بدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أول زيارة له إلى الصين منذ توليه منصبه ويجري خلالها محادثات مع المسؤولين الصينيين في محاولة لترميم العلاقة بين الطرفين. الزيارة سبق وأن أُجلت بسبب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وصل وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن صباح اليوم (الأحد 18 يونيو/ حزيران 2023) إلى بكين، في زيارة هي الأرفع لدبلوماسي أمريكي منذ 2018 وتهدف إلى محاولة تخفيف التوتّرات الثنائيّة. وفي وقت لا يُتوقّع تحقيق تقدّم كبير نظرا إلى وجود نقاط خلافيّة كثيرة، يبقى الهدف متمثلا في العمل على بدء إذابة الجليد الدبلوماسي والحفاظ على حوار "لإدارة العلاقات الصينية الأمريكية بمسؤولية"، وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية.
وقد بدأ الوقت ينفد لأن العام المقبل هو الموعد النهائي لإجراء انتخابات في كل من الولايات المتحدة وتايوان التي تعتبرها الصين إحدى مقاطعاتها التي تريد إعادة ضمها بالقوة إذا لزم الأمر. ويقضي بلينكن يومين في العاصمة الصينيّة في إطار هذه الزيارة التي كانت مقرّرة أصلا (في شباط / فبراير) لكنّها أُلغِيت فجأة وقتذاك بعد تحليق منطاد صيني فوق الأراضي الأمريكيّة اعتبرت واشنطن أنّه لأغراض "التجسّس" بينما أكدت بكين أنه مركبة أرصاد جوية انحرفت عن مسارها.
وبينما كان بلينكن متوجها إلى الصين، قلل الرئيس الأمريكي جو بايدن من شأن واقعة المنطاد قائلا "لا أعتقد أن القادة (الصينيين) كانوا يعرفون مكانه أو ما كان في داخله أو ما كان يجري". وأضاف أمام صحافيين السبت "أعتقد أن الأمر كان محرجا" لبكين "أكثر منه متعمدا".
وأمل بايدن في أن يجتمع مجددا مع الرئيس شي جينبينغ "في الأشهر المقبلة" بهدف "الحديث حول اختلافاتنا المشروعة لكن أيضا حول المجالات التي يمكننا الاتفاق عليها". وكان الرئيسان قد عقدا اجتماعا طويلا ووديا (في تشرين الثاني / نوفمبر 2022) على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي.
ومن المرجح أن يحضر الزعيمان قمة مجموعة العشرين المقبلة (في أيلول / سبتمبر) في نيودلهي. وشي مدعو إلى سان فرانسيسكو (في تشرين الثاني / نوفمبر) عندما تستضيف الولايات المتحدة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.
وقبيل مغادرته واشنطن، أراد بلينكن أن يكون متفائلا إلى حد ما. وقال إن هذه الزيارة التي تستغرق يومين يجب أن "تفتح خطوط اتصال مباشرة حتى يتمكن بلدانا من إدارة علاقتنا بمسؤولية، بما في ذلك من خلال معالجة بعض التحديات والتصورات السيئة ومن أجل تجنب الحسابات الخاطئة". وأضاف أن "المنافسة الشديدة تتطلب دبلوماسية مستمرة لضمان عدم تحوّلها مواجهةً أو نزاعا" لأن "العالم يتوقع تعاون الولايات المتحدة والصين".
وكان بلينكن يتحدث في مؤتمر صحافي إلى جانب نظيره السنغافوري فيفيان بالاكريشنان. ووصف الأخير العلاقة الصينية الأمريكية بأنها "تحدي القرن"، قائلا "بقية العالم ستراقبكم. نأمل، وأعتقد أنكم ستكونون قادرين على إدارة خلافاتكم". وتمثل تايوان أكثر ملف شائك بين القوتين. ونفذت بكين مناورات عسكرية تاريخية حول الجزيرة (في آب / أغسطس) ردا على زيارة لتايوان أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكية آنذاك نانسي بيلوسي في إطار جولة آسيوية.
وقبل زيارة بلينكن قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين إن الولايات المتحدة يجب أن "تحترم المخاوف الجوهرية لدى الصين" وأن تتعاون مع بكين. وأضاف "يجب على الولايات المتحدة التخلي عن وهم التعامل مع الصين من موقع قوّة. يجب على الصين والولايات المتحدة تطوير علاقات على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، واحترام خلافاتهما".
زيارة بلينكن هي الأولى لوزير خارجية أمريكي إلى الصين منذ زيارة (في تشرين الأول / أكتوبر 2018) أجراها سلفه مايك بومبيو الذي انتهج لاحقا استراتيجية مواجهة مع بكين في السنوات الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب.
ومنذ ذلك الحين حافظت إدارة بايدن على هذا الخط المتشدد وذهبت أبعد من ذلك في بعض المجالات، بما في ذلك من خلال فرض ضوابط على الصادرات بهدف الحد من شراء بكين وتصنيعها رقائق متطورة "مستخدمة في تطبيقات عسكرية". لكن الإدارة الأميركية تريد التعاون مع الصين في قضايا رئيسية مثل المناخ. وتأتي زيارة بلينكن أيضا في وقت يشهد جزء من الصين موجة حارة مع تسجيل درجة حرارة قياسية جديدة (في منتصف حزيران / يونيو.)
بالنسبة إلى داني راسل، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمربكية، فإن لكل طرف مصلحة في هذه الزيارة: فالصين تأمل في تجنب قيود أمريكية جديدة على التكنولوجيا وأي دعم جديد لتايوان. أما الولايات المتحدة فترغب من جهتها في منع أي حادث يحتمل أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية.
وقال راسل إن "زيارة بلينكن القصيرة لن تحل أيا من المشاكل الكبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وليس بالضرورة المشاكل الصغيرة أيضا. كما أنها لن تمنع أيا من الجانبين من متابعة أجندتهما التنافسية". وأضاف "لكن زيارته يمكن أن تعيد إحياء الحوار المباشر الذي تشتد الحاجة إليه وتبعث إشارة إلى أن البلدين ينتقلان من خطاب الغضب أمام وسائل الإعلام إلى محادثات أكثر رصانة خلف أبواب مغلقة".