في السادس والعشرين من مارس الفارط تكون قد مرت تسع سنوات على إعلان تحالف واسع - تلقص مع الوقت إلى دولتين فقط عمليا هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة - تدخلا عسكريا كان هدفه المعلن إستعادة الشرعية وذلك حتى قبل أن يطلب الرئيس المنقلب عليه هادي التدخل بشكل رسمي.
لا شك أن أحد لم يكن يتوقع تدخلا سعوديا بتلك الطريقة التي تبدو منافية لتاريخ التدخلات السعودية السابقة والتي تعتمد دعم عسكري ومالي أكثر من المشاركة المباشرة عبر قواتها العسكرية، ولا شك أن عوامل مختلفة قد أسهمت في ذلك التدخل بهذه الطريقة، أولها وصول قيادة سعودية جديدة وانتقال حكم صعب إلى الجيل التالي من آل سعود ربما توفر له الحرب شرعية وتسمح بأخذ التدبير اللازمة لنقل السلطة مع توقع الحد الأدنى من معارضة أطراف العائلة المالكة طالما البلد في حرب، والثاني تغطية أمريكية من إدارة الرئيس أوباما الذي أراد تخفيف صدمة حلفائه في الخليج العربي من اتفاقه النووي مع إيران.
جاء عاصفة الحزم ايام بعد قصف قوات تحالف الحوثي- صالح لقصر معاشيق بالطيران بعد فشل تمرد الأمن المركزي بقيادة عبدالناصر السقاف في عدن من السيطرة على المدينة والقصر الرئاسي وتمكن قوات أغلبها شعبية بقيادة العميد جواس من هزيمة الأمن المركزي وطرده والاستيلاء على مقراتها الرئيسية، ما عبر ربما عن فشل خطة الحوثي- صالح الأساسية واندفاع قواتهما نحو عدن والجنوب مع وجود مقاومة محدودة ساعد على اضعافها الانضمامات المتواصلة لمعسكرات وألوية الجيش على طول الطريق لقوات الحوثي فأغلبها كانت تدين بالولاء للرئيس السابق علي صالح بينما أنهارت معنويات اغلب الجنود والضباط المعادين للحوثي مع افتقادهم للقيادة والخطاب السياسي المقاوم، مع ذلك كانت مقاومة شعبية وانتفاضة عارمة قد منعت قوات الحوثي والأمن المركزي من الاستيلاء على أغلب مدينة تعز وتمكنت إنتفاضة شعبية من طردهم من مدينة التربة في الحجرية أربعة أيام فقط قبل عاصفة الحزم، وفي تعز بالذات كانت بعض كتائب اللواء 35 بقيادة عدنان الحمادي تخوض قتالا يائسا ضد قوات الحوثي وصالح وتعطل تقدمها لأسابيع حتى قبل أن يتم تعيين الحمادي قائدا لللواء ليكون أول لواء من الجيش يصمد ويعلن انحيازه لما سيعرف لاحقا بالشرعية.
طبعا مرت الكثير من التغييرات والانقلابات الدراماتيكية في مجرى الصراع الذي فجره الحوثي، وقد تقلب الناس والقوى السياسية والاجتماعية مرات عديدة في مواقفهم من أطراف الحرب احيانا من النقيض إلى النقيض - أبرزها الرئيس صالح وعائلته ومؤيديه، لكن حتى قوى أساسية في الشرعية.
وبجردة حساب بسيطة عن احداث ونتائج عاصفة الحزم وعلى الرغم من خيبة الأمل التي يمكن ملاحظتها عند عموم جمهور الشرعية اليمنية، يمكن سوق ملاحظة أنها انطلقت في اللحظة التي بدأ أنه لا توجد قوة حقيقية قادرة على الوقوف في وجه قوات الحوثي- صالح التي كانت قد وصلت إلى مدينة عدن، وسط ذعر وانهيار معنويات اغلب القوى السياسية والاجتماعية فلم تصدر أي دعوة جدية للتعبئة والقتال وموجهة الحوثي - باستثناء ربما مطارح القبائل في مأرب والتي بدأت بشكل مبكر - حتى من قبل الرئيس هادي، ولم يكن هناك في الواقع أي جيش خاضع لإمرته - أسباب ذلك بما فيها مسؤوليته تحتاج كتابة مفصلة ليس هذا مكانها- وكانت محاولات وزير الدفاع الصبيحي في تنظيم الدفاع واستعادة معنويات الجيش وتنظيمه كانت متأخرة كثيرا، رغم شجاعته ومناقبيته التي تركت صدا بين الناس وفي المجتمع، لكن طريقة بناء الجيش وتركيبته وطبيعة ولاءته وعامل الزمن وحتى حقيقة ابتعاده الطويل عن الجيش منذ حرب 94 بل وحتى خلافه مع أسلوب وخيارات الرئيس هادي - والتي تجلت بتفضيله الاعتكاف في قريته بعد تمكنه من العرب من قبضة الحوثيين في صنعاء- صبغت محاولاته الشجاعة بطابع تراجيدي.
تمكنت عاصفة الحزم منذ البداية من تدمير وتحييد سلاح الطيران والذي كان بقبضة قوات صالح والحوثي - ولم يكن يصعب توقع كيف سيتم استخدامه ضد أي مقاومة ضد قواتهم ولا يبدو النموذج السوري بعيدا - وتمكنت بعد أقل من أربعة أشهر من طرد قوات الحوثيين من عدن، ولاحقا من اغلب المحافظات الجنوبية،ومن دفع قوات الحوثي- صالح من أسوار مجمع محافظة مأرب حتى القرب من مطار صنعاء الدولي.
لاحقا خسرت القوات الحكومية أرضا كانت قد استعادتها خصوصا في الجوف ومأرب والبيضاء، كما أنها قد شهدت انقسامات في صفوفها - تعكس في جانب منها تضارب مصالح دولتي التحالف السعودية والإمارات- وصلت إلى طرد القوات المحسوبة على الرئيس هادي من عدن من قبل قوات المجلس الإنتقالي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومعارك واسعة وضارية في شبوة وأبين بين هذه القوات.
كما يمكن القول أيضا أن تدخل التحالف قلل من احتمالات بروز الطابع الجهادي والارهابي الذي شهدته بقية البلدان العربية التي شهدت حروبا أهلية خصوصا سوريا والعراق، ذلك الطابع الذي يعززه طبعا الطابع الطائفي والسلالي والمناطقي للحوثي، حيث ظلت على الهامش كما في رداع والبيضاء والاستيلاء - الغامض - للقاعدة على المكلا وساحل حضرموت.
وطبعا اي تقييم لوتيرة الحرب ومآلاتها لابد أن يأخذ الأهداف والمخاوف و المحاذير والمخاوف لاطرافها المحلية والخارجية وموقف القوى الدولية.
إن الحديث عن أهداف غير معلنة بل وتتناقض مع الهدف المعلن الرئيسي للتدخل وهو استعادة الشرعية، لا تبدو بلا أساس، ولا الحديث ايضا عن التوقف الغامض عند الحدود الشطرية السابقة، لكن لكل ذلك أسبابا مختلفة ومتناقضة وأخرى صنعها الزمن .
الحقيقة أن الوتيرة البطيىة التي اخذتها الحرب كانت مقصودة ربما لأنها تسمح بتحقيق أهداف مختلفة للقوى الرئيسية في التحالف وايضا القوى المحلية، أرادت السعودية من هذه الوتيرة وتطويل الحرب انتاج مراكز قوى عسكرية وسياسية واجتماعية بديلة عن التي كانت قد بنتها طوال العقود السابقة وانتقلت إلى جهة معادية سوى الرئيس صالح أو بيت الأحمر، فيما كان الاهتمام الرئيسي للأمارات هو بسك نفوذها على السواحل والموانئ وايضا ضرب أي نفوذ لقوى الإخوان المسلمين والقوى المحسوبة عليهم، بالنسبة للرئيس هادي فبالإضافة إلى اعتقاده أنه لا يمكن الاستغناء عنه طالما استمرت الحرب وان نهايتها تقرب خروجه من السلطة فقد أراد بناء مراكز قوى مناطقية مكونة اساسا من أبناء أبين وشبوة بالتحالف مع تجمع الإصلاح والجنرال محسن- الذي ربما أحد أسباب اختيار هادي له كنائب للرئيس قناعته أنه لا يصلح بديلا له لأسباب واضحة ومعروفة- ..والإصلاح والذي يمتلك الوزن الأهم داخل قوات الشرعية كان محكوما بالخوف من إرادة تصفيته واجتثاثه المتوفرة عند صف عريض من خصومه ابتدأ بالحوثي وليس انتهاء بالامارات ، لذا فالحديث عن تخزين السلاح منذ الأسابيع الأولى لمعارك قادمه وعدم خوض المعارك بشكل كامل وإضعاف المنافسين المحليين - كاللواء الحمادي - ليست بدون أساس أيضا، فتقديره إيضا أن طوال مدة القتال وتعقده سيسمح له بإقناع التحالف أنه لا يمكن الاستغناء عنه.
المجلس الإنتقالي الجنوبي والقوى الجنوبية التي تعمل من أجل فك الارتباط عموما كانت ترى في الوقت عاملا مهما من أجل تمكينها داخل مؤسسات الدولة وصولا حتى الاستقلال - ما صرخ به علانية حتى قيادات محسوبة على هادي مثل الوزير الميسري - ..أضافة إلى اعتقاده مسيطر أن غرق الشمال تحت سيطرة "مليشيا" الحوثي يقدم اكبر فرصة لاستعادة دولة الجنوب.
وبالنسبة للقوى الدولية خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا فإنها على الأرجح مثلما لن ترد انتصار الحوثر وهيمنته على عموم اليمن، فأنها لم ترد هزيمته الكاملة وفقدانه للقدرة على البقاء كشوكة غي خاصرة السعودية الضعيفة - كما هو واضح في منع قوات العمالقة والمقاومة الوطنية المدعومة من الإمارات من الاستيلاء على مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة والتي كانت في متناول اليد - وإن كانت الحرب في البحر الأحمر تشي بأمكانية تبدل هذه السياسات.
ما كان لدينا منذ البداية هو تحالف الحوثي- صالح الذي كان يمتلك كل مقدرات الدولة العسكرية والأمنية والاستخباراتية والبيروقراطية وقوى محدودة تصدت لمقاومته، ورغم خديعة التسميات فإن تسليح قوات الحوثي حتى قبل الدعم الإيراني هو تسليح جيش بينما ما يزال تسليح الجيش الوطني حتى اليوم أقرب للمليشيا.
اليوم وبعد سنوات تسع ورغم كل شيء وحتى مع اندفاع السعودية نحو مشروع سلام ملغوم ورغبتها بالتهدئه بأي ثمن لحسابات تخصها، فالواقع الميداني مختلف والقوى التي تنتمي للصف المقابل للحوثي هي اكبر وأفضل بعشرات المرات منها عشية الحرب وما يضعفها فعليا هو أن التناقضات والصراعات بينها تبدو لها الأولوية عن الصراع ضد الحوثي.
أما وجود خيار مستقل بين الانتماء لمعسكر الشرعية والتحالف أو الانتماء لمعسكر الحوثي ومن خلفه إيران، فقد جرى طمسه وضربه منذ اليوم الأول لأسباب ربما يكون أغلبها ذاتية مع أنهيار الحركة الوطنية التاريخية وتوزع جمهور ثورة فبراير على المحاور والإقليمية والمحلية وفشله في إنتاج اي بنى أو تنظيمات سياسية.
(من صفحة الكاتب في فيس بوك)