لحقوق الإنسان) في بيان، من خطورة هذه المراكز على سلامة الأطفال.

 

المنظمة قالت إنها وثقت خلال العام الماضي وقوع عمليات تجنيد ممنهجة للأطفال وأنشطة شبه عسكرية وأخرى طائفية علاوة على توثيق تعرض عدد منهم لاعتداءات جسدية وجنسية.

 

واهابت منظمة ميون، "بالآباء والأمهات الحفاظ على فلذات أكبادهم بعدم التجاوب مع دعوات الالتحاق بتلك المراكز المشبوهة وعدم تسليم أطفالهم فريسة للانتهاكات لاسيما في المراكز المغلقة".

 

منظمة "سام" للحقوق والحريات، مقرها جنيف، هي الأخرى حذرت من خطورة المراكز الصيفية، وقالت "إن تلك المخيمات عبارة عن قنابل موقوتة لما تتضمنه من ممارسات خطيرة مثل التعبئة الطائفية واستقطاب الأطفال للقتال الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إطالة أمد الصراع وإنشاء جيل يحمل أفكارا مسمومة".

 

ودعت "سام" المجتمع الدولي والدول العربية المتدخلة في الصراع اليمني إلى ضرورة ممارسة كافة الضغوطات على الحوثيين لإيقاف هذه المراكز الصيفية الطائفية والتوقف عن استقطاب الأطفال، مطالبة بإنشاء مخيمات ومراكز صيفية تُشرف عليها لجان الطفولة والتعليم التابعة للأمم المتحدة من أجل الارتقاء بأطفال اليمن بدلًا من تركهم عرضة لخطر تشويه الأفكار والإشراك في القتال.

 

توجهات حكومية لمواجهة المراكز الصيفية

 

بدأت الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، بأنشطة متعدد لمواجهة مخاطر المراكز الصيفية التي دشنها الحوثيون مؤخرا إلى جانب نزول ميداني إلى مناطق سيطرتها للتأكد من حالات التجنيد أولا، والتوعية بمخاطر المراكز الصيفية ثانية.

 

وتعليقا على هذه التوجهات الحكومية، كشف وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، نبيل عبدالحفيظ، عن نزول ميداني لرصد حالات تجنيد الأطفال والتوعية بمخاطر المراكز الصيفية، وقال في تصريح لـ " يمن فريدم" "نحن لدينا نشاطين في إطار وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، النشاط الأول يتمثل في المشروع الخاص بمنع تجنيد الأطفال والذي قمنا من خلاله بالنزول إلى كافة المعسكرات والنقاط الأمنية للتأكد أولا فيما يخص طرف الحكومة الشرعية من وجود أي أطفال في عملية التجنيد، ثم القيام بعملية نزول إعلامي عبر القنوات الإعلامية وعبر المدارس لوضع نوع من التوعية حول عملية تجنيد الأطفال أو اخذهم إلى المراكز الصيفية وغيرها من الأنشطة التي تقوم بها الميليشيات الحوثية في انتهاك صارخ لحق الطفولة في أن تكون بعيدة عن أي صراع".

 

وقال عبدالحفيظ أن الحكومة تشجيع منظمات المجتمع المدني المحلية او الدولية للمشاركة في " توعية حقيقية" ضمن إطار الجانب الإعلامي، إلى جانب النزول المدرسي والتوعية المجتمعية، والوصول إلى المناطق النائية لإيصال هذه الرسالة من أجل حماية الطفولة ونشر أثر هذه المراكز على الأطفال من حيث تحويلهم إلى نواة "لعناصر إرهابية" قادمة، وفق كلامه.

 

ولخص وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنساني، مخاطر المراكز الصيفية في عدة نقاط منها أن هذه المراكز تسعى لصناعة "عناصر إرهابية" لتفخيخ وتعكير صفو المستقبل من خلال هؤلاء الأطفال الذين يجرونهم إلى هذه المراكز الهدامة التي تريد أن تغسل أدمغتهم وتجعلهم هم عبارة عن قنابل موقوتة، إلى جانب سعي هذه المراكز إلى ضرب السلم الاجتماعي، بالإضافة إلى تغذية وتعبئة المعارك من خلا هذه المراكز واستقطابهم الأطفال وغسل أدمغتهم وتحويلهم إلى المعارك.

 

ويعتبر الوكيل نبيل عبدالحفيظ أي أعمال في إطار حقوق الطفل هي تعد انتهاكات جسيمة سواء في القانون المحلي أو في القانون الدولي، مشيرا إلى اتفاقيات جنيف الخاصة بالقانون الدولي الإنساني أو الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل أو العهدين الدوليين للحقوق، وقال إنها تصب في أهمية أن يكون الطفل بعيدا عن الصراعات والمؤثرات التي قد تجعل منه مجرما أو إرهابيا في المستقبل، على حد وصفه.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI