7 يوليو 2024
15 سبتمبر 2023
يمن فريدم-اندبندنت فارسية
عزز حراك "المرأة، الحياة، الحرية" وضع المرأة في الأسرة والمجتمع وغير سلوك عديد من الآباء والأزواج في إيران (أ ف ب)

 

الحراك الشعبي الإيراني الذي اتخذ من شعار "المرأة، الحياة، الحرية" عنواناً له، بدأ بعد ما قتلت شرطة الأخلاق في العاصمة طهران الفتاة الكردية مهسا أميني. النظام الإيراني الذي أسس أركانه بالتسلط على النساء وانتهاكه لحقوقهن، اهتز من هذا الحراك الشعبي ووقف بقوة ضد جميع مطالبهن.

 

تخلل هذا الحراك ومنذ الأيام الأولى عديداً من النشاطات الاحتجاجية الرمزية، وأقدمت الفتيات الإيرانيات على قص شعرهن وحرق حجابهن، هذا النوع من الاحتجاجات لم يكن ممكناً في العقود الماضية، نظراً إلى القمع الذي تمارسه السلطات في إيران تجاه المرأة ورغباتها الإنسانية.

 

صحيح أن الحراك الشعبي الإيراني عام 2022 لم يؤد إلى تغيير النظام السياسي الحاكم، إلا أنه خلق خطاباً قوياً أحدث تغييرات مهمة على المستويين الفردي والاجتماعي لعديد من الإيرانيين. هذه التغييرات أصبحت واضحة وملموسة ليس لشرائح المجتمع الإيراني فحسب، بل إن من يراقب هذا المجتمع من بعيد يشاهد هذه التغييرات، ويرى أنها بلا أدنى شك من إنجازات هذا الحراك الشعبي الذي أخذ من شعار "المرأة، الحياة، الحرية" عنواناً له للتغيير المنشود.

 

أدى هذا الحراك إلى تراجع النظام الأبوي بين الأسر الإيرانية التقليدية إلى حد كبير، ورفع من مكانة المرأة في المجتمع الذي يهيمن عليه "الحكم الاستبدادي المتمثل بنظام رجال الدين". وفي الوقت نفسه شجع النشطاء المدنيين على رفع مطالب النساء الحقوقية لتحقيقها في مستقبل إيران السياسي وفقاً للنماذج العالمية.

 

تمرد النساء على الحجاب الإلزامي

 

لقد قمع النظام الإيراني وبلا رحمة هذا الحراك الشعبي وفي جميع أنحاء البلاد، وبالفعل استخدم جميع قواه الأمنية وأدواته لإسكات صوت الشعب، إلا أن هذا الحراك الذي خرج من رحم شعار "المرأة، الحياة، الحرية" شجع عديداً من فئات المجتمع الإيراني على سلك طريق التغيير للتخلص من هذا "النظام القمعي".

 

أهم إنجازات الحراك

 

ورداً على هذا السؤال الذي طرحته "اندبندنت فارسية"، أجاب عدد من المواطنين في مدينة طهران وأصفهان وشيراز ومشهد، بالقول إن هذا الحراك الشعبي كسر الخوف وتخلت النساء والفتيات الإيرانيات عن الحجاب الإلزامي بصورة علنية، والمثير للاهتمام أن الرجال دعمهن أيضاً.

 

لادن، طالبة جامعية وتبلغ من العمر 39 سنة، قالت إن التغيير الذي طرأ على الشارع الإيراني في العام الماضي ملفت للغاية ومهم، لدرجة أنه لا يمكن مقارنة المجتمع الإيراني بالعام ونصف العام الماضيين. والجميل في الموضوع أن المواطنين يشعرون بمزيد من التعاطف تجاه بعضهم بعضاً، و"كأنهم يعلمون أنهم يقفون على جبهة مشتركة وبأيد فارغة في مواجهة عدو مشترك".

 

ووصفت لادن، وهي طالبة ماجستير في علم الاجتماع، الإنجازات التي تحققت خلال هذا الحراك، بالقول إنه خلال هذه الفترة، حتى نساء الطبقتين الوسطى والدنيا في المجتمع الإيراني تعرفن على حقوقهن وبدأن في يطالبن بها.

 

وأضافت لادن، أن معظم النساء وبسبب المشكلات الاقتصادية، يضطررن إلى العمل إلى جانب الرجال، إلى جانب مسؤوليات الأمومة والأسرة، ومعظم الإيرانيات لا يعرفن عن حقوقهن الأساسية، لكن أحداث الحراك الشعبي الأخير عزز من المعرفة الاجتماعية لدى النساء، وكانت بداية للمطالبة بالحقوق.

 

مريم، البالغة من العمر 36 سنة، ناشطة في مجال حقوق الأطفال وتقيم في منطقة أمير آباد في العاصمة طهران، تقول أيضاً إنها التقت خلال العام الماضي بعدد من النساء والفتيات اللاتي أصبحن أكثر وعياً بحقوقهن مقارنة بالعام الماضي. وأما الآن، فلم يعدن على استعداد لاتباع عديد من القواعد التقليدية والمعادية لحقوق المرأة، بما في ذلك أجر قليل في مقابل ساعات عمل كثيرة.

 

وبناء على ما ذكرته مريم فإن العصيان المدني للنساء وخلعهن للحجاب الإلزامي، على رغم أن هذا أثار غضب النظام، إلا أنه ليس سوى حال رمزية للتغييرات الكبيرة والملحوظة التي شهدها الشارع الإيراني خلال العام الماضي.

 

وتعتقد مريم أن ما يزيد من غضب النظام هو دعم الرجال للنساء، لأن جزءاً كبيراً من عمليات القمع التي تتعرض لها المرأة في الشارع الإيراني كان يسند إلى هؤلاء الرجال وباسم الدين والتقاليد.

 

الرجال بجوار النساء

 

إن حراك "المرأة، الحياة، الحرية" عزز وضع المرأة في الأسرة والمجتمع الإيرانيين إلى حد كبير، وغير سلوك عديد من الآباء والأزواج والإخوة الذين كانوا متأثرين بالمفاهيم التقليدية والعصبية التي تحكم المجتمع، والملفت أنهم لم يعودوا يتأثرون بما يرغب فيه النظام. وهذا ما قالته لادن إن "الرجال لم يعودوا مستعدين للعب في أرض النظام، وهذا يعني أن النظام الإيراني تلقى هزيمة ثقيلة جداً".

 

وأما زهراء، فتبلغ من العمر 35 سنة، من سكان العاصمة طهران وتنحدر من عائلة متدينة، يبدو أنه منذ حوالي 10 سنوات، وبعد أن درست في الحوزة العلمية لأربع سنوات، تركتها وقررت أن تختار مساراً آخراً لحياتها. زهراء الآن هي كاتبة وروائية، وتغيرت نظرتها تجاه الحجاب والمعتقدات الدينية كثيراً. هي لا تزال غير قادرة على التعبير عن آرائها بشجاعة، كما أن عائلتها المتدينة وزوجها لم يسمحا لها بخلع الحجاب، إلا إنها ومنذ فترة وعندما تكون بمفردها في الشارع لم ترتد الحجاب.

 

وعن التغييرات التي طرأت على حياتها خلال العام الماضي، قالت زهراء لـ"اندبندنت فارسية"، "أصبحت أكثر شجاعة من ذي قبل، وعدا عن خلع الشادر (العباية) لم أضع الوشاح على رأسي بعد. وهذا تزامن مع التغيير الذي حصل لعائلتي وأصبحت اليوم أكثر شجاعة وجرأة". وأضافت زهراء أنه "قبل عام ونصف العام، إذا ما أقدمت على خلع الحجاب لانتهى بي الأمر إلى الطلاق. لكنني اليوم تخليت عن الحجاب كلياً".

 

وقالت زهراء أيضاً، إن زوجها ووالد زوجها، بعد القمع الدموي الذي تعرضت له الفتيات والفتيان الصغار في الاحتجاجات التي عمت البلاد، غيرا نظرتهما تجاهها.

 

رأي لادن، عن نظرة العائلات تجاه النساء يكمل ما قالته زهراء، إذ إنها تعتقد أنه عائلات عدة أدركت أنه لا يجوز أن تتأثر بما يمليه النظام عليها. ولذلك، غيروا سلوكهم واعترفوا بحقوق النساء والفتيات، وهذا ما أثار غضب النظام.

 

لادن، طالبة علم الاجتماع، تعتقد أنه صحيح أن التغييرات التي طرأت على المجتمع الإيراني هي نتيجة طبيعية لتواصل الإيرانيين مع العالم الحر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الفضل يعود في المقام الأول لحراك "المرأة، الحياة، الحرية" الذي أسرع في تحقيق هذه الإنجازات في غضون عام واحد، وأطلق رصاصة الرحمة على النظام الإيراني.

 

المستقبل والنشطاء

 

أكد الناشطون المدنيون والناشطون في مجال حقوق المرأة، وفي مناسبات عدة خلال السنوات الماضية، أنه في عام 1979 عندما أسس الخميني نظام الإيراني كان اعتمد على مفاهيم المجتمع الديني والتقليدي في إيران، وأن المنظمات لم تكن نشطة بطريقة منظمة، ولهذا السبب ضاعت المطالب وحقوق المرأة في تلك الفترة من الثورة التي كان زعيمها ذات نظرة مناهضة للمرأة وحقوقها.

 

وبعد أن بدأ الحراك الشعبي على مستوى البلاد وازداد الأمل في تحرير إيران من قبضة رجال الدين، تحرك عديد من الناشطين المدنيين في الداخل والخارج لنشر بيانات تتحدث عن حقوق المرأة في إيران المستقبل، وأقيم عديد من الأنشطة في هذا الخصوص حتى لا يتكرر ما حدث عام 1979 مرة أخرى.

 

وفي هذا السياق وبعد مرور ثلاثة أشهر على الحراك الشعبي نشرت مجموعة من الناشطات ورقة تحت عنوان "ميثاق مطالب النساء الإيرانيات"، ودعت إلى تمكين النساء من الحصول على حصص متساوية من السلطة وفي جميع المجالات، ومنها: السياسية والاجتماع والتعليم والصحة والزواج والأسرة والعمل والأمن.

 

كما أقدمت مجموعة أخرى من الناشطات داخل إيران ومنهن: ياسمين آرياني ومنيرة عربشاهي وبوران ناظمي وعالية اقدام دوست، على إعداد ورقة تحت عنوان "ميثاق المطالب التقدمية للمرأة". وتضمنت هذه الورقة المطالب التالية: الحجاب اختياري، وإلغاء الفصل بين الجنسين على جميع المستويات، وفصل الدين عن السلطة، وحرية الفكر والتعبير، وإلغاء أي نوع وصاية على المرأة، وتوفير الأمن الجنسي والجسدي والعقلي للمرأة، والمساواة غير المشروطة بين الرجل والمرأة في جميع المستويات السياسية والاجتماعية والتعليمية.

 

ومن الأنشطة الأخرى التي انطلقت بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، هي صياغة "مشروع حقوق المرأة"، من عدد من النشطاء الإيرانيين في الداخل والخارج. وتضمن هذا المشروع الذي يتكون من 20 مادة، مجموعة من الحقوق والمطالب النسوية وهوياتها والجنسية والجندرية المختلفة.

 

إن الحراك الشعبي الذي عم جميع أنحاء البلاد بدأ بمقتل فتاة صغيرة في معتقل شرطة الأخلاق في العاصمة طهران، وتوسع وانتشر كالنار في الهشيم. الحراك الشعبي اجتاز كل العقبات وأنه يسير بسرعة تجاه الهدف المقصود، هذا الحراك نضج كثيراً وأحدث تغييرات جوهرية على المستويين الفردي والاجتماعي لدى الإيرانيين. هذه التغييرات هي التي هزت النظام وأصبح يشعر بالقلق واليأس الشديدين، وتخليه عن فرض الحجاب الإلزامي خير دليل على هذا.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI