هل تسافر الطيور بحرية عبر الأقروض لبلوغ الطرف الآخر من المدينة؟ اتساءل عن ذلك، وتسألني الدموع كيف تسافر الأمنيات؟ فعلًا كيف تسافر الأمنيات؟ هل كالصورة؛ كما تفعل عدسات الكاميرا؟ على وقع تنهيدة بغير يقين أقبلت نحوي، بغير عادتها تسري بكل شرايين جسدي، ترتل أوجاعي بإيقاع تراجيدي، تنهي مراسمها بوقع صوت دمعةٍ تدلت على الهالات السوداء لترتطم على كيس به كسرة خبز احتفظ بها إلى ما بعد منتصف الليل.
هذه ليلة الرابع عشر من فبراير للعام 2024، هأنذا أقف على ملامح طير جاءت به الصدفة ضمن تفاصيل صورة فوتوغرافية التقطها عصر الثالث عشر من شباط، لعليّ أجد في ملامحه ما ينهي متاهة استفسارًا ما إذا كان حزين؟ أو في ملامحه السرور، وإن كان له حق التحليق بحرية، لكن للأسف لم تكن التفاصيل واضحة كالأوجاع التي نحملها نحنُ أبناء تعز. لماذا لا نستطيع نحنُ البشر السير بحرية حيث ما نشأ! ولماذا تقيدنا قوانين وضعية؟ ماذا لو اكرمني الله بمعجزة ليجيبني الطير؛ إن كان يسافر عبر الأقروض لبلوغ الجانب الأخر من المدينة؟.
هأنذا أقف على حقيقة إن الله لم يجعل ولاية الطيور لأي أحد في العالمين بعد سيدنا سليمان عليه السلام، إذًا فالطيور تسري بحرية في هذا الفضاء الواسع بلا حدود، وبتساؤل آخر إلى أي مكان يستطيع أن يطير ؟ وكم يبدو سعيداً بتنقله على هذه المنافذ المغلقة علينا نحن البشر ؟ حتى إلى صنعاء ؟ نعم بل إلى العالم كله.
هو من مخلوقات الله ونحنُ أيضاً، لماذا لا نستطيع نحن البشر السير على الأرض بحرية حيث ما نشأ! ولماذا تقيدنا كل هذه القوانين الوضعي ؟ يا الله لا إجابة لدي الآن، لست أدري، لكن هل تسافر الأمنيات وكم نحتاج من الوقت لنكن مثله؟. إلى هنا يكفي تساؤلات، أظنني ساذجاً بعض الشيء، وسأفسد بيدي ما إن كان يتبقى شيء من السعادة داخل هذه الروح المتعبة، إذاً سأوجز يا أصدقاء في ما هي الصورة.
التقطها من على شرفة أحد المباني في قلب مدينة تعز إن تبقى لها قلب، من حي الإخوة بالتحديد، هذا الحي الذي هشمت الحرب ملامح جماله من قبل سنوات مضنية، الصورة شملت مباني عديدة للمدينة وطير في أحد جوانبها ، فالصورة لم يكن مبيت التقاطها ،بل كانت محض صدفه مؤلمة عندما كنت اهاتف أحد الأصدقاء، وجدت ضعف في الشبكة اللاسلكية بالداخل مما اضطررت للذهاب إلى نافذة البيت، الأمر الذي جعلني التقط صورة في عمقها فندق سو فتيل المحطم أيضاً بفعل الحرب الذي أخرجته عن الخدمة نهاية عام 2015.
يقف مبنى الفندق على تل في منطقة الحوبان القريبة سابقاً والبعيدة حاضراً، يفصل بيني وبينه الف شوق وحنين، وبينه ومكاني هذا حدود رسمت بالبارود وأوزان كبيرة من الألغام بفعل الصراع، أتساءل مجدداً، هل تسافر الطيور عبر الأقروض لبلوغ الطرف الآخر من المدينة ؟ أجدني الآن، بين حقيقة أن الطيور تذهب حيثما تشأ من منفذ السماء، ونحن من يسافر عبر طريق الأقروض.
الأقروض وما أدراك ما الأقروض، جبلٌ شاسع صعب التنقل فيه، أتخذ كمنفذ عبور منذ 2015، للتنقل بين أجزاء المدينة المتشظية إلى نصفين، وطريقه غير سالكة،نتج عنها خسائر بشرية ومادية كبيرة وطريق جبل حبشي هي الأخرى لا تقل مأساة عنها.
إنه وجعا في خاصرة كل مواطن أراد زيارة أهله وذويه في العمارة المقابلة له، أقصد بالحافة الثانية خلف الحدود، وثمة هنا فهوة بندقية تغتال الأمنيات، وساعات يتنفس فيه المسافر الصعداء ليبلغ إلى آخر الحارة لزيارة والدته التي كان بالأمس يخرج إليها مع طفله حاملاً بيده وجبة الغداء وتصل ساخنة كما هي، اليوم يحتاج إلى أكثر من سبع ساعات لزيارة قبرها إن سمحت له الفرصة عبر طريق الأقروض أو منفذ آخر في مديرية جبل حبشي. يا ليته كان مزاراً تتحقق فيه الأمنيات أو حديقة ترفيهية يتقابل فيها العاشقان حتى يضعا اوزار معاناتهما فيها أو ملعباً رياضي نرسم أهدافنا في شباكه.
بأي ذنب أكثر من أربعة ملايين إنسان يعيشون منذ تسع سنوات في مساحة جغرافية محددة ؟ أيها العالم متى ستفتح المنافذ و يتنقل الإنسان بحرية في وطنه كالطير؟