أعلنت المملكة العربية السعودية، الثلاثاء، تقديم دعم مالي بقيمة 1.2 مليار دولار للحكومة اليمنية لمواجهة عجز الموازنة ودعم المرتبات والأجور والأمن الغذائي وفق تصريحات رسمية. لكن السؤال: إلى أي مدى سيُمكّن هذا الدعم الحكومة من مواجهة مشاكلها الاقتصادية، بما يمكن اعتباره حلًا مُستدامًا لمواجهة العجز، وليس مؤقتًا تعود بعده الحكومة لمربع ذات الأزمة؟
تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها عجزا ماليا مع توقف تصدير النفط من موانئها جراء هجمات الحوثيين في خريف العام الماضي
وتواجه الحكومة اليمنية المعترف بها عجزا ماليا مع توقف تصدير النفط من موانئها جراء هجمات الحوثيين في خريف العام الماضي؛ وهو ما ترتب عليه عجز في الأجور والمرتبات والنفقات على مشاريع الخدمات وغيرها؛ وتسبب بانهيار في قيمة الريال أمام العملات الأجنبية؛ وبالتالي ارتفاع في الأسعار، في ظل وضع معيشي وخدماتي متردٍ، مع تصاعد وتيرة الحرب الاقتصادية في أكثر من مجال.
وأعلنت السعودية، الثلاثاء، تقديم 1.2 مليار دولار، وحسب وكالة الأنباء السعودية (واس) فإن هذا الدعم يأتي "استجابة لطلب حكومة الجمهورية اليمنية لمساعدتها في معالجة عجز الموازنة، ودعماً لمجلس القيادة الرئاسي، وامتداداً للاتفاقية الموقعة بين حكومة المملكة واليمن في مجال أعمال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن داخل الجمهورية اليمنية بتاريخ 13/ 8/ 1441هـ".
حل مستدام أم مؤقت؟
يقول الصحافي الاقتصادي اليمني، عبد الحميد المساجدي، لـ "القدس العربي"، إن هذا "الدعم عبارة عن حل إسعافي مؤقت نظرا للمخاطر التي كانت تنتظر الحكومة مع توقف تصدير النفط وإجبار الحوثيين للتجار على الاستيراد عبر ميناء الحديدة، ومنع دخول الغاز المنزلي من مأرب إلى مناطق سيطرتهم".
وأكد "هو دعم مباشر للموازنة لتعويض الإيرادات المفقودة من توقف تصدير النفط، وتتصرف فيه الحكومة بحسب أبواب الموازنة العامة، وسيتم بواسطته مواجهة النفقات الحتمية".
وفيما يتعلق بتأثير هذا الدعم في مواجهة العجز الحاصل، أوضح "إذا لم تتحرك الحكومة لتعظيم إيراداتها وتعزيز الشفافية والحوكمة ومكافحة الفساد، فلن يكون لهذا الدعم أي أثر".
لكنه أكد، في ذات الوقت، أهمية هذا الدعم، باعتباره جاء في ظروف اقتصادية صعبة للغاية تمُرّ بها الحكومة اليمنية مع احتدام الحرب الاقتصادية، جراء اصرار الحوثيين على تجفيف مصادر إيرادات الحكومة.
وقال إن هذا التمويل سيمنع مؤقتا أي انهيار في قيمة الريال في مناطق نفوذ الحكومة، وسيغطي جزءا من عجز الموازنة؛ وهو ما يتطلب، وفقه، من الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي تنفيذ إصلاحات اقتصادية وعدم تكرار ذات الأخطاء السابقة في التعامل مع الدعم.
وأضاف "على الحكومة تحقيق اكتفاء ذاتي، وبخاصة على صعيد سداد التزامات البابين الأول والثاني من الموازنة؛ وهو ما يتطلب تقشفًا في النفقات يتم من خلاله التخلص من كثير من النفقات غير الضرورية، وذلك من خلال وضع موازنة تُراعي الوضع الراهن، وتكون تحت رقابة البرلمان. ففي هذه الحالة يُمكن للحكومة تحقيق ولو جزء من الاستقرار المالي المطلوب".
وكان رئيس مجلس القيادة اليمني، رشاد العليمي، أشاد بهذا الدعم، وقال "إن الدعم السعودي الجديد يؤكد موقف المملكة المشرف، ونهجها الملتزم بدعم الشعب اليمني، وشرعيته الدستورية، وتخفيف معاناته الإنسانية، وحماية حقوقه المشروعة في إعادة إعمار، وبناء مؤسسات الدولة، والسلام والاستقرار، والتنمية"، وفق وكالة الأنباء الحكومية.
وشهدت الرياض، الثلاثاء، توقيع اتفاقية المنحة من قبل محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد المعبقي، والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.
تعميم رئاسي
في سياق متصل، أصدرت الرئاسة اليمنية، الثلاثاء، بالتزامن مع توقيع اتفاقية المنحة، تعميما يقضي بإلزام الوزراء والمحافظين ونواب الوزراء ووكلاء الوزارات ورؤساء الأجهزة التنفيذية بالتواجد في مقرات أعمالهم بالعاصمة عدن وغيرها من المحافظات ابتداءً من تاريخ 6 أغسطس/ آب. وحسب التعميم سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق مَن يخالف ذلك.
كما ألغى التعميم "أي تفويضات بالصرف من موازنة الدولة أو موازنات الجهات، وقصر الصرف على المخولين قانونيًا، الوزير ونائبه، والمحافظ ونائبه، ورئيس الجهاز ونائبه".
وحسب متابعين، فإن هذا التعميم يمثل مؤشرا إيجابيًا لبدء التعاطي المسؤول للحكومة مع التزامات المرحلة الراهنة، لكنه غير كاف لضبط النفقات، مشترطين وضع خطة تقشفية، يتم من خلالها حصر الموازنة العامة في النفقات الضرورية، مع اشتراطات أكثر صرامة في التعامل مع تغطية التزامات الموازنة العامة، وبخاصة تجاه المرتبات والخدمات من جهة وضبط أقنية الإيرادات من جهة أخرى؛ لأن إلزام القيادات التنفيذية بالدوام في مقرات أعمالهم، في ظل بقاء الكثير منهم خارج الوطن، وحصر تفويضات الصرف في القيادات العليا يبقى بحاجة الى إجراءات أخرى تستكمل معالجة كافة أوجه القصور، الذي يُبقي الحكومة في ذات المربع في ظل استمرار الحرب الاقتصادية.