7 يوليو 2024
13 ديسمبر 2023
يمن فريدم-صحيفة العربي الجديد
GETTY IMAGES



تجاهلت أسواق النفط العالمية، أمس الثلاثاء، استهداف الحوثيين في اليمن، ناقلة نفط نرويجية كانت في طريقها إلى إسرائيل، في مؤشر على أن الأسواق لا تزال ترى أن مخاطر الهجمات التي يشنها الحوثيون لا تزال تستهدف بالدرجة الأولى المصالح الإسرائيلية وعزلها تجارياً عن مصادر الإمدادات.



ولا تزال أسعار النفط قرب أدنى مستوياتها في خمسة أشهر، رغم صعودها الطفيف، أمس، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، وذلك بعد أن فشلت تعهدات تحالف "أوبك+" بتمديد وتعميق تخفيضات الإنتاج في وقف تراجع الأسعار. جرى تداول خام برنت، المعيار العالمي، حول 76 دولاراً للبرميل، فيما جرى تداول خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في نطاق 71 دولاراً للبرميل.



وانخفضت أسعار النفط خلال الأسابيع السبعة الماضية، وهي أطول فترة من نوعها منذ عام 2018، وتراجعت بنحو الخُمس منذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، الذي كاد يلامس خلاله خام برنت 100 دولار للبرميل بعد أن وصل إلى حدود 96 دولاراً في ذلك الشهر.



ويبدو أن عملية انتقاء الأهداف التي يتبناها الحوثيون حتى الآن، عبر دقة البيانات التي يحصلون عليها بشأن السفن الإسرائيلية أو الناقلات المتجهة إلى إسرائيل رغم محاولات التمويه التي تتبعها الناقلات، قد تخلق حالة من "التحييد" الدولي بشأن تلك الهجمات، الأمر الذي يزيد من جهد الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الكثير من الدول في التحالف معها من أجل تأسيس "قوة مهام بحرية"، ولا سيما أن دخول هذا التحالف في صراع مع الحوثيين المدعومين من إيران قد يزيد، وفق محللين، من التهديدات في البحر الأحمر، وبالتالي ضرب التجارة العالمية بشكل أعمق والتأثير بمصالح الكثير من الدول، بعدما كانت تقتصر المخاطر على تجارة إسرائيل والمتعاملين معها.



ويُعَدّ استهداف ناقلة النفط النرويجية، في وقت متأخر من مساء الاثنين، أول هجوم للحوثيين على سفينة منذ إعلانهم، مساء السبت الماضي، أنهم سيهاجمون أي سفينة تبحر إلى إسرائيل، أياً كانت جنسيتها، وذلك رداً على الحصار الإسرائيلي المميت لسكان قطاع غزة واستمرار الحرب الوحشية الإسرائيلية بحقهم.



وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، أمس الثلاثاء: "انتصاراً لمظلوميةِ الشعبِ الفلسطينيِّ الذي يتعرضُ في هذه الأثناءِ للقتلِ والتدميرِ والحصارِ في قطاعِ غزة.. نفذت القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية عمليةً عسكرية نوعية ضد سفينة استريندا التابعة للنرويج، كانت محملةً بالنفط ومتجهة إلى الكيانِ الإسرائيلي، وقد استُهدِفَت بصاروخٍ بحري مناسب".



وكانت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" قد أعلنت مساء الاثنين أن الناقلة أصيبت في أثناء مرورها في باب المندب بصاروخ مجنّح (كروز) مضاد للسفن، مشيرة إلى أن الناقلة أبلغت عن "وقوع أضرار سبّبت نشوب حريق على متنها".



ووفق المتحدث باسم الحوثيين "جرى خلال اليومين الماضيين منعِ مرورِ عدة سفن استجابت لتحذيرات القوات البحرية اليمنية"، مشيراً إلى أنه لم يُلجأ إلى استهداف السفينة النرويجية إلا بعد رفضِ طاقمها النداءاتِ التحذيرية.



وأكد الاستمرار في "منع السفنِ كافة من كل الجنسيات المتجهة إلى الموانئِ الإسرائيليةِ من الملاحة في البحرينِ العربي والأحمرِ حتى إدخال ما يحتاجُه إخواننا الصامدونَ في قطاع غزة من غذاء ودواء".


تغيير سجلات السفن


وجاء استهداف السفينة النرويجية رغم عدم الإفصاح في سجلاتها عن أن وجهتها الحقيقية هي إسرائيل، ما يشير وفق محللين إلى تمكن الحوثيين من الحصول على بيانات تفصيلية دقيقة حول السفن المتجهة إلى إسرائيل حتى مع تغيير بياناتها. وقالت الشركة النرويجية المالكة للسفينة "جي لودفيغ موينكلز ريديري" في بيان، إن الناقلة كانت في طريقها من ماليزيا إلى البندقية في إيطاليا، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، أن السفينة كان من المقرر ان تصل إلى ميناء أشدود الإسرائيلي على البحر المتوسط.



وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، أمس، أن السفينة النرويجية "كان من المقرر أن تصل إلى ميناء أشدود (جنوب)، أوائل يناير/ كانون الثاني المقبل". ولم تعلن هيئة البث الإسرائيلية أي معلومات إضافية بشأن السفينة. وذكرت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية أنه بحسب سجلات السفينة، كانت في طريقها إلى ميناء البندقية، لكن عملياً كانت الناقلة في طريقها إلى أشدود خلافاً لما جاء في السجلات".



وسببت هجمات الحوثيين المتزايدة حالة من الارتباك الشديد في إسرائيل والانقسام كذلك في أوساط حكومة الاحتلال، إذ يسود نزاع حول الطريقة التي يجب التعامل بها مع تهديد الحوثيين، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار على حد وصفها أن "إسرائيل يجب أن تهاجم الحوثيين، وهم وكلاء إيران، لأنك إذا لم تفعل ذلك فسوف تظهر الضعف".



لكن في مواجهة الأصوات الداعية إلى مهاجمة الحوثيين، قال مسؤول أمني كبير إن "أي إجراء إسرائيلي ضد الحوثيين في الوقت الحالي سيخدمهم مباشرةً ويخدم الإيرانيين الذين يريدون صرف انتباه إسرائيل عن مهمتها الرئيسية في غزة"، وفق الصحيفة الإسرائيلية.



ويبدو أن حالة الارتباك هذه لا تقتصر على الداخل الإسرائيلي، بل أيضاً على خطوات الولايات المتحدة الأميركية التي تعمل على تشكيل تحالف عسكري دولي لمواجهة الحوثيين. فقد كشفت واشنطن في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن مباحثات من أجل تأسيس "قوة مهام بحرية" دولية ضد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مشيرة إلى أن القوة ستكون تحالفاً يشمل 38 دولة.



ورداً على تلك الخطوة، أعلنت جماعة الحوثي في الثامن من هذا الشهر أن "التهديد" بإنشاء قوة دولية في البحر الأحمر لمواجهة هجماتها على السفن "لا قيمة له"، لكنه "يهدد أمن المنطقة واستقرارها".


وصول إلى البيانات بدقة


ووفق الباحث الاقتصادي اليمني مراد منصور، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، فإن القوات العسكرية والقطع البحرية الأميركية وغيرها المنتشرة على طول البحر الأحمر فشلت واقعياً في التصدي لاستهداف الحوثيين للسفن التجارية الإسرائيلية أو المتعاملة مع دولة الاحتلال خلال الفترة الماضية.



وكان وزير الإعلام في سلطات الحوثي التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء ضيف الله الشامي، قد قال في تصريحات لفضائية الجزيرة قبل أيام، إن لدى الحوثيين قدرة على الوصول إلى بيانات السفن بدقة، موضحاً: "لدينا معلومات متكاملة ومعرفة وندقق ولم نخطئ من قبل ولم يسجل أي خطأ في السابق خلال استهداف السفن الإسرائيلية".



وأضاف الشامي: "كل الملاحة الدولية ستكون آمنة ما عدا السفن الإسرائيلية، وأي سفن ستتحرك إلى إيصال أي مواد إلى الكيان الصهيوني، فستكون في مرمى نيراننا، وتكون ضمن أهداف عملياتنا وقواتنا البحرية، ولدينا القدرة على التمييز ولدينا المعرفة والمعلومات الكاملة لذلك".



وتتزايد التحذيرات من نشوب صراع أكبر في البحر الأحمر، الأمر الذي يعقد كثيراً حركة مرور السفن التجارية، وليس تأمينها حال تدخل تحالف عسكري دولي، ولا سيما أن التقارير الواردة من مؤسسات بحرية وعسكرية بشأن مهاجمة السفن في الأسابيع الأخيرة جاء بدعم من مهاجمين صوماليين أيضاً، الأمر الذي قد يزيد بؤر استهداف السفن حال توسيع نطاق الحرب في المنطقة.



وأشارت صحيفة غلوبس الإسرائيلية، إلى أنه في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حاول مهاجمون صوماليون الاستيلاء على الناقلة "سنترال بارك" المملوكة لشركة "زودياك ماريتايم" التابعة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر.

 

ورغم أن السلسلة الأخيرة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على السفن في البحر الأحمر أثارت مخاوف بشأن أمن شحنات النفط في المنطقة، إلا أنه "لا يبدو أن القلق حاد" وفق تقرير لنشرة أويل برايس الأميركية، أمس، لافتة إلى أن تحركات أسعار النفط تعكس هذا الأمر.



لكن الأحداث في ممرات البحر الأحمر تتسارع منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إذ شنّ الحوثيون في الأول من هذا الشهر هجمات على سفن إسرائيلية أو مرتبطة بتعاملات تجارية مع دولة الاحتلال في تسع ساعات فقط، بما يعادل تقريباً هجماتهم التي استهدفت المصالح الإسرائيلية العابرة للشريان التجاري الحيوي على مدار أكثر من أسبوعين سابقين.



وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني استولى الحوثيون على سفينة محملة بالسيارات تحمل اسم "غالاكسي ليدر" في البحر الأحمر، ولم تُحرَّر بعد. وفي الـ24 من الشهر نفسه تعرضت سفينة تجارية مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي لهجوم في المحيط الهندي بطائرة مسيّرة من طراز شاهد 136 يشتبه في أنها إيرانية الصنع، وفق ما أفاد به مسؤول عسكري أميركي حينها.


وبعدها بيومين أعلنت شركة "زودياك ماريتايم" التابعة لمجموعة "زودياك" تعرّض سفينة محملة بالكيميائيات في المياه الإقليمية بين اليمن والصومال لهجوم، قبل أن يعلن بعدها بساعات مسؤول عسكري أميركي أن السفينة أصبحت آمنة إثر تدخل من المدمرة الأميركية "يو إس إس ماسون" لتحريرها.



ولطالما استحوذت الممرات المائية الممتدة على البحر الأحمر شمال غربي اليمن وصولاً إلى البحر العربي وخليج عدن، على الاهتمام الإقليمي والدولي، إلا أنها وجدت زخماً أكبر بعدما تحولت إلى نقاط لاستهداف السفن الإسرائيلية، رداً على عدوان الاحتلال المدمر على قطاع غزة.

 

وتمتد السواحل اليمنية لأكثر من 2000 كيلومتر، ويشرف البلد على مضيق باب المندب الحيوي، وهو ممر مائي ضيّق بين اليمن وجيبوتي عند أقصى جنوب البحر الأحمر، واصلاً إياه بخليجي عدن وبحر العرب. ويفصل المضيق بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتوسط كذلك القارات الخمس.

 

ويُعَدّ المضيق أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم، إذ يعبره نحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط، وتزايدت أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس ومضيق هرمز في الخليج العربي. كذلك تمر عبر باب المندب 10% من التجارة البحرية الدولية سنوياً من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة. وتمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يومياً.


وفي مقابل تقليل محللين من اندلاع صراع أكبر في البحر الأحمر، ذكرت وكالة أسوشييتد برس، أمس، أن الهجوم على ناقلة النفط النرويجية سيؤدي إلى توسيع نطاق حملة الحوثيين، المدعومين من إيران، التي تستهدف السفن القريبة من مضيق باب المندب.



وقد يؤدي ذلك لتعريض السفن والناقلات التي تحمل بضائع ونفط والقادمة عبر قناة السويس للخطر، كذلك يزيد من اتساع التأثير الدولي للحرب بين إسرائيل وحركة حماس، المستعرة الآن في قطاع غزة.


البنك الدولي يخفق في التوقعات


وكان البنك الدولي قد وضع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عدة سيناريوهات لأسعار النفط في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها في المنطقة، موضحاً أن من شأن احتمال "الاضطراب اليسير" أن يدفع أسعار النفط إلى نطاق يراوح بين 93 و102 دولار للبرميل في الربع الأخير من العام الجاري.



وأشار إلى أن السيناريو الثاني يتعلق باحتمال "الاضطراب المتوسط"، الذي قد يدفع الأسعار للارتفاع إلى ما بين 109 و121 دولاراً للبرميل، بينما احتمال "الاضطراب الكبير" كسيناريو ثالث سيؤدي في البداية إلى صعود الأسعار إلى ما بين 140 و157 دولاراً للبرميل، بينما يظهر الواقع أن الاحتمالات الثلاثة التي وضعها البنك الدولي لم تتحقق، بل سارت أسعار النفط عكس هذه التوقعات تماماً بعد تسجيلها سلسلة من الانخفاضات الكبيرة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.


ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن محللين قولهم إن السبب الرئيسي وراء عدم ارتفاع أسعار النفط، أن الحرب لم تؤدِّ إلى انقطاع يذكر في إمدادات النفط من المنطقة.


وقال ريتشارد برونز، رئيس الشؤون الجيوسياسية في شركة "إنرجي أسبكتس"، وهي شركة لأبحاث السوق مقرها لندن، إن "المتداولين يدركون أن هناك مخاطر، لكن ذلك لم يدفع إلى الكثير من عمليات شراء الخام".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI